لقد كرم الله الانسان، وخلقه في أحسن تقويم وحمله الأمانة وميزه بنعمة العقل على غيره من المخلوقات ليدرك به حقائق الأشياء وعلى الرغم من ذلك فان هناك من بني البشر من لا يبالي بهذه النعمة التي تستوجب الشكر، فتراه يتمرد على نفسه ويهلك صحته بتعاطيه المخدرات ليهدم هذا العقل، ولقد شق على أنفسنا ما يقدم عليه بعض ضعفاء النفوس من الشباب نتيجة لتعاطيهم مادة "الكولونيا" السامة. وغيرها من أنواع المخدرات الأخرى هم يدركون مدى خطورتها رغم التحذيرات التوعوية التي تقوم بها اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والجهات المعنية الأخرى، عبر وسائل الاعلام المحلية والمعارض والندوات والمؤتمرات والتي يتم فيها توزيع الوسائل التوعوية من مطويات ونشرات وملصقات . ف "الكولونيا"مركبة كيميائيا من مادة الميثانول القاتلة والتي اودت بحياة الكثير من متعاطيها وحول هذه المادة استطلعنا آراء المختصين حيث تحدث المشرف على مستشفى الأمل بمحافظة جدة الدكتور محمد شاووش الغامدي قائلا: ان "الكولونيا" من اخطر الكحوليات لاحتوائها على مادة "الميثانول" التي يمكن ان تسبب غالبا لمتعاطيها فقدان البصر، والاصابة بالتليف الكبدي واصابة العصب البصري، كما ان لهذه المادة او التركيبة ان جاز التعبير - تأثيرا على جدار المعدة والجهاز العصبي الا ان المشكلة تكمن في توفر مادة "الكولونيا" في المحلات التجارية بثمن بخس. واضاف ان اغلب متعاطي هذه المادة هم من ابناء الأسر التي تمر باضطرابات اقتصادية ومشاكل اسرية ونتيجة لهذه الضغوط الحياتية يلجأون لشربها والادمان عليها، مضيفا ان من خطورة هذه الكحوليات "الكولونيا" عند التوقف عن تناولها او تناول الكحول بشكل عام حدوث الاعراض الانسحابية والتي منها على سبيل المثال رعشة في الجسم وقصور يمكن أن يؤدي الى توقف القلب، اذا لم يكن توقفه عن هذه الكحوليات تحت اشراف طبي حتى يتخلص جسم المدمن من السموم مؤكدا ان الكولونيا عبارة عن مواد كيميائية مركبة وتشمل على مادتين هما الأخطر "الايثانول" و"الميثانول" كما ان لمادة "الميثانول" تأثيراً على العصب البصري الذي يتراوح ما بين ضعف مؤقت "وبسيط بالرؤية وبين حالة العمى التام المصاحب للتعافي من حالات التسمم الحادة حيث تكون الحدقتان متسعتان دون استجابة للضوء. وأكد ان التسمم يحدث حسب الكمية المتناولة ومدى تركيزها في الدم وتعرض متعاطيها الى أعمال مخزية ومخجلة لا يفعلها عاقل وتتدرج الى الترنح وحدوث هبوط في مستوى السكر بالدم، وهناك ثمة حالات مزمنة لادمان الكحوليات التي تعرض المتعاطي لتغيرات اخلاقية، يفقد من خلالها عنصر الحياء، ويكون متقلب المزاج مهملا اسرته وعمله ومظهره، ويميل الى اقتراف الجرائم وتحدث له تغيرات عقلية مثل نسيان الحوادث والأحداث القريبة بسبب حدوث فجوات بالذاكرة، وخطورة هذه الفجوات انها تمتلئ بتخيلات لوقائع لم تحدث وترسخ في ذاكرته بعد ذلك مثل اعتقاده بان زوجته تخونه او امور اخرى قد تؤدي الى كراهية الناس لاعتقاده انهم اعداء له، رغم ان كل هذه التخيلات التي اقترنت في فجوات الذاكرة غير صحيحة وإنما هي اوهام جراء تعاطيه لهذه الكحوليات. وأشار الى أنه إضافة الى تلك الآثار اصابة متعاطيها بالغيبوبة والتهاب في المعدة واصابة في عضلة القلب والبنكرياس والتليف الكبدي. ويضيف الدكتور شاووش ان الكمية القاتلة لهذه المادة لا تتعدى ال 120ملليترا وهي رخيصة الثمن مشيرا انه لانقاذ متعاطي الكولونيا في البيت او الشارع الذي تظهر عليه اعراض التسمم يوصى بمساعدته على التقيؤ فورا باعطائه "الحليب مثلا" مشددا على خطورة اعطائه شيئاً عن طريق الفم اذا ما وصل الشخص الى مرحلة الاغماء. وقال شاووش أن بعض الشباب يقبلون وللأسف على شرب الميثانول رأسا عن طريق الكولونيا ومن الطريف المحزن في ذات الوقت ايضا ان بعض انواع "الكولونيا" المصدرة الينا تحمل ماركة (addiction) بمعنى إدمان ويبدو ان الشباب لن يجدوا الوقت الكافي للادمان على هذه المادة باعتبار انها تؤدي الى الموت من اول جرعة. كما تحدثت الدكتورة منى الصواف استشاري الامراض النفسية بمستشفى الملك فهد بجدة مؤكدة بان الفئات التي تدمن على تعاطي "الكولونيا" في الاساس مدمنة خمور، وتعد نسبة الرجال الذين يتعاطون "الكولونيا" اكثر من النساء حيث ان هناك (3) نساء من اصل عشرة اشخاص يتعاطون "الكولونيا" ذلك حسب آخر احصائية في العالم. اما فيما يتعلق بالأسباب الرئيسية لتعاطي "الكولونيا" فتعود بالدرجة الاولى الى الاستعداد الجيني لدى الشخص المتعاطي وعدم القدرة على التكيف وحل المشكلات التي تواجهه اضافة لسهولة الحصول على "الكولونيا" ولا علاقة للتعاطي بالمشاكل الاسرية او الضغوط النفسية التي يتعرض لها الشخص. وقالت نحن نعلق آمالنا على الجهات المعنية لوضع الاجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتشار ظاهرة تعاطي الكولونيا ونشر الوعي بين الشباب وتشديد الرقابة ومتابعة المحلات التجارية فللكحوليات التأثيرات المرضية على جهاز جسم متعاطيها ومنها ضمور خلايا قشرة المخ وانحلال نخاع القنطرة الوسطى والنوبات الدماغية الكبدية والهذيان الارتعاشي والالتهابات الرئوية والتهابات الغدة الدرقية وتأثيرها المباشر على الحمل والولادة والرضاعة.