"حارس العربية بين الفرض والرفض"، هذا هو العنوان الذي أقترحه بديلاً لعنوان الكتاب الذي ألفه عبدالله الملحم، والذي عنونه ب"شيخ أدباء الأحساء بين الفرض والرفض"? قراءة نقدية في واقع الألقاب الأدبية ? الذي أنعش مشهدنا الثقافي المحلي، وبالتحديد في الأحساء، حيث حرك الراكد الثقافي، وتباينت حرارة الاستقبال لهذا الكتاب لدى المثقفين، وبخاصة المنتقدين فيه، الذين سعوا لدى المكتبات في محاولة للتحذير من بيع هذا الكتاب، واستطاع أحدهم إلغاء محاضرة لمؤلفه في أحد الصالونات الثقافية في الأحساء. أعود للعنوان المقترح وهو"حارس العربية"، وهو اللقب الذي أُطلق على د. نبيل المحيش، وأرى أنه الأكثر أهمية في حياتنا الثقافية من لقب"شيخ أدباء الأحساء"وهو اللقب الذي أُطلق على الشيخ أحمد المبارك، لأن الأخير لقب شخصي، يمكن أن يجتمع عشرة أو عشرون شخصاً ويلقبون فلاناً بهذا اللقب، المهم أن هذا اللقب جغرافيته محدودة، فلن يحتج عليه المثقفون في جدة أو أبها... لأنه خارج دائرة الاختصاص المكاني، هذا في الداخل، فضلاً عن المثقفين في مختلف البلدان العربية، في حين"حارس العربية"لقب أعم، فمن يطلق عليه هذا اللقب لابد من أن يعرفه بنو يعرب أجمعون من موريتانيا إلى البحرين، بل وكل الناطقين بالضاد، وأعتقد لو أن المؤلف ذهب إلى اقتراحي لكانت لهذا الكتاب أصداء عربية ودولية، فستتحرك مجامع اللغة العربية لتتعرف على هذا الحارس العظيم، الذي نذر نفسه وقلمه لحراسة وصون لغتنا الجميلة، وستبحث عن اسمه في إضباراتها، ولكن بعد كل هذا، ستعقد المفاجأة ألسنتهم لأنهم لن يجدوا اسمه لديهم، وستكون الخسارة فادحة بالنسبة إليهم، لأنها ستظهر عقوق هذه المجامع لهذا الفذ النادر، لأن من يحمل هذا اللقب يفترض، على أقل تقدير، أن تكون صفاته كصفات العلامة سليم الجندي، الذي وصفه تلميذه الشيخ علي الطنطاوي فقال:"أسأله عن النحو فإذا هو إمامه وحجته، وألقي إليه بالبيت اليتيم أجده في كتاب، فإذا هو ينشد القصيدة التي ينتمي إليها، فكان من أعلم علماء العربية في هذا العصر، ولكنه ضل طريقه في بيداء هذا الزمن، فجاء في القرن الرابع عشر لا في القرن الرابع". وعلى هذا، يكون حارس العربية ضل طريقه في بيداء هذا الزمن، فجاء في القرن الخامس عشر لا في القرن الخامس، ويسري ذكره في الآفاق، ويتم تجنيد الباحثين لرصد جهوده الجليلة في خدمة لغة القرآن الكريم. وكأني أرى شيخاً من مشايخ اللغة العربية في مدينة شنقيط ? مدينة العلماء ? يدرّس تلاميذه في إحدى الحلق العلمية كتاب"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك"ويقول:"لقد ظهر في هذا الزمان رجل جهبذ، حفظ الله به لغة القرآن، وهو من بني جلدتنا، لكنه يسكن في ديار هَجَر، واسمها الحالي الأحساء، فمن استطاع أن يبلغه ويأخذ من علمه فقد فاز بحظ وافر من علوم لغتنا العربية". أقول: هذا مشهد من المشاهد التي ستحدث نتيجة سيرورة هذا اللقب، الذي إذا فتشنا عنه وعمن أطلقه ومن لُقب به، فسينطبق عليه المثل العربي القديم"تسمع بالمُعَيدي خير من أن تراه". ولن نجد - كما يقال - لا حارساً للعربية ولا يحزنون وأستثني أنه ربما نجد الأخيرة يحزنون، ولا أستبعد ممن يطلق عليه هذا اللقب أن يصور تلك المقالة التي حررها أحد الصحافيين وأطلق فيها هذا اللقب عليه، ومن ثم يضعها في ملف أخضر لتعيينه مسؤولاً عن النادي الأدبي المتوقع تأسيسه في الأحساء، على سبيل المثال، فمن يحمل شرف حراسة العربية لن يصعب عليه حمل شرف مسؤولية رئاسة هذا النادي. إن في إطلاق مثل هذه الألقاب على عواهنها من دون ضابط، مدعاة لفوضى علمية، ومدعاة لتسلل الدخلاء إلى ثقافتنا! أرأيتم كيف قد تقضى بها حاجات، وقد يضلل بها أفراد فضلاً عن مؤسسات! أعود وأقول إن عبدالله الملحم قد أبحر في بحر ذي لجج، كي يحرر المسائل ويعيد ممارستنا الثقافية إلى نصابها، ويعدل ميل متثاقفيها حول تفشي وباء الألقاب الأدبية في مجتمعنا الثقافي المحلي، وقد وجّه نقداً موجعاً لمن أطلق هذه الألقاب، ومن صمت عن نكرانها من الملقبين بالفتح، هذا النقد أشبه"بالمصل"الذي يعطى في أية حملة تطعيم ضد وباء أو مرض، وقد اتسمت مناقشاته للحيثيات العلمية التي ساقها الملقبون بالكسر بالمناقشة العلمية الصارمة. وبعد، فهذا المصنف يعد رؤية تصحيحية لوضع ثقافي خاطئ، طال به الأمد، ويسود في مجتمع يغلب عليه الصمت والمجاملة المفسدة، لكن الإشكالية أن أطراف القضية هم مثقفون! فالملقَبون بالفتح مثقفون، والملقِبون بالكسر مثقفون جائرون! جاروا في إطلاق هذه الألقاب من دون ضابط من علم أو رادع من حياء، وجاروا في سوق الحيثيات من دون استقراء علمي صحيح، فوقعوا في فعل الجَوْر، لكن هذا الجور لم يصده أحد حتى جاء المؤلف وصدع بكلمته في كتاب، فكانت كلمة حق عند مثقف جائر، جائر في التلاعب بهذه الألقاب، وجائر في محاولته حجب هذا الكتاب، وجائر في منعه إقامة محاضرة للمؤلف عن كتابه، وجائر في سعيه لإيقاف حفلة توقيع الكتاب. * ناقد وأكاديمي سعودي.