البحر سيد المكان، هكذا تبدو المعادلة في جدة، فهو الذي كان البوابة الرئيسة لبناء المدينة عندما قذف بالآلاف من المهاجرين والهاربين من الجوع والفقر و"ظلم ذوي القربى"قبل عشرات السنين، بكل ما يحملونه من ثقافات وطموح، هو ذاته البحر الذي يقصده اليوم الأفراد والأفواج بحثاً عن النقاء والمتعة والتأمل. ولأن جدة هي عروس البحر الأحمر، فالبحر فيها يمثل القلب النابض للمدينة و"القيمة"الحقيقية لكل هذا التميز والإبهار، فعلى ضفاف بحرها هناك متسع لكل شيء ومكان لكل الناس على اختلاف توجهاتهم وأغراضهم الحياتية، فالبسطاء يتجاورون مع كبار التجار والشخصيات في هذا المكان، وليس مهماً كيفية الحضور مادام الجميع إلى جوار البحر يشعرون به ويتنفسونه وربما يتحدثون إليه. أهالي جدة يجدون في"البحر"متنفساً لقضاء سويعات ربما لا تحتمل أكثر من المرور بالسيارة على أنغام أغنية"محببة"والتوقف عند"كشك"صغير لاحتساء الشاي أو تناول بعض الآيسكريم، ولكنه في الوقت نفسه يحمل دلالات كبيرة بالنسبة لهم، ليس أقلها أنه يتسمر في الوجدان بكل ذكرياته الجميلة. البعض منهم يرتبطون مع البحر بشكل عميق إما لممارسة الهوايات اليومية أو لمتابعة الأعمال الاستثمارية، وآخرون يرونه مكاناً للتواصل مع الأصدقاء على الأرصفة وفي المقاهي والمتنزهات، ومساحة لممارسة العادات الشبابية من دون تحفظ. وتمثل شواطئ جدة المكان الأنسب لتنظيم الفعاليات السياحية السنوية وبرامج المهرجانات المتلاحقة. زوار جدة يعتقدون أن الوصول إلى هذه المدينة لا يكتمل إلا بمصافحة البحر وربما التطويل في ذلك، وعادةً ما يقصد زائرها البحر للبحث عن المتعة بأنواعها. ويكون ذلك بدخول متنزه عائلي أو قضاء ليلة كاملة على البحر سواء كان ذلك داخل وحدة سكنية أو خارجها. وعلى كورنيش جدة الممتد من الشمال إلى الجنوب يحاط البحر بكتلة إسمنتية تكاد تفقده حضوره ومكانته، غير أن اللافت عدم وجود مكان للسباحة والاستحمام بالماء المالح غير تلك البقعة الصغيرة في آخر"الكورنيش"التي اصطلح الأهالي على تسميتها ب"الإسكندرية"ما يثير العديد من التساؤلات حول عدم قدرة"أمانة جدة"إيجاد مثل هذه المواقع التي تعبر عن وجود البحر بكل تفاصيله.