عندما توجهت إلى محافظة الزلفي التي أضحت تحتل مساحة لا بأس بها في محركات البحث على شبكة المعلومات، تساءلت على طريقة عنترة بن شداد:"هل غادر الشعراء من متردم؟". الفارس العبسي كان يتحدث عن إذا ما كان الشعراء قبله تركوا له ما يقوله في البكاء على الأطلال، إلا أن أي صحافي يبتغي الكتابة عن هذه المدينة سيحتاج إلى سؤال من هذا القبيل. ومع ذلك لا يزال مشروع"متنزه الزلفي الوطني"الذي يعرف سابقاً بالمتنزه البري، مجالاً خصباً للكتابة بمساحته التي تصل إلى 20 مليون متر، ومناخه البري والربيعي الفريد من نوعه. وتشتهر الزلفى بأطلال ديار الشعراء زهير بن أبي سلمى وابنه كعب، ومالك بن الريب والحطيئة، وغيرهم، كما أنه لا يكاد يمر المرء بشبر من الزلفي إلا وللأبطال الذين وحدوا الجزيرة العربية بقيادة المؤسس الملك عبدالعزيز موطئ قدم فيه وأثر. وإذا كان أبناء الجيل الحالي لا يعرفون"وادي سمنان"ولا"أبا العشاعيش"، ولم تهيج أبيات حطيئة عن"وادي مرخ"أحزانهم كما فعلت بعمر بن الخطاب، فإنهم قطعاً لن يبلغوا من"الجهل"حداً يدفعهم إلى عدم الالتفات عند ذكر"السبلة"، التي شهدت المعركة الفصل في تاريخ المملكة الحديث. ويشير المدير العام لفرع"الزراعة"في محافظة الزلفي المهندس صالح بن حسين الصغير إلى أنه روعي عند اختيار موقع مشروع متنزه قربه من منطقة القصيم ومحافظات شقراء والغاط والمجمعة وسدير، إضافة إلى خدمة الحجاج والمعتمرين القادمين من تركيا والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي والسالكين طريق الرياض - القصيم السريع. ويضيف أنه لكل تلك الحيثيات اتفق أهالي الزلفي على إعداده كمتنزه بري شامل على كل الخدمات الأساسية والترفيهية، روعي في تصميمه المحافظة على طبيعته الصحراوية التي تميز المنطقة. وأعرب عن شكره ل"دار الدراسات العمرانية"التي نفذت المخططات الإنشائية للمتنزه، وأكد أنه لا ينسى دور وإسهام الأهالي"الذين ما أن علموا بهذا المشروع حتى بادروا إلى التبرع، كلاً بحسب قدرته، والتي منها بدأنا ببعض الأعمال بجهود ذاتية وفق الإمكانات المتاحة لدى مديرية الزراعة في الزلفي". وأضاف:"على رغم أن المنجزات التي نفذتها المديرية بمساعدة الأهالي كثيرة ومهمة، إلا أن هنالك الكثير من الحاجات اللازمة والضرورية لمتنزه أهالي الزلفي الوطني، والأمل معقود، بعد الله، على رجال الأعمال ليكملوا هذا المشروع". وحول التطوير الممكن إجراؤه على المتنزه يؤكد مديره عبدالكريم بن أحمد الفراج ل"الحياة"أن"تكاليف تشغيل المشروع وصيانته ستكون باهظة، لذلك خصصت وزارة الزراعة موازنة للمشروع ضمن المتنزهات الوطنية التي تشرف عليها، فوزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم وافق على طرح جزء من المتنزه على القطاع الخاص بعد الانتهاء من إعداد التصاميم والدراسات اللازمة بمشاركة اللجنة الفنية المشكلة من الوزارة والهيئة العليا للسياحة لتعمل على درس المواقع المراد استثمارها وتطويرها ووضع الضوابط وآلية الاستثمار فيها ليلبي حاجات العائلات والشباب على حد سواء"، وبذلك سيكون المشروع - كما يقول الفراج -"فاتحاً أبوابه أمام القطاع الخاص، بما سينعكس على تطوير المتنزه وفق تطلعات المسؤولين في الزراعة وتوجيهات ولاة الأمر". أما المدير العام ل"الزراعة"في الزلفي سابقاً ومديرها الحالي في المنطقة الشرقية سعد بن عبدالله المقبل فعبّر عن إعجابه بجهد المواطنين ووصفه ب"الفريد". وقال في اتصال هاتفي مع"الحياة":"الحديث عن الزلفي إنساناً ومكاناً بالنسبة إليّ ذو شجون، فقد قضيتُ هنالك ردحاً من حياتي مديراً عاماً للزراعة، وأستطيع القول إنني ألممتُ بالكثير من جوانب الحياة فيها، وأدرك الصعاب التي يمكن أن تُصادف أيّ مشروع حيويّ يقام فيها". واعتبر مشروع المتنزه الوطني الذي بدأ بجهود ذاتية من المواطنين"رداً صريحاً وصارخاً على الذين يعلقون فشلهم على عدم وجود بنود واعتمادات للمشاريع". وأيد المقبل أن تتولى مؤسسة وطنية"تشغيل المتنزه وصيانته لقاء رسم رمزي، وتكون تلك المؤسسة خاضعة لإشراف ومتابعة مديرية الزراعة في الزلفي".