يخشى البشر عادة التعب النفسي أكثر مما يخشون التعب الجسدي، فالوسواس القهري مثلاً، هو مرض نفسي سري خطير، يصعب على المصاب به الإفصاح عما يدور بداخله، فيؤدي بصاحبه إلى الإحساس بالإحباط والقلق والتوتر، وكثيراً ما يصاحبه اكتئاب وخوف اجتماعي، وأمراض نفسية أخرى. ومريض الوسواس القهري ينعزل حتى عن اقرب الناس لديه، ويصبح أسير هواجسه وأفكاره. بدور محمد تسرد معاناتها مع ذلك المرض الذي تصفه ب"جنون العقلاء"، علماً أن زوجها وهو طبيب يعاني منه. وتقول إنها اكتشفت حقيقة مرض زوجها منذ أول يوم بعد زواجهما. وتضيف أنه يظل طوال الليل في حال قلق وارتباك، بسبب شكه في أن أبواب سيارته مفتوحة، وكذلك باب الشقة. وتتابع:"يستيقظ زوجي من نومه عشرات المرات ليتأكد من أن تلك الأبواب مغلقة، ما يسبب لي إرهاقاً نفسياً وبدنياً، ونصحته كثيراً بمراجعة طبيب نفسي، إلا أنه دائماً ما يرفض خوفاً على اسمه وسمعته". أما أم سارة، فكادت أكثر من مرة أن تقتل ابنتها بسكين المطبخ بسبب الهواجس التي تراودها من حين إلى آخر، وتقول:"لا أعلم لماذا أفكر على هذا النحو"، مشيرة إلى أنها باتت تتحاشى دخول المطبخ، حتى لا تقتل نفسها أو ابنتها التي تحبها كثيراً، على حد قولها. ولا يستطيع محمد علي الزواج، على رغم أنه بلغ الخامسة والأربعين من عمره، ويرغب بشدة في أن تكون له ذرية من صلبه، ومشكلته تكمن في أنه يشك بقدرته الجنسية، مع أن عدداً لا بأس به من الأطباء أكد له أن شكه ليس في محله، وأنه من ثم قادر على الزواج والإنجاب، وأن تلك الأفكار ما هي إلا أوهام وتخيلات مسيطرة على عقله الباطن. ويقول سلطان:"لا أستطيع الخروج من البيت إلا بعد صلاة العشاء، لأنني اشعر قبل كل صلاة بأنني في حاجة إلى الاستحمام لأتطهر، وأن الوضوء وحده لا يكفي". ويتابع:"أعلم جيداً سخافة تفكيري، ولكن ما أشعر به أقوى مني". ومن جهته، يؤكد الطبيب النفسي الدكتور أحمد خيري حافظ، أن"أكثر مرضين نفسيين انتشاراً في مجتمعنا هما الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي". ويقول إن الوسواس القهري عبارة عن أفكار سخيفة، تسيطر على الشخص، ويعلم أنها سخيفة وتسبب له القلق النفسي، ولابد أن يخضع لهذه الأفكار أو الطقوس. ويشير إلى أن من ذلك أن يشك المريض في حب الناس المحيطين به، أو يكرر الوضوء والصلاة وغسل الأواني. ويتابع:"الوسواس القهري يرتبط ارتباطاً كبيراً بأساليب التربية الاجتماعية، كأن يكون المريض تربى مثلاً على المبالغة في النظافة". ويشدد الدكتور حافظ على أنه لا علاقة بين الوسواس القهري والتدين، فالمريض يأخذ من الدين وسيلة تبرر طقوسه الوسواسية، كما أن لا علاقة بين الوسواس القهري والشياطين، لأن الوسواس القهري مرض نفسي، لابد من علاجه قبل تفاقمه. ويضيف أن على المريض ألا يخجل من مرضه، مشيراً إلى أن العلاج من الوساوس هو دوائي ومعرفي سلوكي، ويتضمن تدريب المريض على مقاومة القلق والتخلص منه.