يكاد غرب الرياض وخصوصاً حي الدخل المحدود أن يموت عطشاً، إثر أزمة نقص مياه الشرب في المنطقة، ما أدى إلى خلق"سوق سوداء"، وصلت أسعار الصهاريج فيها إلى أرقام قياسية، فصهريج حمولة 18 طناً بلغ سعره 850 ريالاً، فيما وصل سعر الصهريج حمولة 12 طناً"العادي"إلى 450 ريالاً، وسعر الصهريج الصغير حمولة 8 أطنان إلى 200 ريال. ويتنافس مالكو الصهاريج على التسابق للوصول لطالبي المياه من سكان الحي، ويوجدون، جنوب محطة الشيب، وداخل الأحياء، لبيع صهاريج المياه بأضعاف التسعيرة الرسمية. في المقابل، اضطر بعض سكان الحي إلى شراء الصهريج من السوق السوداء، بسبب"الطوابير"الكثيرة وساعات الانتظار الطويلة في محطة الشيب. وأظهرت أزمة نقص المياه التي تطاردهم منذ عامين تقريباً استياء شديداً بين سكان الحي، إذ سيطر نقص المياه على حياتهم وأحاديثهم اليومية، وأصبح القصة الحاضرة على مائدة الإفطار أو السحور خلال شهر رمضان المبارك، رافعين أصواتهم إما تظلماً أو دعاء على المتسبب في هذه الأزمة. ولم يخف سكان الحي أن هذه الأزمة أعاقتهم عن مواصلة حياتهم الطبيعية في شهر رمضان المبارك، وأصبح التفرغ لشراء صهاريج المياه، ينافس التفرغ للعبادة. وتشهد محطة الشيب غرب الرياض التي تعتبر أحد مصادرهم لشراء المياه، طوابير كثيفة يومية، وساعات انتظار طويلة، إذ بدت وجوه المواطنين غير راضية عن حالها، ونفوسهم تعاني قلة الحيلة، فمنهم من وصل انتظاره ل 24 ساعة. وتعلن أرقام كوبونات الصهاريج عن وصول500 محتاج للماء يومياً. وصار سماع أصوات الصهاريج العالية أمراً معتاداً عند أهل الحي، وهي تطوف نهاراً وليلاً بين شوارعهم، محدثة أزمة أخرى، في تضييق الخناق على الناس، أثناء وقوفها المتكرر بجوار أبواب المنازل، لتفرغ حمولتها في الخزانات الخاوية من المياه. ويصف سعود مطلق العتيبي 53 عاماً أحد قاطني الحي حاله بالمؤسفة، قائلاً:"بعد هذا العمر الطويل صرت أطارد كوبونات صهاريج المياه في محطة الشيب، وأقف وراء طابور طويل مرهق، لأكثر من ست ساعات، في صالة الشيب، بحثاً عن صهريج مياه تسد رمق أسرتي". ويضيف:"بعد أن اضطر للانتظار الطويل في صالة الشيب، من أجل وصول رقمي"، مؤكداً أنه يقسم راتبه الشهري الضئيل بين شراء المياه من الشيب، ومستلزمات الأولاد، ما أربك حياته وحياة أسرته، بحسب قوله. ويشير إلى أن كثيراً من سكان الحي يشاطرونه مأساته في تقسيم دخلهم الضئيل، بين جلب صهاريج المياه، والصرف على منازلهم وأولادهم. وفي صالة الشيب التقت"الحياة"بعبدالله مشجع الدوسري وهو الذي يأتي كل أسبوع لشراء صهريج مياه، وبدا في حديثه"مشتعلاً من الغضب، تعلو تقاسيم وجهه الحسرة"، متسائلاً عن صمت الجهات الرسمية، ووقوفها موقف المتفرج على أزمتهم،"أين هم من أزمتنا، ولماذا يتركوننا نعاني من شح المياه، ونترك أعمالنا من أجل أن نبحث عن صهريج مياه؟". ويضيف أنه في كل مرة يأتي لمحطة الشيب ويقضي فيها أكثر من ست ساعات حتى يصل رقم الكوبون الذي يحمله، لافتاً إلى وقوع"ملاسنات"ومشادات بين السكان من أجل الحصول على رقم كوبون، على حد قوله. ويشير طلال الناصر أحد المتضررين من أزمة المياه، إلى أن أحاديث أهالي الحي، لا يطغى عليها سوى مناقشة نقص المياه،"فهو"الغول"الذي صار يؤرق سكان الحي". وتساءل:"كيف يمكننا أن نعيش حياتنا تحت ضغط المفاجآت وشح المياه، وهل يصلح منزل من دون قطرة مياه؟" مديرية المياه: حجم الطلب يفوق المتاح كشف مصدر مطلع في المديرية العامة للمياه في الرياض فضل عدم الإفصاح عن اسمه، عن ورود شكاوى كثيرة من المواطنين في حي الدخل المحدود إلى المدرية العامة للمياه، مطالبين في شكواهم بالإسراع في إيجاد حل جذري لمشكلة المياه التي زادت على السنتين. واعترف بوجود مشكلة حقيقية في توافر مياه الشرب في غرب الرياض بكميات كافية، مؤكداً أن المشكلة عصيبة، خصوصاً للسكان محدودي الدخل، بعد ارتفاع الأسعار إلى أرقام ترهق مداخيلهم المحدودة. وعزا ظهور مشكلة نقص المياه في غرب الرياض عموماً، وخصوصاً في الدخل المحدود، إلى أن حجم الطلب الفعلي في الحي يفوق إجمالي كمية المياه المتاحة، لافتاً إلى أن مضخات المياه في الحي لا تعمل إلا خلال فترات محددة. وأوضح المصدر أن المديرية العامة للمياه في الرياض، تعمل حالياً على تنفيذ مشروع مياه لتغذية الأحياء الواقعة جنوبالرياض، مؤكداً تنفيذ جزء كبير من خط ناقل رئيسي من الشمال بمقاس 1500 ملم. ولم يحدد المصدر فترة انتهاء المشروع، مكتفياً بقوله:"إن المديرية تعمل جاهدة على الخروج من هذه المشكلة سريعاً". صاحب صهريج: لم يحتمل"الاستجداء" فاعتزل! قرر صاحب صهريج تبلغ حمولته 12 طناً يدعى سعد الغامدي، ترك العمل في بيع المياه من خلال الصهريج الذي يمتلكه، مؤكداً أن قراره هذا جاء نتيجة عدم تحمله"استجداء"بعض السكان من ذوي الدخل المحدود له، وأنهم عاجزون عن دفع أجرة الصهريج الصغير، ما يضطره إلى التنازل عن أجره. ويقول:"مشهد الفقراء وهم يجمعون الأموال أثر في نفسيتي كثيراً، ولم أستطع أن أواصل عملي، وأنا أراهم يجمعون سعر الصهريج من كل مكان، فعشرة ريالات من الجيران، وعشرة أخرى من أحد المحسنين، وهكذا، حتى يجمعوا المبلغ المطلوب، ما يسبب لي حرجاً في أخذ المال من هؤلاء الفقراء"