في الثمانينات الميلادية، وتحديداً عام 1985 كان السعوديون يفاخرون بين إخوانهم العرب بمدينة جدة، بعد أن اختيرت كأجمل مدينة في الشرق الأوسط. كانت تبهر الزائرين بشوارعها المضيئة ومجسمات ميادينها الأخاذة وشواطئها الدافئة. ظلت كذلك حتى استحقت لقب عروس البحر الأحمر وما زالت ترفل فيه حتى اليوم. ولكن يبدو أن هذه العروس دخلت مرحلة من الشيخوخة المبكرة، ولم تعد تجد معها عمليات التجميل التي حاول تنفيذها خمسة من المسؤولين تعاقبوا على أمانتها منذ أن تركها المهندس محمد سعيد الفارسي، وهو الرجل الذي أعاد بناء جدة وخطط شوارعها ووضع استراتيجيات البنية التحتية لهذه المدينة الساحلية العريقة. وجه العروس بدا مجعداً وباهتاً في أعقاب المطر الذي هطل يوم أول من أمس. الشوارع غرقت بالمياه فغيبت ملامح الأرصفة، الروائح الكريهة أزكمت الأنوف حين اختلطت مياه الأرض ببعضها. الانهيارات الاسفلتية في كل مكان، وهذه الحالة تحديداً تؤكد أن بعض منسوبي الأمانة يتبادلون الهدايا والقُبل مع المقاولين. المستنقعات المائية المتناثرة في أنحاء جدة، تلوح بعودة قوية لحمى الضنك وغيره من الأوبئة. مطر النصف ساعة يكشف عورة العروس أمام ساكنيها، بينما هم يتساءلون: ماذا لو استمر المطر لأيام؟. أمين أمانة محافظة جدة المهندس عادل فقيه يعترف بوجود خلل في البنية التحتية لمدينته، ولكنه يؤكد أنه خلل موقت يحتاج إلى الكثير من الدعم والوقت لتجاوزه، فيما يرى بعض مسؤولي الأمانة أن إشكالية جدة الأساسية تكمن في أنها مدينة تسابق الزمن. ويؤكدون أن التمدد الجغرافي للمدينة والتوافد السكاني الكثيف لم يؤخذ في الاعتبار في الخطط الخمسية السابقة، لدرجة أن الخطة الخمسية الأولى تنبأت بوصول المد السكاني إلى شارع حراء عام 2005، بينما حدث ذلك في العام 1980، أي قبل نحو 25 عاماً، وامتد البنيان خلف هذه الحدود بعشرات الكيلومترات. كل ذلك يضاف إلى أن جدة مدينة ساحلية منبسطة، ويصعب تصريف المياه فيها، إلى جانب أنها أصلاً قائمة على أرضية رخوة وأجواءها رطبة، غير أن الجداويين يأسفون على الحال التي وصلت إليها مدينتهم العروس، ويطمحون إلى التغيير، إذ أنهم أمام معادلة مركبة وإمكانات متواضعة مقارنة باحتياجات المدينة وتركيبتها. ثلاثة ملايين نسمة يسكنون جدة اليوم، إضافة إلى نحو نصف مليون مخالف لأنظمة الإقامة والعمل لم يدخلوا جداول الإحصاء. هذه الأرقام التي تسجلها جدة يوماً بعد آخر، كان لها بالغ الأثر في ضرب البنية التحتية للمدينة التي لم تعد تحتمل أكثر مما هي عليه الآن. جدة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى دراسات معمقة وخطط تنموية جديدة تسهم في رفع حال الانتكاسة التي تعيشها، بما يتناسب مع مكانتها في عيون عشاقها وزوارها ممن يحلمون بوجود الشيء القليل من ملامح جدة في مدنهم، ولتعود جدة عروساً يتغنى الشعراء بمفاتنها. صحيح أنها مدينة سبقت الزمن، ولكن سكانها يأملون في أن لا يسبقها الزمن ويرسم خطوط الشيخوخة الحقيقية على وجهها بعد أن عمل في جسدها كثيراً.