كان يتحدث بأسى وأسف، تنهمر كلماته مرتعشة بالشجون، لكنه لم يكن متخذاً موقع الضعيف أو اليائس. تجلو من فضائه سحب القلق، ليس مواطناً عادياً بأحلام وطموحات عادية يهتم بأمتعته ومتعه بعائلته وصحبه وعمله وأحياناً بما يدور من حوله ومن حول الآخرين. كاتب كبير هو، روائي من الطراز الأول، أحدثت كتاباته يوم نشرت ضجة كبيرة في أوساط القراء والنقاد وأثارت جدلاً لم ينتهِ حتى هذه اللحظات المبتورة من عمره، خصوصاً أن أعماله ترجمت إلى لغات عدة، وحظيت بالمكانة نفسها بل أكثر. ما سر اكتئابه إذن؟ وعمن كان يتحدث؟ هل مرد ذلك الشرخ الذي تحدثه الشهرة هو حصار عشاق كلماته وأفكاره وآرائه؟ هل هي تغييرات كيماوية تحدث في الدماغ في المزاج والنفسية؟ أم أن شيئاً آخر يلوح في الأفق؟ يبدو أن السبب في مكان آخر، لم يكن يخطر على بال! يوم قرر صاحبنا الارتباط بشريكة حياته، كان يأمل أن تكون ملهمته ومحرضته على الكتابة وحاضنة أوراقه وأقلامه ومرافقة لأخيلته، ومحضرة لولائم الفكر ومشاهد الآتي قبل أن تكون حاضنة أولاده ومرافقة لجارتها ومحضرة لمختلف أصناف الأطعمة. لكن ما حصل لم يكن كذلك. وعلى رغم أنه يعترف بطيبة قلبها وحبها واهتمامها بأطفالهما فضلاً عن اهتمامها بحجم نظارته ولون جواربه وكي قمصانه وملبسه وإشرافها على مأكله وملاقاة زائريه، فإنها للأسف الشديد، كما يقول كاتبنا لم تترك لمسة على أوراقه ولا بصمة على أفكاره. لم تقترب من عقله، لم تسأله في صباح أو عشية ماذا تكتب؟ بم تفكر؟ ماذا تشعر؟ أسمعني قليلاً من كلماتك، متى ستنشر روايتك الجديدة؟ ماذا يكتب عنك في الصحف؟ كيف ترد على النقاد؟ وقد يكون ذلك سر نجاح الروائي الذي كان يتحدث عن معاناته منذ قليل. خلف الزاوية أهواك وعندي هوى ووعود، ولدي مشاعر أبديها... وقصائد ألقيها... ولدي طيور للأشواق... لدي ورود... فلماذا الخوف يسافر في عيني؟... ولماذا الصد يُعَنْوِنُ مشواري إليك، وخيالك يسبح في أوردتي؟... من أين المدخل، سيدتي؟ [email protected]