لم تكن الحكمة والتضحية والوفاء لتجد رجلاً أفضل من زعيم الأمة الراحل فهد بن عبدالعزيز. فهو أعطى هذه الصفات بعداً جديداً لامسه كل من عايش فترة حكمه طيلة 23 عاماً، طيب الله ثراه. سيحار التاريخ في ما سيكتبه عن خادم الحرمين الشريفين الذي رحل شامخاً. فعلى الصعيد الخارجي تمكن من الوصول ببلاده إلى بر الأمان في مواجهة أعتى وأقسى ما يمكن لظروف أن تمر على أمة. فمنذ توليه - يرحمه الله- مقاليد الحكم، وجد نفسه وسط تحديات كبيرة تهدد منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتزامن ذلك مع الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، ومن ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وتبع ذلك اجتياح دولة الكويت وأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وأخيراً حرب العراق. هذا بخلاف القضية الفلسطينية التي كانت هاجساً لدى القيادة بدءاً من المؤسس الملك عبدالعزيز ? طيب الله ثراه - حتى وقتنا الراهن. وشكلت هذه الأحداث منعطفات خطيرة عاشها الشرق الأوسط، وحملها الفهد جميعاً على عاتقه. فتابع أحداث لبنان حتى تم تتويجها باتفاق الطائف الذي أعاد الشرعية إلى لبنان. وكانت الحرب العراقية الإيرانية تحدياً صعباً أيضاً، بيد أن خادم الحرمين الشريفين تمكن من خلال بعد نظره من التعامل مع تلك الأحداث وفق الحالة السائدة آنذاك ونجح في الحفاظ على استقرار بلاده على رغم المخاطر التي كانت تحيط بها. وعندما وضعت الحرب أوزارها عام 88، بلغ الخطر أشده عندما تعرضت المملكة لتهديد سافر من النظام العراقي الحاكم آنذاك، إثر بلوغ قواته الحدود السعودية بعدما اجتاحت دولة الكويت. وهنا لم يتطلب الأمر شجاعة فقط بل حنكة ومصلحة وطنية يجب حسمها خلال دقائق معدودة فقط، وفعلاً لم يتردد الفهد في اتخاذ الإجراء الذي يضمن له سلامة شعبه ومكتسباته. فاستقبل حكومة الكويت الشرعية والشعب الكويتي، مجسداً أهداف مجلس التعاون الخليجي والعروبة ودور المملكة كقبلة للمسلمين من كل بقاع الأرض. ومثلما حمل الهم العربي والإسلامي، فقد كان داخلياً المواطن هو محور التنمية من وجهة نظره، طيب الله ثراه. وكان المواطن السعودي دائماً هدفاً لخطط التنمية كافة، لذلك لا يمكن اختزال ما قدمه الملك فهد - يرحمه الله - في عدة أسطر. فهو باني الإنسان السعودي وباني نهضة المملكة الحقيقية، ومؤسس الكثير من أعمدتها، وخططه التي سهر على تنفيذها حولت الصحراء القاحلة إلى ورشة عمل نشطة منحت الرفاه لأبناء الشعب السعودي قاطبة، ومكنتهم من التعامل مع أحدث التقنيات ومستجدات العصر. ذلكم هو الفهد الذي نبكيه وتبكيه الأمة الإسلامية اليوم، وهو الذي سنبكيه غداً. وعزاؤنا أن التاريخ سينصف ما قدمه من تضحيات واهتمام بدينه ووطنه والقضايا الإسلامية كافة.