سؤال كبير، وكبير جداً، يطرحه أي مخطط أو مثقف أو مفكر أو داعية أو مسؤول في أي مجال من المجالات عن ماذا يريد المجتمع السعودي؟ وما ميوله ورغباته وتوجهاته الفكرية؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد دمج تعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد تعليم اللغة الإنكليزية من المرحلة الابتدائية؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد السفر للخارج؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد فتح مجالات لعمل المرأة، وما هذه المجالات؟ هل غالبية المجتمع السعودي ترى فتح المدن الترفيهية في مختلف مدن المملكة للعائلات أو أن ذلك يكون بتخصيص أيام للرجال وأيام للنساء؟ هل غالبية المجتمع السعودي ترى أن المناسبات العلمية والمؤتمرات الأكاديمية والمهرجانات الثقافية تكون مفتوحة للجميع أو تخصص أياماً معينة للرجال وأياماً معينة للنساء؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد قيادة المرأة للسيارة أم لا؟ هل يؤيد المجتمع السعودي فكرة مطاعم العوائل أو يرفضها؟ هل غالبية المجتمع السعودي تؤيد فكرة الأسواق النسائية المغلقة أو ترفضها؟ هل هناك تعاطف مع أعمال الفئة الضالة إن كان كذلك، وما نسبة هذا التعاطف؟ هل تؤيد غالبية المجتمع السعودي وجود النشيد الوطني في المدارس بشكل يومي كما كان في السابق وكم نسبة الذين يرفضون ذلك؟ وما تأثيرهم في الحياة اليومية لدينا؟ أسئلة كثيرة تجد الحماسة لدى البعض منا لتبنيها ثم نجد أنفسنا أسارى الأقلية ذات الصوت العالي، أما الأغلبية الصامتة فلا تبدي وجهة نظر حيال بعض القضايا المجتمعية إما تردداً من أن توصخ بأوصاف نائية أو تصنف بأنها متحررة أو غربية الأفكار أو علمانية أو أي وصم يأتي من متطرف جاهل يردده بعده متطرف غبي مقلد أو عن جهل ولهذا تبدي هذه الفئة اللامبالاة حيال الشأن العام. إن وجود مركز وطني ضخم لرصد وقياس توجهات الرأي العام، حيال أي قضية من قضايا المجتمع واستخدام أحدث الأساليب العلمية في عشوائية العينات وشموليتها مختلف الفئات السكانية في السعودية، أصبح أمراً ملحاً ومطلوباً مع المتغيرات العالمية التي تحيط بنا. وبالتالي يكون لدى المسؤول والمخطط وضوح كامل في الرؤية عند اتخاذ القرار، ولا بد قبل ذلك من فتح قنوات للحوار لإعطاء الأطراف المختلفة فرصة لإبداء رأيها، وربما يكون ذلك من أهم أهداف قيام مركز الحوار الوطني... إلا أنني أرى أيضاً مواصلة فتح الحوار والنقاش حول مختلف القضايا المجتمعية لأن هذا يربي المجتمع وأفراده على قبول الرأي الآخر، وهذا يبعد بعض السعوديين من التطرف والغلو والتشدد الذي أوقع بعض أفراده في مجاهل الإرهاب والتكفير والتفجير... ويجب أن ننطلق من المسجد فهو وسيلة اتصالية جيدة في اتاحة المنبر للمعتدلين وللآراء المتسامحة، وكذلك المدرسة إذ الحياة المعتدلة التي كنا نعيشها أثناء الدراسة عبر أنشطة طلابية وصيفية. والتلفزيون وسيلة مهمة في فتح المجال لعلماء عدة يقدمون الفتاوى، وأذكر أنني استفتيت العلامة الشيخ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء فأنار طريقي حول مواضيع فيها مسائل مختلفة. كما أحث الجامعات السعودية على أن تكون مصدر إشعاع فكري وتنويري في اتخاذ الوسائل السليمة لقياس الرأي العام السعودي حول مختلف المواضيع ويجب أن تكون معنية لمتخذي القرار في وزارات الداخلية والاقتصاد والتخطيط والتربية والتعليم والتعليم العالي والعمل والخارجية والثقافة والإعلام وغيرها حتى لا يخضع الرأي العام في السعودية للأقلية ذات الصوت العالي وحتى تكون منطلقاتنا الفكرية والاجتماعية معتمدة على أرضية صلبة من رأي الأغلبية. ولكن بعد أن تتاح الفرصة للآراء المخلصة الصادقة حسنة النية للتداول والتلاقح والحوار، وبهذا فقط نركز على الوحدة الوطنية للكيان بعيداً من تغليب آراء متطرفة تنفّر ولا تجمع وتعيش خارج إطار القرية الكونية وعصر التسامح والاعتدال والشمولية. * إعلامي وأكاديمي سعودي.