لم تشفِ الندوة التي نظّمها «منبر الحوار» في نادي الرياض الأدبي مساء أمس بعنوان «من هي الأغلبية الصامتة»، وأدارها محمد الهويمل غليل الحضور، عبر إماطة اللثام عن هذه الأغلبية، وكيف تكوّنت؟ وما موقفها مما يحدث؟ وهل هي فعلاً صامتة؟ وعلى غير التوقعات التي حملها الحضور بأن يشهد ندوة ساخنة حول المحافظين والليبراليين، توزّعت الندوة بين تنظير غربي حول الأغلبية، وبين التنويع على قضايا قديمة جديدة، من دون إشباع الموضوع عنوان الندوة وإعطائه حقه. وفي البداية عرّف الدكتور محمد البشر مصطلح الأغلبية الصامتة، من خلال النظريات الغربية، وأنها تعني غالبية غير محددة من الناس، لا يقومون بالتعبير عن آرائهم بصورة علنية. وعدّد مجتمعات الأغلبية الصامتة، مشيراً إلى أنها ثلاثة مجتمعات تظهر فيها الأغلبية الصامتة، المجتمع الديموقراطي، إذ يظهر في حالين، الأولى شريحة كبيرة من المواطنين مشغولين بهمومهم اليومية ومشكلاتهم الشخصية، والحال الثانية أن تتعمد وسائل الإعلام بإرادتها أو بالتواطؤ مع الحكومة تغييب صوت الأغلبية. ثم توقف عند المجتمع الديكتاتوري، الذي ينقسم في رأيه إلى شمولي ولا يسمح بالتعددية، لذا تكثر فيه الأغلبية الصامتة، ويكون الإقصاء مقصوداً من وسائل الإعلام، والثاني مجتمع شمولي، ولكن يسمح بتعددية صورية، وطرح مثالاً لها بالدول العربية، التي تتيح قدراً من حرية الرأي لا تتجاوز الخطوط الحمراء. أما عن المجتمع السعودي، فقال البشر إنه مجتمع إسلامي ونظامه ملكي، «لكنه يمكن أن نصنفه على أنه يسمح بالرأي وفق قواعد عامة». ثم تطرق إلى واقع الصحافة السعودية، ووجه لوماً كبيراً للواقع الذي تعيشه، لافتاً إلى أنها «تمارس حرية رأي هجينة، فلا هي حرية ملتزمة بضوابط الدولة، كما انها لم تستطع ممارسة التعبير عن إرادة الشعب». وأوضح البشر أن حرية الرأي في السعودية «محكومة بفلك الشريعة وتقدير المصالح والمفاسد». وقال إن الإعلام في السعودية «يمارس حرية انتقائية تخدم المؤسسة الإعلامية، مسؤولين وكتاباً، ولا تتعرض لقضايا المواطن الرئيسية، فقط رأي نخب»، مضيفاً أنه «لا يمكن أن نستنطق الأغلبية الصامتة سوى في حال أن يكون هناك استفتاء شعبي نزيه ومحايد، وأن تكون قناة الاستفتاء جماهيرية، وأن يكون موضوعه يمثل هماً للمجموع، مثل قضايا الفقر والبطالة والمرأة». وألمح إلى أن ما يجري في المجتمع السعودي «نوع من التحالف بين السياسة والمال والإعلام». فيما قدم الدكتور سعيد السريحي توطئة لموضوعه قائلاً: «إن الأغلبية الصامتة مفهوم نشأ في بيئة ديموقراطية تؤمن بها وتعيشها، وشتان ما بين مجتمع ديموقراطي وآخر يراها حلماً». وأضاف أن مفاهيم الحرية والديموقراطية والأغلبية الصامتة «لا تنتمي إلى سياقنا العربي، نحن نتوهم الحرية من خلال الحديث عنها، وكذلك الديموقراطية والليبرالية»، مشدداً على أن هذه المفاهيم لها سياقها الذي تنتمي له، «في حين نحن نعتسف الكلام حولها». وأشار إلى أننا نتحدث حول أغلبية وأقلية، من دون وجود دراسات وإحصاءات محايدة، مردداً بيت شعر يقول: «ومنجم الأقوال أعمى/ لديه الصحف يقرأها بلمس». ولفت إلى أن كل مجموعة «في مجتمعنا تتوهم أغلبية صامتة من دون شاهد وبلا دليل، باستثناء حجة الكلام فقط». وتساءل: «هل الصمت سمة لكل أغلبية؟»، وأكد أن الديموقراطية حق الأقلية في التعبير عن نفسها، «لأن الأغلبية صاحبة القرار. ومن آداب الأغلبية أن تكون صامتة، لأنها تملك القرار»، مشيراً إلى أن عنوان الندوة غير موفق. وانتقد السريحي ورقة البشر متسائلاً: «هل الأغلبية صامتة فعلاً؟ وهل اللغة وسيلتها الوحيدة للتعبير؟»، مؤكداً «أن قياساتنا المرتجلة تكشف لنا أن الأغلبية ليست هي الأغلبية». وتوقف عند ورقة البشر ثانية، وتمنى لو أنها توسعت في نقد السياسة مثلما فعلت في الصحافة، متسائلاً «هل الصحافة هي المسبار الوحيد؟ وما دور القنوات التي لا يطاولها الرقيب؟»، وتطرق إلى أن الحديث يجب ألا يكون قاصراً على اللغة. وقال إن الأمسية «أمسية حوار وليست أوراقاً تسطر في الخفاء». وفي المداخلات، قال البشر إنه يقصد بالأغلبية الصامتة أنها هي التي «لا تستطيع التعبير، وليست التي لديها سلطة»، موضحاً أنه «ليس إعلامياً مهنياً، بل أستاذ جامعي إعلامي». وبيّن أنه انتقد الصحافة، «لأنها أداة التعبير الجماهيري الوحيدة، وتدعي حملة راية الإصلاح، ولكنه إصلاح صحافي وليس حقيقياً»، مهاجماً الصحافة بأنها تفتح الأبواب للآخرين. وتحدى البشر الصحف الورقية أن تجري استبياناً حول أية قضية، ممتدحاً الإعلام الجديد الذي يعبّر عن آراء الناس وقضاياهم. وقال إن هناك بعض الغلو في الحديث عن قضايا معينة، وبعض الصمت حول قضايا أخرى. ودعا السريحي في رده على البشر إلى الاتفاق حول مفهوم الثوابت، «جهلنا بالثوابت هو الذي أدى إلى خروج الفئة الضالة، ولا غرابة أن تظهر بيننا فئة تنظر إلى فئة بصفتها ضد الثوابت، لماذا هذه الفئة تتصادم مع كل ما هو وطني؟»، مشيراً إلى أنه «لدينا مستويان ينبغي مراعاتهما، لنعرف من نحن مستوى القول: الخطاب السائد، ومستوى الفعل: الممارسة». وطرح السريحي سؤالاً كبيراً «هل نحن مجتمع محافظ؟»، قبل أن يجيب قائلاً: «كدت أقول نعم، قبل أن أعيد النظر»، موضحاً أننا «لسنا محافظين، وأننا في كل مجمع تجاري في كل حي استهلاكيون لمنتجات الغرب، وفي كل طائرة مقاعدنا مملوءة بالمسافرين، ومحاولاتنا لاختراق الإنترنت جعلتنا الأول عالمياً، والدشوش أكثر من السكان، علينا أن نتريث في بناء الأحكام: اننا مجتمع محافظ»، مشدداً على أنه «لا يمكن أن نعتقل الحرية التي جاء بها الإسلام».