38 عاماً من الإصرار على بقاء البادية ومضاربها، على رغم المؤثرات العصرية الطاردة لاقتراب الشبان من ثقافة"الوجار"و"الخيمة"، ومعاني أبيات شعراء القلطة والعرضة. كان القروي البسيط والبدوي القابع في خيمته هو محوره الرئيس، لم يكن يبحث عن الشعراء المخمليين، استطاع أن يقدم الكثير من الشعراء إلى الناس في قالب عفوي لكنه مؤثر في آن. وفي قصيدة غدت حكمة، بعد أن صاغها"مشعان"لحناً على ربابته مردداً أمل الوجار وخلوا الباب مفتوح خوف المسير يستحي ما ينادي يانمر مافي صكة الباب مصلوح ولا هيب لنا يامضنة فوادي ذلك هو محمد بن شلاح المطيري مقدم برنامج"مضارب البادية"في التلفزيون السعودي منذ عام 1988 م، بعد أن أمضى ما يقرب ال 20 عاماً قبل ذلك في العمل الإذاعي في البرنامج الثاني في جدة، ناقش خلالها هموم البادية وشعرائها. ابن شلاح، الذي غيبه الموت أول من أمس ووري جثمانه في مقابر المعلاة في مكةالمكرمة، حالة من الصمود أمام التغير الاجتماعي والإعلامي في السعودية، فلم يدخل اليأس إلى قلبه يوماً، بل واصل إصراره على تقديم البرنامج والتنقل بين أرجاء المملكة للوفاء بالتزامه في تقديم الموروث الشعبي السعودي إلى أبناء شعبه قبل غيرهم. يقول رئيس القسم الشعبي في صحيفة المدينة عبدالله الفارسي إن محمد بن شلاح شكل ذائقة المهتمين بالشعر الشعبي وغير المهتمين بعد أن صور حياة البادية وسكانها. ويكمل الفارسي"استطاع ابن شلاح خلال أكثر من 30 عاماً أن يرسخ تجربته في ذاكرة الناس، خصوصاً أبناء القرية والبادية". وعلى رغم تحفظ عدد كبير من المتتبعين لحراك الشعر الشعبي في السعودية على نمطية برنامج"مضارب البادية"وبقائه على شكل واحد منذ بدايته حتى آخر حلقاته، يقول الفارسي"تحفظ الكثير على برنامج ابن شلاح في الفترة الأخيرة مقارنة مع تطور الإعلام الشعبي، ولكن ابن شلاح لم يكن يكترث لذلك كثيراً، لعدم استحسانه الخط الشعري الجديد، إضافة إلى أن مشاهديه في القرية والبادية يمثلون الهم الأول له وبالتالي كان يحقق رغبتهم في تقديم برنامج بسيط يركز على شعراء متمسكين ببنية القصيدة الشعبية القديمة". مشوار ابن شلاح كان مليئاً بالتضحيات، التي عرف الناس بعضاً منها وتكفل الزمن بالتكتم على البقية، إذ يرى عدد من الإعلاميين المتتبعين للإعلام الشعبي ومسيرة محمد بن شلاح تحديداً، أنه ضحى بشاعريته في سبيل تقديم ثقافة البادية للناس. يقول الإعلامي سعد بن زهير الشمراني، إن الساحة الشعبية خسرت شاعراً كبيراً بعد أن فضل تقديم الشعراء بدلاً عنه خلال مسيرته الإعلامية في سبيل تقديم المادة الجيدة الهادفة إلى إثراء رغبة المتلقي خلال الفترات الماضية. ويضيف، أن ابن شلاح من الأصوات المؤثرة في تقديم البرامج الشعبية، بل كان يمثل ثورة جديدة في البرامج التلفزيونية في ذلك الوقت، فلا يستطيع أحد أن ينكر تقديمه الرائع لشعراء كان الناس يسمعون بهم ويتمنون رؤيتهم، بعد أن قدم شعراء المحاورة من أرض الملعبة، وهو ما أعطى البرنامج شهرة واسعة، في القرية والبادية والمدينة معاً".