تشبه العدوى إلى حد كبير، ويسمّيها البعض"حب المظاهر". هي صفة تميز شريحة كبيرة من المجتمع الخليجي عموماً ومجتمعنا السعودي خصوصاً. وتحتل السيارات حيزاً كبيراً من اهتمام الشباب الذين دأبوا على تتبّع صفحات المجلات العالمية والبرامج التلفزيونية الخاصة بعالم السرعة. من الممكن أن يشكل الغنى أو المستوى المعيشي المرتفع مبرراً للبعض في اقتناء ما شاء من أنواع السيارات الفارهة. لكن هذا الحب لا يقتصر على تلك الفئة الميسورة، فحتى المواطن البسيط المثقل كاهله بالفواتير والأقساط أصابته العدوى أيضاً،ً فوجد ضالته من خلال نظام التقسيط المريح. قد يعتبر البعض أن أسباباً اجتماعية ونفسية تقف وراء تفشي هذه الظاهرة، لكن هناك من يعتبر بالمقابل أنها غير محصورة في مجتمعاتنا، فحتى في المجتمعات الغربية يمكن أن تجد أفراداً مهووسين بعالم السيارات. ولعل من جوانب تلك القضيّة ما كشفه لنا مدير المبيعات في إحدى أشهر وكالات السيارات المهندس هشام أبو شمالة، الذي أشار إلى أن ولع السعوديين بالسيارات الفارهة ليس جديداً، ويروي أنه عام 1980 أقامت شركته معرضاً للسيارات في الرياض، ضمّ سيارة"مرسيدس فئة 500"مرشوشة بماء الذهب، وبيعت يومها ب140 ألف ريال، وبعد دقائق باعها صاحبها ب 400 ألف ريال ثم وصل سعرها إلى 800 ألف ريال قبل أن تبرح مكانها. ويوضح أبو شمالة الاختلاف في الإقبال على السيارات الفارهة بين الجيل الماضي والحالي قائلاً:"الإقبال في عقدي الثمانينات والتسعينات كان محصوراً في فئة معينة هي فئة الأغنياء الكبار، أما الآن فقد ازداد الإقبال وصار يشمل المواطن صاحب الدخل المتوسط". وينفي أبو شمالة أن يكون انتشار شركات التقسيط هو المبرر وراء ازدياد نسبة الإقبال موضحاً:"التقسيط موجود منذ وقت طويل، لكن الناس كانوا يعدونه عيباً، فالشيء الذي تغير هو نظرة الناس إلى شراء السيارة بالأقساط. أما الرغبة في تملك هذه السيارات فهي موجودة في السابق كما في الحاضر". التقسيط يعزز الإقبال يخص أبو شمالة مدينة الرياض بزيادة الإقبال الحالي فيقول:"الرياض تختلف عن الغربية. هناك الناس تقبلوا فكرة التقسيط في شكل سريع ويعيشون الآن فترة ما بعد التقسيط، فيما لا تزال هذه المرحلة حديثة في الرياض". ويقسم أبو شمالة شراء سيارات التقسيط إلى قسمين:"غالبية زبائننا يملكون المال الكافي لشراء السيارات على دفعة واحدة، لكنهم من منظور اقتصادي يفضلون استثمار المبلغ الكامل في أعمال قد تضاعف لهم المبلغ. أما الآخرون فلا يتمتعون بالقدرة الشرائية إلا من خلال التقسيط، وهم يشكلون 10 في المئة من الزبائن". ويؤكد أبو شمالة أن النساء أكثر حباً للرفاهية من الرجال، موضحاً أنه"لم يحصل أن زارتنا إحدى السيدات إلا واختارت الطراز الأفخم والأغلى سعراً". ويعتبر أنه لو تمكنت المرأة من قيادة السيارة فإن مبيعاتهم ستزداد، كذلك الطلب على مواصفات معينة للسيارات. "لا أملك نصف هذا المبلغ" يروي صالح علي قصته مع أحد المصابين بهوس السيارات فيقول:"سكنت في شقة للعزاب في حي متواضع وكنت ما أزال طالباً حينها، لم أكن أعرف أحداً من الجيران. لكن كان يبدو أثر الغنى على أحدهم، إذ كان يركب سيارة ذات طراز حديث من نوع"لكزس 400"على رغم أنه لم يتجاوز ال 26 عاماً. كان الفضول يدفعني دائماً لسؤاله عن طبيعة عمله، لكن الفرصة لم تكن سانحة إلى أن صدمت سيارته أحد الأيام عند مدخل الحي. توقعت أن تشفع لي الجيرة والفرق بين حالتينا الماديتين. لكنه أصر على مجيء رجل المرور ورفض التنازل مصراً على دفعي أجرة التصليح في الوكالة 9000 ريال. حاولت أن أشرح له ظروفي علّه يشفق عليّ. لكنه فاجأني أنه لا يملك نصف هذا المبلغ، فكل ما لديه قام بدفعه لشراء هذه السيارة، ومصدر دخله الوحيد محل صغير لبيع الملابس. لم أصدقه في البداية حتى تأكدت أن سيارته ظلت في الوكالة نحو ثلاثة أشهر بعد اكتمال تصليحها". ويبرر أحد المصابين ب"فيروس السيارات"غوايته بأنه لا يستطيع أن يرى أي شخص يتباهى أمامه إلا ويبذل المستحيل ليكون مثله، حتى لو كان ذلك على حساب أشياء أكثر أهمية.