عوالم القصيدة تتسع لكل الاحتمالات .... ابسطها ان يتحرش بها عاشق لتبدأ حوارية جميلة مع كل معنى يتسرب من اعماق الفتنة والغموض التي تكتنزها قصائد البدر... وهنا ملامسة لبعض المقاطع من قصائد البدر بنوايا العاشق... في وقفات انطباعية. يالله عسى تحتاجني هل هناك أرق وانبل من هذه الدعوة... لا اعتقد البدر تناسى احتياجه ليقلب المعادلة... وكأنه يمتحن الحبيبة ليشعرها بأنه سوف يفعل الكثير من اجل احتياجه... أو كأنها ادانة منه للحبيبة في اهمال احتياجه. هل هو لوم راقي مارسه هنا البدر!! ربما كان ذلك. الاحتياج غير الحاجة... الحاجة تطلب انساني قد تطغى عليه الصفة المادية... الاحتياج تطلب عاطفي ممزوج بالرغبة الحنونة لاحتواء مبارك ينشده احد الطرفين. سامحينا يالمحبة... لو جرحنا وانجرحنا... سامحينا لو نسينا... في الهوى ضحكة فرحنا البدر هنا يتجه الى المحبة ليكاشفها بالصفو الذي غاب... هو يطلب السماح ليس من الحبيبة ولكن من الحب الذي قد لامسه بعض التعب... وهو يرأف بالحب الذي ربما يُظلم في مسافات الهجر / القطعية / التغالي... وهنا ايضا يتساوى في داخله الجرح... لا يهم من جرح الاخر... المهم ان يكون الحب بعافيته. هل يمكن ان يغامر المحب... ليختصر المجد لمرة واحدة فقط ... البدر يفعلها. ولا ندري هل هو استدارج من البدر لينال نعيم الوصال... فهو يقول: عطيني عيونك الليلة... وباكر ياعساه صدود ثم يكرر تلك المغامرة في قصيدة اخرى ليقول عطني من ايامك نهار... وباقي العمر للي تبي هل يمكن أن نقول ان البدر لم يلجأ لهذا الرهان على اللحظة الوحيدة... الا بعد ان تمكن منه اليأس... فهو يقبل بالمجد مقابل الخسارة الدائمة... هل هذه المعادلة منطقية... لا ادري... ربما من عاشها يؤمن بمنطقيتها. "ومثل الفرح... بيبتي أحتاجها وسط الزحام" نلاحظ ان البدر كيف اختار البكاء للمرأة واختار أضاً الظلام... وللتأكيد الدقة قال تحت الظلام. وربما نقول أن الظلام هنا ليس ظلام الليل. بل هو اي سواد يحجب الرؤية. وهو ايضاً قال تحت... اي ان هذا الظلام له علو... وهذه المرأة تقبع باحتياجها للبكاء تحت هذا الظلام الذي يمنحها الرغبة في البكاء... والبكاء يأتي عن الانثى بشكل مستمر... فهي تعبر عنه في كل حالات احتياجها... لذا عندما يكون الحبيب هو الكل يأتي الاحيتاج على مستوى هذه الرغبة التي تمتلك الانثى. وللزحام عند البدر سطوة في قصائده... لذا لا نستغرب ان هو اختار الفرح ليعبر عن الاحتياج في لحظة الزحام... في الزحام قد تمتلئ بكل شئ... ولكن هناك فراغ لا يملئه سوى رغبة في احتياج كهذا الذي تمناه في لحظة الزحام. للبدر مع الفراق حكاية... موقف البدر ليس ثابتاً من فراق الحبيبة... وبرغم انه يرفع شعار ان الفراق جزاء الفراق نجد هناك مواقف متيابينة للبدر في الفراق. أنا ما أشير بالفرقا... ولا أحدك على المقعاد تخير في طريق الوصل... والا درب هجراني هنا نجد البدر يقف على الحياد... فهو لا يطلب الفراق وهو ايضا لا يدفع الحبيبة الا ان تبدأ بالهجر... بل انه يرمي هاجس الفراق في ملعب الحبيبة... ويحملها مسؤولية الاختيار. احيانا البدر يبدو سلبيا كعاشق ولكن تلك السلبية الناضجة بالخوف على الحب. أنا ودي على الفرقا حبيبي لو تعاهدني وإلى شفتك... تصد ولا تجيب لما مضى سيره وهنا يتمنى البدر الفراق ولكن يتعلل بأخذ العهود من الحبيبة لكي يضمن ان الفراق الحتمي لا يأتي بعده هواجس تعيد ما مضى... انه ايضا يحمل الطرف الاخر بطريقته مسؤولية الفراق. وليله كانت الفرقا وقالت لي... ف أمان الله وليله ذكرها يبقى على جرحي... و لا انساه وجت تاخذ رسايلها... وخصله من جدايلها وتديني جوباتي بقايا عمر بسماتي وقالت لي... ف أمان الله ولم يتوجع البدر كما توجع في هذا المقطع السابق... صور الفراق بشفافية موغلة في الحزن والشجن... واصبغ على مشهد الفراق ذاكرة الاشياء التي شكلت هذا الحب الرسائل... خصلة من الجدايل... والطعنة تأتي عندما يقول وقالت لي ف امان الله... مشهد النهاية يليق بتلك اللحظة... وعندما يقول احدهما للآر تلك العبارة لا بد من صياغة المشهد الاخير مبللة بالجلال والمهابة. من ينطق تلك العبارة تجده يقولها بصوفية معتقة تتمنى له العناية الالهية لكي ترأف به. غديت انا... وانتي... طفلة وطفل... تبكين ف وداعي... وانا كني مفارق أهل... وبيتٍ صغير... ودربٍ كهل... ياللي على خدك كحل... لوتمسحيه وتتبسمي... مال البكا داعي ياللي سنا عيونك أمل... لا تقتليه تتألمي... مال البكا داعي والوداع ليس هو الفراق... وعندما يودع البدر الحببية يرتد الى زمن الطفولة... ليستعين به على هذا المشهد المورق بالبكاء... وهو يرأف بها من البكاء ويرأف بالكحل الذي قد تهلكه تلك الدموع الغارقة في وجع الوداع. لا تقول ودعتني داري بالحيل مالي عليك عتاب ويأتي هنا مشهد الوداع بصورة مغايرة... تشعر ان احتمالات للتعب للعتب تشي بها احساس البدر وهو يقول لا تقول وداعتني داري... وتكون الفاجعة عندما لا يجد عتاب يليق بهذا او لا ليس لها لديه القدرة على دلال العتاب... وما اصعب ان تتجمل بالصمت... وهو الخيار الذي لا تريده. أه لو تدرين لو تدرين لا عود العاشق حزين يمشي على جفن وجبين لا باس يا القلب الشجاع ضاع الأمل مالك عذر من لمست عيوني الشعاع زندي انثنى رمحي أنكسر الاهة التي وضعها في البداية هي عنوان للتعب الذي يكتنزه القلب... ويقول لو تدرين تدرين يكررها مرتين... وكأنه يراهن على الجهل او عدم الاحساس من الحبيبة بما سوف يقوله لاحقا... وعندما يأتي هذا النداء بتلك الشفافية... لا بد من الحبيبة قد يبادر فضولها لمعرفة ما وراء هذا النداء. لا عود العاشق حزين... الله كيف اختزل البدر كل الخذلان في هذا المشهد... انه يفتح الاسئلة عن طموح هذا العاشق في رحلة الذهاب... وكيف ان القلب كان معبأ بنوايا المجد العاطفي. وعندما يعود العاشق وهو يتعثر في حزنه... فهذا يعني انه هناك خذلان قد حدث... والبدر لا يتخلى عن جعل الحبيبة شريكا اساسيا في النص... وهنا يترك لها مساحة التخيل... لتبادر هي بما يمليها عليه واجب العاطفة... وقد لا يكون هنا مطالبة بشيء ما... ربما لا يريد البدر اكثر من الاحساس بهذا التعب. لا باس يالقلب الشجاع... ضاع الامل... مالك عذر البدر قادر ان يتألق بحزنه... وهزيمته كعاشق... وهنا يتقن العزاء والمواساة لهذا القلب... وعندما يصف قلبه بالشجاعة هي دلالة العشق... والعاشق دوما مغامر / شجاع... ان العشق يمنح هذا القلب صفة الشجاعة. ولكنها شجاعة تخوض المعركة بنوايا الانهزام... ولولا هذه الهزيمة لما رأينا لوعة القلب الشجاع. همس النديم اللي يعاتب نديمه... صوت المطر كنّه تعاتيب خلان لا تدري لمن ينحاز البدر هنا... للتراشق الهامس في هذا العتاب الشفيف... ام لصوت المطر... البدر ايضاً يجعلك شريكاً في هذا الضياع المحمود في هذه الصورة الغارقة في المطر / العتاب. وايهما يشبه الاخر.... لا تدري... فهنا تحريض على تتقن التيه عندما تكون الصورة بهذه الجمال الذي لا يصنعه سوى البدر. عطني في ليل اليأس شمعه و سكه و دار عطني في ضياع العمر دمعه و بسمة نهار و أعطيك أمل في الحب غالي يصعب على غدر الليالي هل يتقن البدر فن المقايضة!!! وهل الحب يقبل بهذا... وهل هناك مساحة تكفي لهذا المناورة لكي يكون التفاوض منطقيا بين الاثنين!! وهل كان البدر هنا عاشق متطلب!! عطني هل هي امر... هل هو ثقة من العاشق بأنها تملك مجدا تخبئه عنه... وهل هو تحريض على المنح بما هو متاح وبما ما تأتي به سلطة العشق. وعندما نرى ماذا يريد هذا العاشق... وماهي متطالباته... و لنشاهد كيف هي الاشياء الشفيفة التي يطلبها. شمعة... سكة... دار... وعلينا فك هذه الرموز لكي نظفر بدلالتها... هل تتقاطع مع قاله بعد فترة زمينة طويلة ارفض المسافة والسور والباب الحارس دمعه... بسمة نهار. وهي ايضاً تماثل تلك الرموز التي يفهم دلالتها الحبيبة التي لا بد لها تفهم هذه المطالب الشفيفة. واعطيك امل في الحب غالي. الله يالبدر... كيف يكتفي بالامل فقط... اظنه صدق العاشق الذي املى عليه اختيار مفردة الامل... وبالامل تأتي امجاد الحب. لم يكن هنا مبالغا ولا متهورا... فقط اكتفى بمنح الامل... ومن يمنح الامل وهو امل غالي... قادر على الوفاء بما وراء الامل. الوقت يسرق باقي أعمارنا سرق ما نجتمع... إلا وحنا نفارق حكايات البدر مع الفراق لا تنتهي. ما نجتمع... إلا وحنا نفارق... هنا الهاجس الذي لا يغيب عن مخيلة البدر... هو هاجس الفراق... يدخل مدن اللقاء بنوايا الفراق... ويترقب ما يهجس به ذلك القلب الذي يعيش قلق ومهالك مابعد اللقاء. هل يتعمد البدر افساد لحظته بتلك النوايا...ام هي الرغبة في ايذاء اللحظة لكي ينهمر الوجع شعراً. وهو هنا لا يلقي بتهمة الفراق على اي من الطرفين... يضع شراكة متقنة لكل الاطراف لكي تقتسم وجع الفراق... ويشرك الوقت... هذا الخصم الدائم للبدر... اليس هو من قال: كل خصيم وذاق لوعة خصيمه... واللي خصيم الوقت يابنت خسران واعتقد ان فيروز غنت شيء مشابه لحكاية الاجتماع بنية الفراق. واظنها كانت تتحدث عن الوداع وماحد ٍ يقول... شافك معي مره... طيفك متى... يكفيني من شره... الشر هنا... لمن!!... ان كان للطيف فقد ابدع البدر وتجلى. كتجلي هذه الغيمة الصامتة في كبد السماء. آه لولاك يا دافي الشعاع كان مرتاح بالي وش تبي بي تشغل البال يا دافي الشعاع عندما يكون البدر بيسطاً يتألق... تصور دفء الشعاع ودع القلب يسيل بما ابتهج جيتك انا ف ليلة شتا... تهزني ريح الشمال.... محتاج انا لبسمه وشال... تخير البدر اكثر الفصول احتياجاً لحميمة وللدفء... وتخير من الحبيبة ما يليق بفتنتها... لم يطلب المستحيل... سوى ان يطلب البسمة... ولو فعلتها وابتسمت فقد تحقق المكسب الاول. وان منحته "الشال" فقد منحته الدفء المستحق. اعتقد بعد ان تزول اوجاع الاحتياج سوف يعرف انها منحته الكثير. ولا يفوتنا ان نقول ان "للشال" دلالة الانثى المترف... وايضاً دلالة الحسية التي لا يجاهر بها البدر. هذا إنتي... قولي والله إنه إنتي... وين غبتي ؟!... عني هذا الوقت كله... وين كنتي ؟!... الله على البدر عندما يصنع حوارية تليق بهذا الارتباك والتشكك في حتمية تحقق الحلم. "قولي والله إنه انتي" بربكم ماذا عليها انه تجيبه وهو يحاصرها بهذا السؤال المتشكك... لا بد نطقها بثمالة بها رجفة الشتاء. ولا بد انها انحنت في خجل لتخلق للمسائلة وهجٍ يتضخم على شفتيها. ولا علينا من تلك الأسئلة التي توالت: "وين غبتي"... "وين كنتي" عذب الحروف... طاغي الطيوف... أبعد عن عيوني... بااشوف... لجل النهار... وحريتي... هل وصل الضيق بالبدر ان يقول: أبعد عن عيوني... بااشوف... اعتقد ان ليس الضيق ولكنها الرغبة في ابعاد سطوة هذا الحبيب... لكي يستعيد حريته... احياناً هناك من يسرق حريتك برشاوى الحب. ياشمسي الأخيرة... في اللحظة الأخيرة أنا... لي كلمة أخيرة هل هناك براعة اكثر من ان يجعل البدر لمفردة" الاخيرة" هذا الفضاء الشاسع من الدلالات. انسجم مع تلك اللوعة وتسائل ماذا يريد ان يقول في الكلمة الاخيرة: إغفري لي إبتسامي... قبل جرحي حاولي تنسي كلامي... قبل صمتي ولو زعلتي... ياأعز الناس إنتي مجنون يبدأ بطلب غفران الابتسامة قبل الجرح... ويطلب نسيان الكلام قبل الصمت. ثم يتجاسر ويقول: ولو زعلتي... هو بادر بصناعة النهايات التي تليق بجلالة اللحظة الاخيرة... ويترك لها ما تتخير من ردة الفعل. هو البدر يعشق بطريقة سوريالية. اليس كذلك؟ سهرنا والهوى واحد... وصرنا والفراق إثنين هنا تجنب البدر الثرثرة عن مواجع الفقد... انحاز للاختصار الفاتن... دلل على مباهج الوصل بالتوحد الصوفي "سهرنا والهوى واحد" اي الفة ضخها البدر في هذا الوصل الصوفي الذي يصل حد التمازج. ولكن في الفراق... حدث الشتات... وقال: صرنا والفراق اثنين... لا بد ان يفعل الفراق هذا الفعل الفاضح فيحيل التوحد الى تباعد يشي به قوله العدد اثنين. بحر العيون... لا توهق البحار... يبعد عن المينا... الفتنة في هذا المشهد البسيط تنحاز الى هذه المفردة "لا توهق" عندما نرصد مفردات هذا الشطر نجدها صنعت الفتها بجدارة مع مفردات المدينة. البدر ينضج المفردة الصحرواية حتى يجعلها تتأخى مع لغة المدينة بحميمة.