هناك تحسن نسبي في الحريات الإعلامية في السعودية، والقارئ السعودي يدرك قبل الكتّاب في الصحف، أن سقف الحريات ارتفع اليوم بدرجة تسمح بتعبير أكثر وضوحاً. هناك قضايا كانت تعد في الماضي من المحظورات أصبحت الآن محوراً للنقاش المفتوح في الصحافة، وحتى على شاشات القنوات التلفزيونية الحكومية، وبدأ الإعلام السعودي يستعيد شيئاً فشيئاً ما فقده من جمهور رحل إلى منتديات الإنترنت، التي تغصّ بساحات حوار افتقده عقوداً في قنوات التعبير الجماهيرية، وعادت الحيوية إلى صفحات الرأي وبريد القراء، بعد أن كانت تضم على أعمدتها قصائد مديح للمسؤولين، وشكاوى تأخر صرف القروض الزراعية. هذه الحيوية العائدة حملت معها نكهة المواجهات، واستفزت كثيرين ممن اعتادوا هدوءاً في حركة الفكر والرأي، وبدأنا يوماً بعد يوم نشهد عيارات نارية طائشة هنا وهناك، وخرجت مبارزات الأفكار المتضادة من ساحة الحوار إلى قاعات المحاكم، وبدلاً من أن نشهد معارك الرأي والرأي المخالف على صفحات الجرائد، صرنا نسمع ادعاءات ودفوعات قانونية أمام القضاة، كأول بادرة تشهد بدخولنا الحقيقي عالم الاختلاف. سواء أحسمت الخلافات هنا أم في لجان وزارة الثقافة والإعلام، حسب ما نص القرار الأخير، فالمجتمع السعودي بكل أطيافه وتوجهاته هو المستفيد الأول والأخير، صحيح أن الالتزام والمسؤولية واجب على الجميع التقيد بهما في جميع تلك السجالات، الا أن كتب التاريخ تشهد دائماً بأن رقابة المجتمع أشد من رقابة الجهاز الإعلامي الرسمي. من الأفضل في مرحلة كهذه التي نعيشها اليوم، ونحن نرتقي درجات سلم حريات التعبير الجماهيرية، أن نحافظ على الهوامش المتاحة داخل أعمدة الصحف، والأهم من ذلك أيضاً أن تمارس الصحافة السعودية دورها بمهنية غاية في الدقة، لمنح جميع الأطياف مساحات متساوية في التعبير، وتترك الحكم والقول الفصل دوماً للقارئ. كل هذا يتطلب التزاماً أكبر من وسائل الإعلام المحلية بدورها التنويري بتجرد وحيادية، لأنه الضمانة الوحيدة للقيام بهذا الدور بفاعلية وتأثير أكبر، وأن تكون منبراً للجميع، فلا أسوأ من أن تتلون الصحف بألوان رؤساء التحرير لتمنح منابرها وأعمدتها لتلك الألوان الموافقة، في حين يلجأ المتضرر للقضاء. [email protected]