ليست الديموقراطية واحترام الحقوق الفردية بشيء مستجد على الساحة العربية، فالديموقراطية ظهرت منذ زمن بعيد في لبنان وسورية ومصر.. فقد رفض العرب في الماضي الاستبداد بل إنهم كانوا من أكثر الدول في العالم احتراماً للحريات العامة، وغالبية الدول العربية تستلهم أصول هذه الديموقراطية من مصادر مختلفة منها ما يتعلق بالشخصية العربية وتقاليدها الضاربة في القدم ومنها ما يتصل بالحضارة الإسلامية والعربية وارتباط معظم الدول العربية بالشريعة الإسلامية وبالحضارات السابقة.. ولنأخذ على سبيل المثال لبنان فهو من البلدان القليلة التي تعيش فيها طوائف مختلفة.. كما أن أحكام الدستور اللبناني تحترم في شكل ملحوظ الحريات العامة والحقوق الشخصية والمساواة بين جميع الطوائف سواء كانت إسلامية أو مسيحية. وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد ضغطت على سورية للانسحاب من لبنان فهذا الأمر ليس لأنها تسعى لمصلحة لبنان بل إن هدفها الأساسي هو معاقبة سورية وإضعاف قوتها، بهدف تغيير طريقة الحكم فيها الذي يشبه إلى حد ما الحكم البعثي الذي كان في العراق.. وهذا الأمر ليس بالجديد فقد سبق لأميركا أن اتخذت مجموعة من الإجراءات ضد سورية منها مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات عليها ومنها استصدار قانون محاسبة سورية.. والهدف الأساسي من كل هذا هو تطبيق الديموقراطية في لبنان وسورية والمنطقة حسب النموذج الأميركي الذي يصب بطبيعة الحال في مصلحة إسرائيل. إن الضغط الأميركي الممارس على سورية اليوم يذكرنا بمطالبة أميركا العراق بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل الوهمية.. وحتى لو خرج الجيش السوري بالكامل من لبنان قد تطالب الولاياتالمتحدة سورية بانسحاب جيش وهمي أو استخبارات وهمية توجد في لبنان، بهدف فرض عقوبات على سورية وقد يصل الحد إلى ضربها عسكرياً على غرار ما حدث في العراق لإعادة تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات جديدة. إن الإدارة الأميركية تحاول قيادة العالم وتغيير أنظمة الحكم في شكل يتماشى مع مصالحها ومصالح حلفائها على رأسهم إسرائيل التي تسير في مخططها لبناء إسرائيل الكبرى على حساب الأراضي العربية، وبذلك تكون الإدارة الأميركية ضربت عصفورين بحجر، فهي تضغط من جهة على الدول العربية لإصلاح سياستها وتترك إسرائيل تتصرف كما يحلو لها في المنطقة.. والانسحاب الأخير لسورية من لبنان ماهو إلا واحد من الوجبات الدسمة التي تقدمها الإدارة الأميركية لمصلحة إسرائيل. جلال بوشعيب فرحي صحافي مقيم في جدة