من هم السعوديون؟ قد يغشى الناس عجب من هذا السؤال البديه. لكن الإرجاف بالباطل حول ما هو مألوف للتشكيك فيه وتقبيحه، ينبغي ان يكون فرصة حافزة على تجديد الإحساس بما هو مألوف معروف: ابتغاء ترسيخ اليقين به... فلا يترك يقين ما عند الذات لشك ما عند الآخرين. السعوديون ناس من الناس: ليست لهم جينات خاصة تجبرهم على ان يكونوا إرهابيين، ولو أرادوا غير ذلك، فحكاية الجينات الجبلية الإرهابية الخاصة هذه ادعاء لم تثبته حقيقة من حقائق علم البيلوجيا او التشريح... وبافتراض ان العلم أثبت ذلك، فان السعوديين يستوون في ذلك مع أكثر من ستة آلاف مليون إنسان هم سكان الكوكب الأرضي من الأناسي اليوم... وبالمساواة: لا يستطيع أحد ان يعيّر احداً بتهمة الإرهاب، إذ الأصل واحد، ولأن السوء في بعض يسوؤني. ونقفّي على السؤال الجبلي الكوني بالسؤال الثقافي الفكري المنهجي المختار فتقول: ما ثقافة السعوديين ومنهجهم الفكري الذي منه ينبعثون واليه يرجعون؟ فقد تلتاث البراءة الجبلية الأصلية: بثقافة فاسدة، أو اعتقاد عدواني، أو منهج معوج. يتعذر استقراء المنهج الذي يستمد منه السعوديون زادهم الثقافي والتعليمي والفكري... ولعل نماذج من صميم المنهج تغني عن بسطه واستقرائه. من خصائص العقيدة التي يدرسها كل سعودي وهي عقيدة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل من خصائص هذه العقيدة ولوازمها: ألاّ نكفّر مسلماً بذنب أو كبيرة... وألاّ نقاتل الحاكم... وألاّ ننازع الأمر أهله... وألاّ نحمل السلاح على الأمة، وألاّ يكون الجهاد - بمعناه الدفاعي - إلاّ خلف حاكم شرعي يتحقق من القدرة عليه، إذ الوجوب مشروط بالقدرة ويوقته ويقدر الضرورة او المصلحة فيه بالشورى ثم بالعزم. هذا هو المنهج العقدي الفكري الذي يتربي عليه السعوديون، والذي يصدق تاريخهم السياسي انهم ملتزمون به. فالسعوديون لم يعرفوا بالراديكالية او الثورية، بل هم قوم محافظون معتدلون توافقيون مسالمون... وربما أسرفوا في ذلك ان صح أن في الاعتدال إسرافاً. لا جرم ان طريقة أهل العنف والإرهاب متناقضة مع هذا المنهج ، فهم مولعون بتكفير المسلمين منازعون الأمر أهله حاملون السلاح على الأمة متأبطون العنف أبداً يقاتلون بلا إمام شرعي ذي بيعة وسلطة وإقليم ونظم، وهذا مفهوم من مفاهيم الإرهاب او الخروج أو البغي. والحق: ان المنهج الذي تواطأ عليه السعوديون غائب عن الناس الأقارب منهم والأباعد... ولقد استغلت دوائر معادية هذا الغياب، فسارعت إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالسعوديين أجمعين... ومما لا ريب فيه أن الذات تتحمل نصيبها من المسؤولية عن هذا الغياب المؤذي، فليس من العقل والواقع ان تطلب من الآخرين اختراع صورة جميلة لك يتخيلونها من عند أنفسهم. وللأرقام منطقها المنصف، لقد بلغ عدد السعوديين ستة عشر مليون إنسان، فإذا أسرفنا في الخيال وقدرنا ان عدد أكابر مجرمي الإرهاب ألف شخص - مثلاً - فإن نسبتهم هي 62 في المليون. فكيف تلصق بمجتمع خصائصه الوداعة والرقة والأمن والسلم، تهمة اقترفها نفر منه لا تكاد نسبتهم تذكر بالنسبة إلى المجموعة، وهناك رقم آخر وهو ان عدد السعوديين الذين تخرجوا من أميركا نحو 70 ألفاً على مدى العقود الأربعة الأخيرة. وهؤلاء تلقوا تعليمهم الاساس في المدارس السعودية، وتلقوا مفاهيم العقيدة التي شرحناها آنفاً، فكم عدد حوادث الإرهاب التي مارسها هؤلاء الخريجون في أميركا أثناء مقامهم فيها؟ الجواب: صفر. ومن هنا جاء كتاب"السعوديون والإرهاب"لينقض الاتهام الظلوم، بالمقياس الأخلاقي والقانوني والسياسي والإعلامي، ينقضه بخطاب عقلاني موضوعي ومستندات، فالكتاب من ثمّ حجاج عقلي، ومحاماة فكرية وسياسية عن صورة السعوديين وسمعتهم، بصفتهم الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية. وإذ جرى خلط متعمّد بين السعوديين والإرهاب، فقد جرى خلط مقصود كذلك بين الإسلام والإرهاب، بل نستطيع القول - باطمئنان موضوعي - إن وفاء السعودية للإسلام والتزامها به هو الدافع الأول للهجوم التشويهي عليها، ونستطيع ان نباهل فنقول: لو ان الملك أعلن اليوم - حاشاه - التخلي عن الإسلام لا نقلب الهجوم الضاري إلى ثناء مطلق، والعداوة إلى صداقة"وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً"في ضوء هذا أخذ الدفاع عن الإسلام مكانه ومكانته في كتاب"السعوديون والإرهاب"الذي يستمد قيمه من أربع: 1. من دفاعه الموضوعي الصدوق عن السعوديين والإسلام والمسلمين بوجه عام. 2. من اكتراثه الجمّ بقضية هددت سلام العالم ولا تزال تهدده هي قضية الإرهاب الذي أصبح بلاء عالمياً، يفجّر ويخّرب في السعودية، كما فعل ذلك في أسبانيا وأميركا ومصر والمغرب وغيرها من البلاد، فالإرهاب صورة من صور التحدي المخوف لأمن البشرية، ولقد أسهم كتابنا هذا بجهد معتبر في مواجهة هذا التحدي بتقديم رؤية عالمية عن أسباب الإرهاب ومظاهره وآثاره وعلاجه. 3. ويستمد الكتاب قيمته من التنوع الحضاري والجغرافي لكتابه، فهم نخبة من قارات أربع هي: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأميركا الشمالية. 4. ومن المستوى الرفيع لهؤلاء الكتاب أنفسهم: علماً وخبرة ورؤية وقدرة على معالجة المشكلات العالمية: الفكرية والسياسية والحضارية. هي قدرة تبشر بأن في البشرية من ينزع منزع تفاهم الحضارات وتعاونها، لا تصارعها وتصادمها. * مفكر سعودي، وهذا جزء من كلمته بالنيابة عن المثقفين في تقديم كتاب"السعوديون والإرهاب"في الرياض أخيراً.