دافع رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية الدكتور عبدالقدوس أبو صالح عن مفهوم الأدب الإسلامي، ونفى أن يكون ضد الحداثة والتجديد، بمعنى ربط الأصالة بالمعاصرة، ومواكبة ركب الحياة المتطورة. وقال إن مصطلح التجديد اختلط لدى الكثيرين، فكانت الحداثة كلمة حق أريد بها باطل وإلا فلا أحد يرفض الحداثة بمعنى الجدة، مشيراًً إلى أن الناقد الدكتور عبدالله الغذامي كان في فورة الدعوة للحداثة الأدبية مع التجديد الواعي. وأكد أبو صالح أنه لم يكن أحد يفهم الغذامي جيداً يومها. ووصف أبو صالح في مستهل ندوة «منبر الحوار» في نادي الرياض الأدبي مساء الثلثاء الماضي، بإدارة مشرفه الجديد الدكتور خالد الرفاعي، واقع الأدب في العالم الإسلامي انه واقع تحت سيطرة الاتجاهات اليسارية، إذ غابت الهوية الإسلامية لتحل قصيدة النثر محل التراث، ويغلب على الروايات الجنس، وعلى الفكر الحداثة الفكرية الشاملة وتيار التغريب. ولفت إلى أن الأدب الإسلامي يمثل رد فعل ضد تيار التغريب الذي طغى على العالمين العربي والإسلامي، مؤكداً أنه طوق النجاة أمام فوضى المذاهب الأدبية وكثرتها وماديتها وعجزها. وأضاف: «مثلما تنبه المسلمون إلى خطورة تغريب الحياة الفكرية والسياسية، تنبهوا إلى خطورة تغريب الحياة الفنية والأدبية، وحاولوا صوغ نظرية إسلامية في الفن والأدب، فالثقافة وحدة متكاملة». كما انتقد أبو صالح واقع الأدب العربي الذي قال إنه يعيش اليوم بلا هدف ولا غاية ولا ذاتية وقواعد ومنهج، مطالباً بأن ينفذ من وهدة التقليد والتبعية، مؤكداً انه لن ينهض إلا بالأدب الإسلامي. وأشار إلى أن كثيراً من المشتغلين بالأدب العربي لم يدركوا أن تغريب الحياة الفنية والأدبية لا يختلف عن تغريب الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي وصفها بالفتنة الحالقة لكل شيء، «فقد توسلت بالدعوة إلى التجديد وهي تريد الهدم، وابتدأت بتحديث الشكل لتنتهي إلى إفساد المضمون، بل إنها مضت في إطار الشكل تدعو إلى تفجير قواعد اللغة والهجمة على التراث بما يضمه من شواهد من القرآن». وأسهب أبو صالح في الحديث عن مفهوم الأدب الإسلامي ومميزاته، فحدد مفهومه بأنه التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي، وهو التعريف الذي تبنته الرابطة. وقال إنه أدب مضمون بالدرة الأولى، «بل إن المضمون هو الشرط الوحيد، وليس صحيحاً أن الأدب الإسلامي هو أدب وعظ مصطنع فقط لا تتحقق فيه شرطية الشكل». لكنه استدرك وقال: «لا يوجد شكل يحرمه الإسلام بصورة مبدئية إلا اذا كان يعدو على المضمون الإسلامي، وهنا يتساوى الشكل مع المضمون، فالشكل الذي يعارض الإسلام لا يختلف عن المضمون الذي يعارض الإسلام، وليست إسلامية المضمون شفيعة ومسوغة لانحراف الشكل، كما أن إسلامية المضمون ليست شفيعة للأديب المسلم أن يقصي على جمالية الشكل والتجويد الفني، فذلك يزري الأدب الإسلامي ويضر به»، مؤكداً أن الأديب المسلم مدعو أكثر من غيره أن يبلغ قمة الروعة في الأداء الفني. وكان أبو صالح تحدث أولاً عن وجود الأدب الإسلامي في القديم والحديث، لافتاً إلى أنه كان حاضراً في كل مختلف عصورنا الإسلامية، «ولم يكن بعثاً لأدب قديم ارتبط بظروفه وعصره، لكنه أدب جديد فيه نبض العصر وروحه وقضاياه». وعدد بعضاً من الكتب والدراسات التي تناولت الأدباء الإسلاميين. وأشار إلى أنه عانى من التعتيم الإعلامي في بدايته، وقال إن الأدب الإسلامي ليس بدعة مستحدثة ولا شيئاً طارئاً «بل هو حقيقة جاءت مع انبلاج الإسلام كما أنه يملك مصدراً لا يملكه أدب آخر وهو كتاب الله». وأضاف أن إعجاز القرآن وصيغه وبيانه يمثل دعوة للناس إلى أن يتبعوا طرائقه، مشيراً إلى أن ما ذهب إليه بعض النقاد من أن تهجين الإسلام للشعر والشعراء أدى إلى ضعف الشعر المخضرم. وقال إن قلة إنتاج الشعراء المخضرمين بعد إسلامهم تعود لتعرضهم لصدمة فنية أمام إعجاز القرآن. كما أوضح في معرض رده على بعض المداخلات، أن الأدب الإسلامي أشمل من أن يكون أدب دعوة وأدب مواعظ، وعلى رغم ذلك فأدب الوعاظ المباشر ارتقى بالأدب وبأساليبه وراعى الوعاظ الدقة في اختيار الألفاظ والسبك والصياغة. وقال في ختام محاضرته التي حظيت بمداخلات مؤيدة: «إن دعونا إلى أدب إسلامي فقد عنينا به مذهبا أدبياً له خصائصه الفكرية والفنية، التي تعبر عن شخصيتنا وتراثنا، وتنطلق قاعدته من الإسلام، وهو أرقى وأشمل في نظريته للكون والإسلام والحياة من كل الفلسفات المثالية والعقلية والمادية، فلا ينبع من تعصب فكري ولا يؤمن بالمفارقة بين مما تدعو إليه العقيدة من التزام، وما يدعو إليه الفن من انطلاق وتحرر لتحقيق الجمال ومتعة الذوق». المجون في الأدب الإسلامي العباسي شذوذ وليس قاعدة وفصّل الدكتور عبدالقدوس أبو صالح في محاضرته عن الأدب الإسلامي، مشيراً إلى خصائصه كونه أدباً ملتزماً وهادفاً وأدباً شمولياً واسع الآفاق، كما أنه متوازن يستمد توازنه من وسطية الإسلام وأدب إنساني بمقدار ما في الإسلام من إنسانية ومتصل عبر القرون. وذكر من مسوغات الدعوة إليه أهمية الأدب وتأثيره، وتصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة، وواقع الأدب العالمي، وصياغة الوجدان المسلم، إذ انه أدب عقدي لأكثر من مليار مسلم. وقال إن الشعر الإسلامي تألق في العصر الحديث من شعر البارودي وأحمد شوقي وأحمد محرم بملحمته الإسلامية، التي كانت إيذاناً بطوفان الشعر الإسلامي في الرد على هجمات المدارس التغريبية، إضافة لترجمات من اللغات التركية والأفغانية والاوردية والسواحلية والاوزبكية لملاحم من روائع القصص الإسلامي في تلك البلاد. وكان أبو صالح دافع في معرض محاضرته عما عرف بشعر المجون في العصر العباسي من أنه دليل على ضعف الشعر الإسلامي وانزوائه قائلاً: «الواقع أن مجمل الشعر العباسي كان إسلامياً كشعر الدفاع عن أهل السنة وشعر الفتوحات وشعراء الزهد وقصائد المدائح التي تصور الحماسة الإسلامية، وإنما المجون شذوذ فردي سقط فيه البعض».