"هناك أسباب عدة أدت إلى ضياع جزء من حقوق الموظف، منها جهله بالأنظمة واللوائح التي تنظم حقوقه وواجباته، فالموظف يلتحق بالوظيفة من دون أن يدرك أن هناك نظاماً يحكم العلاقة بينه وبين الجهة الإدارية التابع لها، من حيث الحقوق والواجبات، وأعني بذلك نظام الخدمة المدنية أو نظام العمل والعمال واللوائح التنفيذية له". هذا ما يقوله المستشار القانوني عضو هيئة التدريس في معهد الإدارة العامة في الرياض أحمد بن عبدالرحمن الزكري. ولكي يعرف الموظف ما له من حقوق وما عله من التزامات"يجب عليه تثقيف نفسه من خلال الاطلاع على النظام التابع له ولوائحه لمعرفة ما تضمنه النظام من أحكام وقواعد تحدد حقوقه وواجباته، إضافة إلى الاستفسار من إدارة شؤون الموظفين عن أي أمر متعلق بحياته الوظيفية من دون أي تردد. ويؤكد الزكري أن نقل الموظف إلى موقع آخر يعد مخالفاً للنظام في أحيان كثيرة، وهو أحد أشكال العقاب التي يمارسها المسؤولون في إطار سلطة يتمتعون بها. ويشير إلى أن استغلال النفوذ والصلاحيات في المصالح الشخصية يعد أحد أشكال الفساد الإداري، والتي تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجن. وأوضح أن أي موظف يكشف احد أشكال سوء استخدام السلطة عليه أن يتقدم بشكوى إلى المباحث الإدارية أو هيئة الرقابة والتحقيق التي بدورها تستطيع أن تفتح ملف التحقيق وتحيل المسيء إلى القانون. كل ذلك وأمور أخرى تتعلق بنقل الموظف والإجحاف الذي يمارس ضده يتحدث عنه الزكري في هذا الحوار. من المعروف أن النظام يعاقب أي موظف يتطاول على رئيسه بالفصل، فما العقاب الذي يقع على الرئيس عندما يهين مرؤوسه؟ - من أهم الواجبات الوظيفية التي يجب أن يلتزم بها الموظف حسن معاملة الموظفين سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين وبالتالي يفترض في الرئيس المباشر أن يكون قدوة صالحة لمرؤوسيه، وذلك بالابتعاد عن أي تصرفات أو سلوكيات تحط من كرامة المرؤوس أو تهينه مثل التلفظ بألفاظ نابية أو عبارات غير مألوفة أو الصياح في وجه من يتحدث معه... ما يعد إخلالاً بالنظام ويعرض الرئيس المباشر للمساءلة التأديبية من جانب صاحب الصلاحية وفقاً للمادة 32 من نظام تأديب الموظفين. فالمادة 11 من نظام الخدمة المدنية نصت على أنه"يجب على الموظف أن يراعي آداب اللياقة في تصرفاته مع الجمهور ورؤسائه وزملائه ومرؤوسيه". هناك خلاف قانوني حيال نقل الموظف من مقر عمله إلى مدينة أخرى! ما مشروعية هذا النقل؟ - إن نقل الموظف يعتبر أمراً مخالفاً للنظام إلا إذا كان للمصلحة العامة، علماً أن على الرئيس أن يقدم ما يثبت أن الهدف من النقل هو تحقيق مصلحة العمل، فإذا خالفت الإدارة هذه الغاية، فإن القضاء الإداري يلغي قرارها المشوب بعيب سوء استعمال السلطة لأن السلطة التي منحها النظام لرجل الإدارة ليست امتيازاً أو حقاً شخصياً يمارسه كيفما شاء، وإنما هي اختصاص يجب ممارسته طبقاً للأنظمة واللوائح من اجل تحقيق تلك المصلحة. واذا اثبت الموظف أن قرار نقله سيتسبب في ضرر مالي او اسري يكون ذلك حجة على عدم وجوب النقل، ومن المعلوم أن قرار نقل الموظف يعد من ابرز مظاهر استعراض السلطة التي تتمتع بها الإدارة في أي وقت تشاء تحت شعار تحقيق الصالح العام ليكون غطاءً يحميها من المساءلة. وبناء عليه فقد استقرت أحكام ديوان المظالم على إلغاء قرارات الإدارة التي تحيد فيها عن المصلحة العامة باعتبار أن تلك المصلحة هي الغاية المنشودة في كل تصرفات الإدارة. هل يحق للموظف أن يجمع بين وظيفتين، في نظام الخدمة المدنية والعمل والعمال؟ - لا يجوز للموظف العام أن يجمع بين وظيفته الأصلية وممارسة مهنة أخرى حتى ولو كان ذلك خارج أوقات الدوام الرسمي والهدف من ذلك ضرورة تفرغ الموظف لأداء أعمال وظيفته الأصلية. وإذا كان هذا الأصل فان هناك بعض فئات الموظفين استثنوا من هذا القيد، منها الفئات التي صدر بها قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 1/418 وتاريخ 16/1/1417ه الذي قرر ما يأتي:"يسمح للمستخدم والمعين على بند الأجور في الجهات الحكومية بالعمل في الشركات أو المحال التجارية أو مزاولة الأعمال الحرفية أو قيادة سيارات الأجرة والحافلات والشاحنات، خارج وقت الدوام الرسمي، على ألا يتعارض ذلك مع واجبات عمله". بعض الموظفين يحتاجون إلى إجازة سنوية تماشياً مع ظروفهم، إلا أن رئيسهم يجبرهم على إجازة في وقت يختاره هو! ما رأيك؟ - لما كان الأصل في الإجازة أنها حق للموظف إلا انه ليس مطلقاً لأنها مقيدة بمراعاة ظروف ومقتضيات العمل والتي تترخص الجهة الإدارية التابع لها الموظف بتقديرها من دون تعسف من جانبها، وعلى ضوئها يمكن السماح للموظف بالتمتع بها واختيار الوقت الملائم. ماذا يفعل الموظف عندما يواجه ظلماً من رئيسه حيال علاواته وترقياته؟ - يحق للموظف المجحف في حقه أن يطعن في القرار الإداري الصادر بحقه، وذلك وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة الثالثة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم، بالتظلم من القرار أمام الجهة الإدارية التي أصدرته خلال60 يوماً من تاريخ العلم به. وتبت الجهة الإدارية في التظلم خلال 90 يوماً تبدأ من تاريخ تقديم التظلم. وبناء عليه، إذا أصدرت الجهة الإدارية قرارها خلال الميعاد المذكور وكان القرار بالرفض فيجب ان يكون القرار مسبباً. أما إذا سكتت الجهة الإدارية حتى انقضت مدة التسعين يوماً فان هذا يعتبر بمثابة قرار برفض التظلم، وعليه التظلم إلى وزارة الخدمة المدنية خلال 60 يوماً من تاريخ العلم بالقرار الذي أصدرته الجهة الإدارية برفض التظلم إذا كان قد صدر قرار بالرفض او من تاريخ انقضاء مدة ال90 يوماً المحددة للإدارة من دون البت فيه، على أن تبت وزارة الخدمة المدنية في التظلم خلال 60 يوماً من تاريخ تقديمه لها. فإذا رفضت وزارة الخدمة المدنية التظلم يجب أن يكون قرارها بالرفض مسبباً أو سكتت ولم تبت في التظلم خلال تلك المدة، اصبح من حق الموظف رفع دعواه إلى ديوان المظالم خلال 90 يوماً من تاريخ العلم بقرار الرفض او من تاريخ انقضاء مدة ال 60 يوماً من دون البت فيه من جانب وزارة الخدمة المدنية. أما إذا صدر قرار من وزارة الخدمة المدنية لمصلحة الموظف المتظلم ولم تقم الجهة الإدارية بتنفيذه خلال 30 يوماً من تاريخ إبلاغه، جاز له رفع الدعوى إلى ديوان المظالم خلال ال60 يوماً التالية لهذه المدة. ما عقوبة استغلال النفوذ والسلطة في المصالح الشخصية؟ - تصل عقوبة الموظف الذي يستغل نفوذ وظيفته إلى السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات أو غرامة لا تزيد على 20 ألف ريال، إضافة إلى كل من اشترك أو تواطأ معه في ارتكابها سواء أكانوا موظفين أو غير موظفين إضافة إلى المسؤولية الجنائية، أما من الناحية التأديبية، فيساءل الموظف في حال الإدانة الجنائية وذلك بفصله من الوظيفة كونها من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة. وهذه نتيجة منطقية لأن من أهم الشروط اللازمة للتعيين على الوظيفة العامة ضرورة تحلي المرشح للوظيفة بحسن السيرة والسلوك وخلوه من السوابق الجنائية وعدم فصله من الخدمة لأسباب تأديبية، ولعل الهدف من ذلك هو حماية الوظيفة العامة من الأشخاص الذين تلطخت سمعتهم وفقدوا ثقة الناس بسبب ارتكابهم الأفعال والتصرفات المخالفة للأنظمة والقوانين. مع التنويه في هذا الشأن بأن شرط حسن السيرة والسلوك يظل ملازماً للموظف طوال حياته الوظيفية وليس فقط ابتداءً من التعيين، فإذا خالف الموظف هذا الشرط أصبح غير صالح للوظيفة ويجب إبعاده عنها حماية لسمعة وهيبة الوظيفة. كثيراً ما يتمسك الرئيس بشعار"المصلحة العامة"عندما ينقل موظف من إدارة إلى أخرى، نظامياً كيف نحد من استخدام هذا المسوغ؟ - إن المصلحة العامة هي الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه جميع أجهزة الدولة المركزية واللامركزية لأن الهدف من وجود الدولة هو تحقيق الخير والصالح لشعبها. وهذه الصورة الخطيرة للانحراف بالسلطة عن المصلحة العامة نقل الموظفين قد أصبحت منتشرة في الوقت الحاضر نظراً للسلطات والصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس الإداري في مواجهة مرؤوسيه من دون قيد أو ضابط بسبب عدم وجود تعريف جامع مانع للمصلحة العامة ما ينتج عنه إلحاق الضرر أو الأذى بالمرؤوس بسبب ما يكنه الرئيس لهم من حقد أو كره... فأحياناً يصدر الرئيس الإداري قراراً بنقل احد الموظفين نقلاً نوعياً أو مكانياً بقصد العقاب وليس تحقيقاً لمصلحة العمل، وهذا يعني أن الرئيس ابتكر جزاء لم ينص عليه النظام وأوقعه على المرؤوس من دون سبب يبرره إلا رغبته في الانتقام والتشفي من الموظف المنقول. وكما أسلفت فإن القضاء الإداري ديوان المظالم يراقب مشروعية قرار الإدارة في هذا الشأن وذلك كضمان للموظف من الاعتداء على حقوقه نتيجة للسلطات التي تملكها الإدارة في مواجهته، فإذا حادت الإدارة عن المصلحة العامة واستهدف القرار غرضاً آخر غير متعلق بتلك المصلحة، فإن ديوان المظالم يقضي بإلغاء قرار الإدارة غير المشروع والتعويض عن الضرر المترتب عليه. في رأيك هل العقاب الذي يصدر بحق الرئيس عند إهانته للمرؤوس يتساوى مع عقاب فصل المرؤوس بالذنب نفسه؟ - أساس الجزاءات التأديبية هي إخلال الموظف بواجبات وظيفته، وبالتالي فإن التلفظ بألفاظ نابية وعبارات جارحة يعتبر خروجاً عن الواجب الوظيفي الذي ينص على أن الموظف سواء في القطاع العام أو الخاص يلتزم بمراعاة آداب اللياقة وحسن المعاملة لان النظام يخاطب الموظف أياً كان مركزه الوظيفي سواء أكان رئيساً أو مرؤوساً، واياً كان النظام الذي يخضع له سواء نظام الخدمة المدنية أو نظام العمل والعمال. ما أبرز ملامح النظام الجديد للعمل والعمال؟ - في الحقيقة، النظام في شكله الجديد في المحتوى والمضمون هو في مصلحة العامل ويحمي حقوقه، وابرز ملامحه وضع لائحة خاصة لخدم المنازل ومَن في حكمهم تحكم علاقتهم مع مستخدميهم وإحلال الكوادر السعودية وتدريبها وتطويرها، ورفع سقف الإجازة للعمال، إضافة إلى حقوق إضافية للمرأة، فالمنشأة التي لديها 100 عاملة فأكثر يجب أن تحتوي على دار حضانة، وآلية جديدة لتطوير لجنة المخالفات العمالية لتكون أسرع في بت أحكامها وحفظ حقوق العاملين ومنشآتهم. ... و "محسوبيات" توظيف الأقارب من اختصاص المباحث المقصود بالصلاحيات السماح للمسؤول من دون غيره باتخاذ قرارات إدارية أو مالية مرنة لخدمة المصلحة العامة. وهي تمنح للمسؤول كأداة يستخدمها لتذليل الصعاب والمعوقات التي تقف أمام تنفيذ الأعمال والمهمات الوظيفية فقط. وصاحب الصلاحية الذي يسيء استخدام السلطة في سبيل تحقيق النفع الشخصي له أو لغيره كمن يوظف أحد أقاربه من دون وجه حق أو استخدام السائقين أو المستخدمين الذين يرأسهم في خدمة أسرته أو منزله أو مزرعته يُعد مرتكباً جريمة تسمى"إساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ"ويعاقب عليها جنائياً، إضافة إلى مساءلته تأديبياً في حال إدانته بتلك الجريمة لان تصرف صاحب الصلاحية بتوظيف أقاربه ومحسوبياته يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المساواة والعدالة بين المتقدمين للوظائف العامة ما يجعل المواطنين يفقدون الثقة والنزاهة في أجهزة الدولة الإدارية. ولكي نحد من ظاهرة استغلال النفوذ، ينبغي على كل موظف شريف يلاحظ مثل هذه الظاهرة أن يقوم بتبليغ الجهات العليا في الجهاز الإداري الذي يعمل فيه أو يبلغ الحاكم الإداري أو المباحث الإدارية باعتبارها الجهة المختصة بالتحري والقبض في مثل هذه الجرائم. ومن الجهة الأخرى، تلعب هيئة الرقابة والتحقيق دوراً حيوياً للحد من الفساد الإداري، فكما هو معلوم أن للهيئة اختصاصات ثلاثة تتمثل في الرقابة الإدارية والمالية والتحقيق بشقيه الإداري والجنائي وأخيراً الادعاء أمام ديوان المظالم. فالهيئة تقوم بجولات تفتيشية من خلال جهاز الرقابة للكشف عن المخالفات الإدارية والمالية التي تقع في الجهات الحكومية واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها، إضافة إلى ذلك فانه يوجد تنسيق بين هيئة الرقابة ووزارة الخدمة المدنية في الكشف عن المخالفات المتعلقة بشؤون الموظفين من ناحية عدم نظاميتها كالتعيين والترقية والعلاوات والبدلات وغيرها. واخيراً التعاون القائم في هذا الخصوص بين الهيئة وديوان المراقبة العامة في حال اكتشاف الديوان للمخالفات الإدارية أثناء مباشرته لاختصاصاته المالية، إذ يقوم الديوان بتزويد الهيئة بتلك المخالفات الإدارية تمهيداً لاتخاذ الإجراءات النظامية حيالها.