لم تكن لحظات عادية تلك التي بقيت فيها أمام فوهة مسدس أحد اللصوص، خصوصاً وأنا ممن يخاف من ظل الأسلحة فضلاً أن أكون في مرمى نيرانها، وقتها كنت قد ضربت مع الرعب موعداً دون أن يكون لي خيار في تحديد مكان وزمان هذا الموعد. كثيرة هي المرات التي يحدث المرء نفسه فيها عن بطولات سيقوم بها في ما لو تعرض لابتزاز دنيء، ويفاجأ حين تصعقه اللحظة الحاسمة بأنه يتعامل مع محترفي المواقف الصعبة من دون أن يتاح له المجال لترتيب أولوياته. لم يتجاوز الموقف برمته أربع دقائق، لكنها كانت الأطول في حياتي، لم أكن أدري أثناءها هل أنظر للص المتوتر والمتحفز في آن واحد، أم أستمع لزعيقه وهو يطالبني بإخراج محفظة النقود، أم أنظر لفوهة المسدس الذي كان ينظر إلي بشراسة وكأن بيني وبينه ثأراً قديماً، وربما خرجت رصاصة غادرة بقصد أو بدون قصد. والمثير في الأمر أنه لم يكن في منطقة نائية أو وقت متأخر من الليل، وإنما أمام المنزل وبعد مغرب هادئ احتسيت فيه فنجاناً من القهوة، فليس هناك ما هو غير طبيعي سوى مجموعة اللصوص الذين جاؤوا بسيارة مسروقة، ليتبرع أحدهم بالتفاهم معي على طريقته الخاصة، التي كان إشهار المسدس في وجهي جزءاً منها. بدأت التفاصيل حين خرجت من المنزل متوجهاً لسيارتي، وما أن استقررت على مقعد السائق حتى توقفت سيارة، وبسرعة خاطفة ترجل منها شخص ضخم الجثة، لم يخف وجهه كعادة زملائه في المهنة، وتوجه لي وأنا أمام مقود سيارتي، وأشهر مسدسه في وجهي، ولم يكن بيني وبينه سوى عدد من السنتيمترات، وكان وجه اللص غير اللطيف ممتلئاً وحليقاً لن تخطئه عيني لو رأته مرة أخرى. صرخ في وجهي طالباً محفظة النقود وهو يتمتم بعبارات متسارعة تشير إلى توتره وعدم سيطرته على نفسه، كانت أول كلمة أتفوه بها بعد هول الصدمة وأنا أحاول إبعاد فوهة المسدس عن وجهي"لا"، وكررتها أكثر مرة في شكل هستيري، لم أستوعب شكل فوهة المسدس أمام وجهي، كان سلاحاً حقيقياً، وكل تفاصيله تشير إلى هذه الحقيقة، فأنا أعرف مسدسات الألعاب جيداً، عندما عشت طفولتي معها فهو حتماً ليس أحدها، وبعد أن بدأت في استيعاب طلبه، عرفت أقصر الطرق للنجاة بعد توفيق الله تعالى، وهي الامتثال التام لأوامر اللص الأحمق، فكل ما يريده هو النقود، أخرجت له ما كان بجيبي، وبحركة سريعة ومتوترة أيضاً أخذها، وطلب المزيد من النقود وأجبته بأنه أخذ كل ما معي، فطلب بعدها هاتفي النقال ولم يكن حينها بمواصفات الجيل الثالث المغرية عند البيع فرماه عليّ بغضب، وطلب مني الالتفات للجهة المقابلة لسيارته حتى لا أراه وهو يمضي، وكان يلوح بمسدسه إن أنا خالفت هذا الأمر، وامتثلت لأمره وأنا أسمع صوت سيارته وهي تنطلق، وبعدها تيقنت أن بإمكاني إعادة رأسي لوضعه الطبيعي، التفت فإذا المشهد خال تماماً من جميع الأحداث التي توالت بسرعة البرق. ظننت حينها أن الأمر مجرد حلم، ولكنني أفقت على حقيقة وجودي في الشارع، استجمعت أفكاري المشتتة ونظري الزائغ وعدت للمنزل وأنا أفكر أين أنا، هل أنا في الرياض أم في مقطع من أفلام الرعب الاميركية؟ قمت بتبليغ رجال الأمن بالواقعة وجاؤوا لمسرح الجريمة، واستفسروا عن ملابسات الحادثة، وطلبوا مني التوجه إلى قسم الشرطة لكتابة محضر بالحادثة، وفوجئت لدى وصولي إلى القسم أن هناك ضحايا لهذا اللص القدير، فكانت هناك ثلاث حالات وحالتي هي الرابعة، واكتشفت أنه في إحدى الحالات قد أطلق النار في الهواء على مجموعة شبان كانوا في سيارة حين رفضوا إعطاءه أجهزتهم النقالة، ما جعلهم يرضخون لطلبه، ويسلمونه ما معهم من أجهزة، ويلوذ بعدها بالفرار ويستكمل مهمته التي كنت رغماً عني أحد فصولها. وبعد أن أدليت بأقوالي في المحضر، أخبرني الضابط أن بإمكاني الانصراف وستتم موافاتي بأي تطورات في القضية، وبعد مرور قرابة الشهر جاءتني مكالمة، أخبرني المتحدث فيها بأنه من شعبة البحث والتحري، ويطلب مني الحضور للمقر للتعرف على أشخاص تم القبض عليهم في قضايا مشابهة، وتم استعراضهم أمامي، وكان أكثرهم من المراهقين، غير أنني لم أجد صاحبي بينهم. وبعد أكثر من شهر أيضاً تم استدعائي للقسم الذي أدليت بأقوالي فيه، واستعرضت مجموعة من الموقوفين لم يكن بينهم لصنا الوقور، وبعد أشهر من الحدث صادفت الضابط الذي كان يتولى القضية، وذكرت له أنه لم يتم القبض على بطل السطو المسلح، فأفادني بأن القضايا كثيرة، وأوصل لي رسالة مفادها أن أحاول نسيان الموضوع، عندها لم يكن أمامي خيار آخر، إذ من المؤكد أن عليّ نسيان القضية، ولكن هل سيكون هناك ضحايا آخرون لهذا البطل ورفاقه؟ هذا ما لا أملك الإجابة عليه.