قروض الأفراد تعادل قروض الأنشطة الاقتصادية    الأمم المتحدة: انفجارت أجهزة «البيجر» في لبنان «مقلقة للغاية»    فوز هاريس يحتم التعايش مع بيونغ يانغ النووية    محاولة اغتيال ترمب.. المشتبه به يواجه تهمتي حيازة سلاح    شوريون: مضامين كلمة القيادة نهج وفاتحة خير لعمل المجلس    500 شخص حصيلة قتلى إعصار ياغي    أضرار وضحايا: هجوم مسلح يستهدف معسكر تدريب بمالي    بيولي بديلاً لكاسترو في النصر    رهيب يا «زعيم»    أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من الغد وحتى الأحد    الهلال «العالمي» يستهل مشواره في «أبطال آسيا للنخبة» بثلاثية في مرمى الريان القطري    وزارة النقل ترعى مؤتمر ومعرض السعودية للملاحة والخدمات اللوجستية    الموافقة على أنظمة السجل التجاري والأسماء التجارية وضريبة التصرفات العقارية    تسهيل إجراءات المعتمرين بالمنافذ    حملة على الباعة الجائلين بالدمام    تجارب للمحاكاة السريرية المتقدمة    "المهيريس" يشكر القيادة على ترقيته للمرتبة الرابعة عشرة    السلمان يزور الجرحى من منتسبي القوات المشتركة    نائب أمير الرياض يستعرض المشروعات الصحية ويستقبل وفداً إيطالياً    أمير حائل ينوه بدعم القيادة للبرامج المجتمعية    الهلال السحر الحلال    متخصصون: تقنيات حديثة تخفض تكاليف علاج مرض السكري    جايكو وأومودا تطلقان باقة من العروض الجذابة احتفالا باليوم الوطني السعودي الرابع والتسعين    جبل خندمة.. معلم تاريخي ومقصد للزوار لمشاهدة المسجد الحرام من ارتفاعات شاهقة    كيف فجرت إسرائيل أجهزة اتصالات «حزب الله»؟    "دوائي" تحذر من تناول الخلطات العشبية وأضرارها على صحة الكلى    الأمم المتحدة: السعودية الرابعة عالمياً في الخدمات الرقمية والأولى على المنطقة    نائب أمير الرياض يستقبل وفداً من إقليم «لومبارديا» الإيطالي    مدرب الاتحاد بلان يراقب الهلال في الآسيوية    اتفاقية تعاون بين الجامعة السعودية الإلكترونية والاتحاد السعودي للسهام    مدير عام فرع الإفتاء في جازان يلتقي عميد كلية الشريعة سابقًا        أمر ملكي بترقية 233 عضوا في سلك أعضاء النيابة القضائي    "الذوق العام" تطلق برنامج ذوقيات "النقل العام" لخلق بيئة ثقافية    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لتنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    تجمع الرياض الصحي الأول يضيء منشآته بالبرتقالي ويعزز الوعي بسلامة المرضى    الفاتورة البشرية للحرب ..مليون قتيل وجريح أوكراني وروسي    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ الجولة الدعوية الثاني في صامطة والطوال ومراكزها والقرى        القصاص من مواطن قتل زوجته وحرقها    الخريف يلتقي وزير الدولة البريطاني للأعمال والتجارة    نسف منازل ومخيمات..مجزرة إسرائيلية في دير البلح    تقديم صرف مكافآت طلاب وطالبات جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    نائب أمير الرياض يكرم الفائزين بجائزة "التواصل الحضاري"    القيادة تعزي أمير دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك الحمد المبارك الصباح    توقيع عقد لمشروع طريق الملك عبدالله جنوباً بمدينة بريدة ب 277 مليون ريال    الحكومة المصرية: السعودية ستضخ 5 مليارات دولار استثمارات في البلاد    كرم مدير تعليم مكة المكرمة المدارس المتميزة في الاختبار "نافس "    «بين الثرى والثريا».. انطلاق النسخة الرابعة من «نور الرياض 2024»    آل السريحي يحتفلون بزفاف سهيل    «الخيمة» القطرية.. لوحة مسرحية بالمهرجان الخليجي في الرياض    غير مكتمل    الوعد السبت    إدعموا مؤسساتنا الصحفية ياوزارة الإعلام    تنبيه للحماية من مرض السكر    طبيب أعصاب يحذر من آثار تناول القهوة    الأمير سعود بن نهار يناقش استعدادات المحافظة للاحتفاء باليوم الوطني 94    أمين القصيم يستقبل القنصل العام لجمهورية مصر العربية بالرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تنشر فصولاً من مذكرات المغربي "عمر الناصري" رجل الإستخبارات الفرنسية الذي تسلل إلى "القاعدة" . أرادت الجماعة المسلحة التخلّص مني فأرسلتني بسيارة مفخخة ... لعبور ثلاث دول! 2 من 3
نشر في الحياة يوم 13 - 05 - 2008

حرص عمر الناصري اسم مستعار على التقرب من زملائه أكثر، بعد أن أصبح جاسوساً للاستخبارات الفرنسية التي تنتظر منه كماً هائلاً من المعلومات عن تصرفات الجماعة المسلحة. ولذلك قرر المضي في مهمة السيارة المفخخة التي كلف بها وإن كان موقناً أنها مهمة انتحارية. تظاهر بالسذاجة وهو يوافق على المهمة، فيما كانت الجماعة التي بدأت تشكك في تصرفاته تريد التخلص منه وإيصال المتفجرات إلى الجزائريين.
هنا حلقة ثانية من المذكرات التي تصدر كاملة عن مكتبة العبيكان في الرياض.
تسارعت الأمور في الوقت نفسه تقريباً. طلب مني ياسين ان اشتري كمية متفجرات من لوران، وطلب مني حكيم ان ابادر الى شيء أكثر خروجاً على المألوف. كنا في مهمة بسيطة في المدينة مستقلين سيارة بيجو صغيرة، لم يسبق أن رأيتها من قبل. في طريق العودة قام حكيم بصف السيارة جانباً وطلب ان اتولى القيادة لبعض الوقت. بدا الأمر غريباً الا انني سايرت الموقف. ما ان انطلقت بالسيارة حتى ادركت انها كانت تعاني من خلل معين. ظلت تميل يساراً وتعيّن عليّ ان ابذل اقصى جهدي لابقائها في المسار الصحيح. ما لبث حكيم ان طلب مني التوقف. ففعلت.
سألته: ما وراء هذا كله؟
- أريد منك خدمة يا أخي.
- أي خدمة؟
بعد فترة من الصمت بدأ حكيم يتكلم ببطء: ثمة أخ في المغرب، انه احد اصدقائي الصدوقين جداً. اشتريت له سيارة هدية، غير أنه لا يستطيع ان يأتي ليأخذها لأنه لا يحمل جواز سفر. أرجو ان تكون مستعداً لقيادة السيارة وايصالها اليه.
صعقت. قلت: ما الذي تتحدث عنه؟ أنت تعلم انني لا املك حتى اجازة قيادة سيارة.
سارع حكيم الى الرد: تلك ليست مشكلة، سيرافقك أخ آخر. هو يحمل اجازة، يستطيع ان يقود وصولاً الى ميناء الجزيراس. سيتعين عليك فقط ان تتولى القيادة من رصيف العبارة في طنجة الى مركز المدينة.
شعرت بالدم يتصاعد الى وجهي. لم استطع ان اصدق ان حكيماً يظن انني أصدق قصته عن ارسال سيارة هدية الى احد اصدقائه. بادرته بنبرة هادرة قائلاً:
اذا كنت راغباً في تكليفي عملاً ما يخصك، فمن الأفضل ان تكشف عنه بالتحديد، لن أوصل سيارة الى المغرب كرماً لعينك ما لم تقل لي بدقة ماذا يوجد في داخلها. لا تحاول ان تستهبلني يا حكيم. لست غبياً.
اكتفى اخي بالتحديق في وجهي من دون ان ينبس بنبت شفة. نزلت من السيارة وابتعدت. بعد ليلتين جاء حكيم الى غرفتي. أمرني: تعال معي. يتعين عليّ ايصال بعض المؤن الى أحد اصدقائي، أريد ان تلتقيه.
ثمن التوبة الصعب!
وفيما يهم بالمغادرة عائداً الى البيت التفت حكيم اليّ وسأل: هل ستنفذ؟
أجبته فوراً من دون توقف ولو لثانية: نعم سأنفذ.
لو قلت لا، لأعتقد حكيم جازماً أنني لم أكن قد تبت حقاً، وأنني لم اكن قد عدت اليه والى الآخرين بالمطلق، اما اذا قلت نعم فقد كان من شأن حكيم والآخرين ان يثقوا بي من جديد ثقة كاملة، لم يكن جيل يكف عن مطالبتي بالعمل على التسلل الى داخل حلقتهم المركزية الضيقة، أدركت أن هذه كانت فرصتي.
قابلت جيل في اليوم التالي. حدثته عن طلب حكيم، عن الكاراج. استقامت جلسته وهو يسألني عما رأيت. عندما حدثته عن القوالب المكعبة أومأ وأفاد أنها ربما كانت من مادة السمتكس.
سألني جيل: إذاً أنت موافق على تنفيذ المهمة؟ كان واضح التوتر والعصبية، غير أنني كنت اعرف انه كان يريدني ان اقوم بالمهمة. كان راغباً في الكشف عن آليات العمل. كان يريد ان أتوغل في الحلقة الداخلية.
أجبته: نعم. وعدته سلفاً.
قال: أنت تعلم ان العملية شديدة الخطورة. يدنا ليست طويلة في إسبانيا أو في المغرب. اذا ما جرى اعتقالك، لن نتمكن من مساعدتك في شيء.
قلت: أعرف ذلك. أنا لا أخطط للذهاب الى المعتقل.
تنهد جيل وقال: على بركة الله. اذاً. اسمع ما أريد منك: أريدك ان تخبرني بكل شيء عن السيارة. أريدك أن تعلمني بموعد المغادرة. وأريد ان تتصل بي كلما توقفت على الطريق لتبلغني بمكان وجودك لأتمكن من مواصلة تعقبك.
كيف أخادع الاستخبارات أيضاً؟
عاد جيل الى الاضطلاع بدور المعلم الآمر، فأزعجني. كنت أقدمت على القيام بمهمة خطرة على نحو لا يصدق، وكان هو يحاول ان"يتأستذ"عليّ ويعلمني كيف أنفذها. لم أكن مستعداً لأن امكنه من ذلك، لا لمجرد عنادي، على رغم أنه احد الأسباب بالتأكيد. كان من المستحيل ان أمكنه من تعقبي عبر فرنسا من أولها الى آخرها وأنا في سيارة ملأى بالمتفجرات. لم أكن اثق به، ولو شاء لاستطاع ان يجعل الشرطة توقفني وتفتش السيارة، فأمضي باقي عمري في السجن. واذا خطر له ان يتواطأ مع الشرطة المغربية يكون الأمر أسوأ من ذلك.
قلت له: مستحيل، لن أحدد لك مكاني. سأتصل بك بعد الوصول وبعد انجاز المهمة.
قال بغضب: اذا لم نعرف مكان وجودك فلن نستطيع مساعدتك اذا وقعت في ورطة.
سأخاطر.
في الساعة الثالثة تقريباً من فجر اليوم التالي، أعادني حكيم الى الكاراج لآخذ السيارة، كان السائق قد سبقنا، وبقي في انتظارنا. سبق لي أن رأيته في البيت بضع مرات. كان اسمه جمال. كان ذا لحية طويلة، هادئاً جداً. بدا مُكَرّساً كل وقته لقراءة القرآن.
كانت السيارة جاهزة. سيارة"أودي"خضراء اللون. كان ثمة مقطورة موصولة بالمؤخرة، كما كان المقعد الخلفي محشواً بحشد من الأشياء المختلفة: سجاجيد، علب، أجهزة الكترونية، كان يُفترض ان نبدو كما لو كنا مهاجرين عائدين الى المغرب لزيارة الأهل. قبل المغادرة زودني حكيم رقم هاتف خليوي. أوصاني أن أستخدمه بعد الوصول الى المغرب للاتصال بياسين الذي كان سيعطيني التوجيهات التي تمكنني من الاهتداء الى هدفي.
خرجنا من بروكسل متوجهين نحو باريس. كان جمال خلف المقود. لم نكن قطعنا مسافة ذات شأن حين بدأنا نعاني من خلل في السيارة. كانت حرارة المحرك ترتفع. وكان جمال ينظر الى المؤشر بعصبية. بعد ليل lille بنحو عشرين كيلومتراً قررنا التوقف والقاء نظرة. كان الماء في المبرد يغلي. كانت معي قنينة ماء في السيارة، سكبت ما فيها على المحرك لتبريده.
قطعنا بضعة كيلومترات اضافية ثم بدأت السيارة تحدث جلبة مخيفة حين نظرت الى جمال رأيت انه كان مذعوراً، وعلى الرغم من بقائه صامتاً استطعت ان ارى شفتيه تتحركان بسرعة خارقة. كان يصلي ويدعو.
طلبت من جمال ان يصفّ جانباً. نزلت من السيارة ومشيت الى المخرج التالي حيث وجدت هاتفاً بالأجرة في قرية صغيرة واتصلت بمؤسسة المساعدة الأوروبية Europe Assistance وأي شيء آخر كنت أستطيع أن أفعل؟ كان لا بد لنا من ابعاد السيارة عن الطريق الرئيسية. عدت الى السيارة وأطلعت جمالاً على ما كان يجري، بدا موشكاً على الانهيار من فرط القلق والخوف. لم يقل شيئاً. اكتفى بمواصلة الدعاء والصلاة.
ما لبثت احدى القاطرات ان وصلت وسارع العمال الى قطر سيارة الأودي. جمال وأنا ركبنا الأودي فيما تولت القاطرة جرنا جميعاً. بعد بضعة كيلومترات وصلنا الى قرية صغيرة، قام السائق بفك سيارتنا أمام محل لاصلاح السيارات.
وتعطلت السيارة المفخخة
لم يكن واضحاً كيف كنا سنستطيع اصلاح السيارة. كان المحرك يعاني من خلل محدد. وكنت شبه متأكد من طبيعة الخلل: كان الميكانيكي في بروكسل قد حشى كل سنتيمتر بالأوراق النقدية والمواد. تصورت انه كان قد وضع مواد في قعر خزانات السوائل بطريقة ما، الأمر الذي كان من شأنه ان يفسر الارتفاع الدائم لحرارة السيارة. ولكن، كيف سنتمكن من اصلاح السيارة من دون ان يقوم أحد باكتشاف ما في أحشائها؟
حين قام صاحب المحل بالاصلاح رفع الغطاء، كان الدخان يتصاعد من المحرك. بدأ ينظر الى كل شيء قطعة قطعة. كان لابد لي من مراقبته مثل الصقر للتأكد من عدم اهتدائه الى أي مهربات. سألني عدداً من المرات عما اذا كنت راغباً في الدخول الى المكتب وأخذ قسط من الراحة، فأجبته بالنفي، ظل جمال واقفاً بجانبي طوال الوقت، مشغولاً بالدعاء الصامت.
دام الأمر ساعات عدة. أخيراً رفع الميكانيكي رأسه وأنزل الغطاء. التفت الي وقال: لا أستطيع ان افعل شيئاً. المحرك هالك مئة بالمئة. يتعين عليك تغييره. أستطيع استدعاء قاطرة تجرك انت وسيارتك غداً اذا أردت، فتستطيع ان تعود بها الى بروكسل.
أبقينا السيارة ليلتها هناك لعدم وجود مكان آخر نودعها فيه. عملياً تعيّن عليّ ابعاد جمال، أعتقد انه كان مستعداً لأن ينام في السيارة لو استطاع.
اتصلت بحكيم وأطلعته على ما جرى. انزعج كثيراً، وطلب ان نعود الى بروكسل بأقصى سرعة ممكنة لنتمكن من اصلاح السيارة والانطلاق الى السفر من جديد. بدأت أدرك انهم كانوا مستعجلين وصول السيارة الى المغرب لاحقاً.
عند وصولنا الى الكاراج كانت السيارة جاهزة. عدنا الى الطريق دون اضاعة المزيد من الوقت.
كانت الرحلة كارثية مئة في المئة. كان الميكانيكي قد تعامل مع المحرك الجديد بالطريقة نفسها فتعين ان نبقى شديدي الحرص لنحول دون ارتفاع درجة حرارته. تعطلت السيارة من جديد في جنوب فرنسا وتعين علينا مرة اخرى ان نأخذها الى ميكانيكي. لم يكن الوضع في المستوى السابق من السوء، واستطاع الميكانيكي اصلاحه. هذه المرة أيضاً راقبنا عملية الاصلاح من أولها الى آخرها، من المؤكد اننا بدونا اثنين من المجانين.
مرة أخرى تعطلت السيارة لحظة عبورنا الحدود الى اسبانيا. من جديد تسلقنا جبال البيرينيه، وفي كل مرة كنت أعالج الامور بنفسي، كان جمال عديم الفائدة. كان يتعين علي ان اتصل بالبيت وابلغ حكيماً بأننا تأخرنا. كان حكيم يزداد قلقاً باطراد، وقد رفع صوته في احدى المرات طالباً مني ان اسرع. زاعماً انني كنت موشكاً على افساد المهمة جراء تأخري. كان ردي جاهزاً اذ قلت ان السبب كان كامناً في تعامله، هو والآخرون، مع ميكانيكي لا يفهم شيئاً في اختصاصه.
في قبضة الشرطة الإسبانية
اصبح الأمر أسهل قليلاً اثناء الانحدار عن الجبال. كنا قادرين على اطفاء المحرك وترك السيارة تكر مسافة كيلومترين من دون تشغيل المحرك. غير أننا ما لبثنا في ساعة متأخرة من الليل وعلى مسافة نحو سبعين كيلومتراً من ألجزيراس أن فوجئنا بالمحرك وقد التهب من جديد. تعين علينا ان نوقف السيارة في منتصف الطريق. لم يكن في امكاني ان أتصرف. امتنع المحرك عن الاقلاع. لم اكن مستعداً للسير في منتصف الطريق في هذه الساعة المتأخرة من الليل، فجلست على قارعة الطريق ورحت ادخن سيجارة بعد أخرى. بقي جمال شديد التوتر الى درجة انه لم يتمكن من الجلوس، راح ينوح شاكياً:
ما الذي سنفعل؟ ماذا سنفعل؟
كنت مللت منه ومن كلامه. لم يكن أمامي أي خيار سوى تجاهله واشعال سيجارة جديدة، غير انني حين رفعت رأسي رأيت سيارة للشرطة مقبلة نحونا. كان جمال شديد الغضب والفزع. تضرع إليّ قائلاً: الى أين سنذهب؟ كيف نفلت منهم؟
طمأنتُه وطلبت منه ألا يخاف. حين نزل عناصر الشرطة من السيارة اقتربت منهم وكلمتهم بالإسبانية. كنت ودوداً جداً، قلت لهم إن المحرك معطل. كانوا ودودين بالمقابل، وقالوا إن علي أن أبعد السيارة من منتصف الطريق بطريقة ما.
هززت كتفي قائلاً: ولكن كيف؟
ابتسم احد عناصر الشرطة وعرض مساعدته. اقترب بسيارة الشرطة من سيارتنا الأودي، أخرج كابلاً، قطر السيارة بالأخرى. جمال وأنا عدنا إلى"الأودي"وسحبتنا سيارة الشرطة نحو عشرين كيلومتراً. تركونا امام محل لاصلاح السيارات في احدى القرى الصغيرة. ولدى انطلاقهم مبتعدين ابتسم عناصر الشرطة لنا ولوحوا مودعين ومتمنين لنا حظاً سعيداً.
غادرنا، جمال وأنا في ساعة مبكرة وسقنا ببطء معاينين المحرك كل عشرين دقيقة او نحوها. ومع وصولنا الى أطراف الجزيراس التفت الي جمال وقال: عليك ان تستقل العبارة المتجهة الى سبتة فأجهزة الأمن هناك أقل كثافة مما هي في طنجة.
كان على صواب، فسبتة نقطة إسبانية متقدمة مما يجعل جهاز الأمن اقل تشدداً. غير أنها كانت ايضاً بلدة صغيرة جداً وأبعد بكثير من طنجة. حتى لو تمكنت من العثور على قاطرة في سبتة. وكان ذلك امراً غير مؤكد فإن نقل السيارة من هناك الى طنجة كان سيستغرق عدداً من الساعات، لم تبد الفكرة جديرة بالاعتبار.
قلت: أعتقد أنني سأجرب حظي مع طنجة. نظراً للوضع الذي تعاني منه السيارة لم يكن أمامي أي خيار آخر.
ظل جمال يلح."حقاً أظن ان من الأفضل لك ان تذهب الى سبتة". كرر العبارة ثلاث مرات في غضون عشر دقائق. تجاهلته.
وصلنا الى رصيف العبارة عند الظهر تقريباً. كان ثمة صف طويل من السيارات يزحف ببطء باتجاه العبارة التي كانت تأخذ حمولتها. تولى جمال قيادة السيارة لادخالها في الصف. الا ان السيارة ما لبثت ان تعطلت من جديد. توقف المحرك. حاول التشغيل بضع مرات كي يقلع لكن شيئاً لم يحصل. جمدت السيارة في مكانها. نظرت اليه. كان يحدق في الأفق البعيد أمامه. بدا كما لو كان موشكاً على البكاء.
مشكلة لحية السائق
قلت له: اذهب انت يا جمال، مع السلامة!
نظر إلي مندهشاً.
قلت: لحيتك أنت تثير قلقي أكثر من جهاز الأمن في طنجة، ستلفت الأنظار هنا. من الأفضل ان تنزل من السيارة وترحل بعيداً.
حقاً؟ سأل جمال. بدا منفرجاً، لكن ظلاً ما لبث أن عبر صفحة وجهه. هل أنت مصر على عدم اخذ العبارة المتجهة إلى سبتة؟
"نعم أنا مصر كل الإصرار"غمغمت بغضب."انقلع من هنا"!
بدا جمال كما لو كان موشكاً على أن يقول شيئاً لكنه لم يفعل، اكتفى بهز كتفيه. أخرج رزمة أوراق نقدية من جيبه وقدمها إليّ. كان ذلك ثمن تذاكر العبارة وكل الأشياء الأخرى. لم يكن حكيم قد وثق بي، مما أبقى المبلغ مع جمال كل الوقت.
قال: ليكن الله معك في طنجة يا أخ. ثم فتح باب السيارة ونزل. حين التفتّ بعد نحو ثانيتين كان قد اختفى تماماً.
بقيت جالساً في السيارة بضع دقائق وأشعلت سيجارة. لم يمض الا القليل من الوقت قبل ان يقترب شرطي من السيارة ويقول: يتعين عليك ان تحرك السيارة يا سيد. ثمة أناس في الصف يريدون ركوب العبارة وأنت تعوقهم. رفعت رأسي وابتسمت. قلت: أنا آسف. ولكن المحرك هالك. لا استطيع تحريك السيارة.
اذن علينا ان نقطرها.
الى العبارة؟ سألت.
لا الى محل اصلاح. لا بد لك من اصلاحها قبل ركوب السيارة.
ماذا لو دفعتها؟
رفع حاجبيه وراح يعاين السيارة. حين درت لأنظر اكتشفت مقصده. ان السيارة محشوة بالسجاد والبسط والعلب كانت ثقيلة جداً حتى كاد الهيكل يصل الى الأرض. تلفت حولي وحاولت الاهتداء الى طريقة تخرجني من الورطة. تقاطعت نظراتي مع نظرات مغربي واقف عند مدخل العبارة. كان في ملابس مدنية، إلا انه كان يقف مع آخرين اثنان منهم يحملان هاتفي ووكي توكي مثبتين على نطاقيهما. كان قد حرص على مراقبتي حين كنت أتحدث مع الشرطي.
نظرت الى ضابط الشرطة: اعطني دقيقة. سأحاول العثور على أشخاص يساعدونني في دفعها.
مشيت الى مجموعة الرجال الواقفين امام البوابة. كنت أعرف هذه النوعية من الزبائن، سبق لي ان رأيت كثيرين مثلهم خلال عيشي في المغرب. كانوا يتظاهرون بأنهم موظفو جمارك أو بحارة أو أي شيء آخر، غير أنهم لم يكونوا يفعلون شيئاً. كنت أعرف انهم كانوا خبراء فراسة، مدربين على الاهتداء الى الوجوه المثيرة للشك بين الحشود الصاعدة الى العبارة.
اقتربت منهم راسماً ابتسامة عريضة على وجهي وباسطاً ذراعي تعبيراً عن مدى كوني بلا حول ولا قوة. قلت بالفرنسية: أرجو ان تعذروني. أنا آسف جداً لازعاجكم. الا انني ذاهب لرؤية اهلي وسيارتي تعطلت. اشرت الى السيارة الواقفة في الصف. اشتريت السيارة ظناً مني انني استطيع بيعها في المغرب وكسب بعض المال. الا انني انفقت على اصلاحها مبالغ طائلة في الطريق من بروكسل الى هنا حتى افلست. لا أريد سوى ايصالها الى العبارة.، إن اخي سيستقبلني في الطرف الآخر ومعه قاطرة.
بدا الرجال متعاطفين. أدركت أنني اقنعتهم. منحتهم أعرض ابتساماتي. هل لي أن اطمع بمساعدتكم لي في دفع السيارة الى العبارة؟ تبادل الرجال النظرات، أحدهم هز كتفيه ودار نحوي قائلاً: لك ما تريد بالتأكيد.
رافقني ثلاثة منهم الى سيارة الأودي. تطلبت العملية جهداً كبيراً، غير أننا استطعنا آخر المطاف ان ندفع السيارة. وهي المحشوة بالمتفجرات، الرشاشات، الذخائر، والعملات المهربة المزورة. الى قلب العبارة. كنت أضحك بيني وبين نفسي كل الوقت. ما أكثر ما كانت الشرطة المغربية قد عذبتني لسنوات طويلة! ألم يكن من العدل ان تمد لي الآن يد المساعدة؟!
ما إن اصبحت السيارة على ظهر العبارة حتى صعدت الى قمرة الركاب. جلست ودخنت سيجارة، فيما كانت العبارة تبحر مبتعدة عن الرصيف. طلبت كأساً من الخمرة، كأساً آخر. كنت أعرف ان المكان كان زاخراً بعناصر الأمن السريين المكلفين مراقبة الجميع. أردت ان أثبت لهم أنني لم أكن أصولياً متطرفاً: لم أكن سوى رجل عادي عائد لزيارة أهله. غير أنني كنت ايضاً بحاجة الى كأس بالفعل.
بعد وصول العبارة الى رصيف طنجة، انتظرت خروج جميع السيارات الأخرى أولاً. لم تكن ثمة أي امكانية لتحريك الأودي واخراجها وحدي، فنظرت من حولي ورأيت مجموعة الرجال نفسها التي كانت ساعدتني في الجزيراس. ذهبت اليهم وسألتهم عما اذا كانوا مستعدين مرة أخرى لمساعدتي. كانوا أقل دفئاً هذه المرة، باتوا في المغرب، حيث كانوا يتمتعون بنفوذ حقيقي. غير أن احدهم اقترح العثور على بعض عمال الرصيف فساعدوني في دفع السيارة وانزالها عن ظهر القارب.
حين وصلت الى منطقة الجمارك صعقت. كان المكان مزدحماً بعناصر الشرطة. كانت الشرطة المغربية مسلحة ودائبة على تفتيش السيارات كلها. حتى السياح الأوروبيون الذين كانوا يبحرون عابرين كان يتم ايقافهم. كانت الشرطة تخرج كل شيء من السيارة، قطعة قطعة. رأيت شرطياً يطلب من سيدة بريطانية اخراج رضيعها من السيارة. بدأ الرضيع يزعق، إلا أن الشرطي لم يبال بالأمر، أمضى، أقله، خمس دقائق وهو ينكش مقعد الطفل ويفككه قبل اعادته الى الأم.
آنذاك لم أستوعب ما كان يحصل، إلا أنني ما لبثت ان جمعت أجزاء القصة. كانت الحكومة المغربية المعادية دوماً للتطرف الاسلامي، قد غدت أقسى في خريف 1994 حين كانت جماعة اسلامية متطرفة مرتبطة بالجبهة الاسلامية المسلحة اقدمت على قتل اثنين من السياح في أحد فنادق مراكش. والآن بعد عملية الاختطاف، كانت الحكومة في حال استنفار شديد. كانت شديدة القلق من احتمال تسرب الجماعة الاسلامية المسلحة وجماعات متطرفة أخرى الى المغرب. كانت الحكومة تفعل كل شيء ما تستطيع لقفل الحدود.
كان حكيم والآخرون ارسلوني الى قلب برميل البارود مع سيارة ملأى بالمتفجرات. كانوا يعرفون بدقة ما كان يحصل. الشخص الوحيد الذي لديه شيء من الاحساس بالذنب هو جمال الذي كان قد حاول ارسالي الى سبتة بدلاً من طنجة.
شعرت بالرهبة، ولم أكن اعرف ما استطيع فعله. لم تكن لي أي حماية هنا في المغرب، لم يكن جيل قادراً على فعل أي شيء اذا ما جرى اعتقالي. لو قلت للسلطات انني عميل لجهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي الدي جي اس إي لسارع جيل الى انكار ذلك. اذا اكتشف الأمن ما كنت احمله في السيارة سيعذبني لانتزاع أسماء الناس الذين كنت اعمل معهم، وكان الاحتمال الاقوى أنهم سيقتلونني بعد الحصول على المعلومات.
المغاربة اختبروني ب 100 درهم ... ثم "ساعدوني" في تهريب المتفجرات إلى بلادهم
تعين عليّ أن أفكر بسرعة. تذكرت الدور الذي كنت ألعبه: سائح عائد الى الوطن لزيارة الأهل. كان النهار موشكاً على نهايته، وسيارتي معطلة، وأنا مهدود من التعب، لم أكن اريد سوى الوصول الى طنجة ولقاء الأهل.
بدأت افكك جميع الاشياء واخرجها من السيارة لأضعها على الرصيف. البسط، السجاد، الأجهزة الالكترونية، العلب. بعد قليل اقترب مني موظف جمارك. كان يرتدي زياً رسمياً مزيناً ببعض شارات مهارة الرمي على الكتفين. من الواضح انه كان مسؤولاً رفيع المستوى.
سألني: ما الذي تفعل؟
أجبت: أحاول المساعدة. قدرت أن من شأن اخراج كل الاشياء من السيارة ان يسرع العملية. أنا الأخير في الصف، وأحتاج الى قطر السيارة بعد الخروج من هنا كي أتمكن من الوصول الى أهلي.
- وما الخلل في السيارة؟
نشرت ذراعي وأطلقت زفرة قوية تعبيراً عن الخيبة: انها هالكة. السيارة ميتة. اشتريتها في بلجيكا متوهماً انني قادر على بيعها هنا وكسب بعض المال، غير أنني أجهزت على كل ما معي من مال ثمناً لإصلاحها. ولست واثقاً حتى من قدرتي على اصلاحها بعد الآن. قد اضطر لبيعها خردة. مال الضابط علي وتكلم بصوت منخفض. قال: إذا كان معك أي شيء تريد اخفاءه. يا ولدي. يكفي ان تعطيني مئتي درهم فقط فاسمح لك بالمرور.
نظرت الى حدقتي عينيه. غريزياً ادركت ان هذا لم يكن الا اختباراً مع وجود حشد من ضباط الجمارك العاكفين على نكش كل شيء في السيارات من حولي. لم يكن ثمة أي احتمال لأن يكون هذا الزبون مستعداً لتمريري مقابل رشوة بسيطة. قررت ان اتابع في التمثيل.
قلت لك قبل قليل: لا أملك أي مال. وها أنت ذا تريدني ان ادفع المزيد لمجرد العبور، أليس كذلك؟ انس الموضوع! كنت قد قررت اصطناع الغضب بعد الآن. تابعت الكلام: أتدري ماذا؟ لماذا لا تأخذ السيارة؟ خذ كل شيء فيها. من شأن ذلك ان يحررني. من شأن ذلك ان يوفر عليّ قدراً هائلاً من الصداع.
أومأ المسؤول وابتعد عني. كنت قد مثلت دوري أفضل مما كان هو قد مثل دوره.
لم يكن الأمر قد انتهى بعد. مع ابتعاد المسؤول كانت جماعة قد اقتربت: عنصرا شرطة. جندي مسلح، وموظف جمارك بزي رسمي. كان ثمة رجل آخر بلباس مدني. كان أصغر سناً من الآخرين، وكان يحمل مطرقة ومفك براغ. تقدم نحوي وخاطبني: السلام عليكم! كان وجهي استثنائي الجدية.
عليكم السلام... أجبت.
ثم دار حول السيارة وفتح الغطاء. غمغمت تعبيراً عن الخيبة. سألت: هل هذا ضروري حقاً؟ كنت لا أزال أتظاهر بالغضب من السيارة، ومن التأخير. أشرت الى جميع الأغراض التي كنت قد أنزلتها من السيارة ونشرتها على الأسفلت. قلت: قمت بانزال كل شيء من السيارة تيسيراً لمعاينتكم. وعم تبحثون بعد كل هذا؟ رفع رأسه وقال: لماذا تسأل؟ هل لديك ما تخفيه؟
- وما الذي كنت سأخفيه؟
لا أدري... قال بابتسامة مصطنعة... أسلحة، ربما؟
تمام، رائع. دعك من هذا الكلام! ومن أكون أنا؟ جيمس بوند؟
رد غامزاً: لا بالطبع، أنت لست جيمس بوند. غير أنك قد تكون ارهابياً.
أطلقت ضحكة ساخرة: ليتني كنت ارهابياً! لست إلا أحمق خوزقه تاجر سيارات. في تلك اللحظة كان يعاين مصفاة الهواء، ناقراً اياها بمطرقته لفتحها. كنت حريصاً على ابعاده عن المحرك.
أرجوك يا أخي، اتق الله! السيارة معطلة أساساً. شكوت. ثم تابعت: بددت آلاف الدراهم على اصلاح ذلك المحرك وانت الآن تعطله أكثر؟ هيا حطمه لي.
رفع الموظف رأسه ونظر إلي ثم أعاد النظر الى المصفاة. نقرها بضع مرات أخرى لمجرد اثبات أنه لم يأبه بما قلته، وأنزل الغطاء. ثم جاء لينظر الى داخل السيارة. كان ثمة كتاب على المقعد الخلفي كنت عاكفاً على قراءته منذ بعض الوقت عن رأي المسلمين بما جاء في سفر الرؤيا. حمله وسألني: ما هذا؟
قلت انه كتاب. لم اكن قد تعمدت تركه على المقعد الخلفي، غير أنني لم اقلق كثيراً لأنني فعلت. أي ارهابي أبله كان سيسافر مصطحباً كتاباً عن الفكر الرؤيوي الاسلامي؟!
قلّبه وعاين غلافيه. كان يهز رأسه، وكانت تعابير وجهه بالغة الجدية. حدق في عينني وبدأ يقول: هل تصدق هذا كله يا أخ؟
همهمت: هل تمزح ما من أحد يصدق كل شيء يقرأه في الجرائد، أليس كذلك؟
ابتسم، رمى الكتاب الى السيارة، ولوح لي سامحاً لي بالتقدم الى المخرج قائلاً: انقلع من هنا!
نظر إلي ثم إلى السيارة من جديد. ثم راح ينظر الى كل حاجياتي المنشورة على الرصيف. لا بأس قال. بادر الى اعادة اشيائك الى السيارة، وهؤلاء الشباب سيساعدونك على اخراجها من البوابة. أشار الى أفراد الشرطة.
أجبته بابتسامة عريضة جداً.
ما أن انجز أفراد الشرطة مهمة دفع السيارة الى خارج البوابات وايقافها على قارعة الطريق، حتى هرعت الى الموظف الأول الذي كان قد طلب الرشوة. قلت: انظر يا أخي، أعرف انني لم اعطك شيئاً من قبل، ولكن هل لي ان التمس مساعدتك الآن؟ أحتاج الى شخص يراقب سيارتي عند ذهابي للبحث عن قاطرة. سأعطيك مئة درهم.
وافق الموظف وأعطيته نصف المبلغ سلفاً. ثم هرعت الى الشارع بعيداً عن الميناء فوجدتني أمام محل اصلاح سيارات. قلت لصاحب المحل انني بحاجة لقطر سيارتي وجرها الى المدينة. وافق الرجل وقفزت الى قمرة شاحنته التي أعادتنا معاً الى سيارة الأودي.
كان الموظف لا يزال واقفاً في مكانه. أعطيته الباقي وساعدني على ربط السيارة بالشاحنة.
لم استطع الا ان ابتسم بيني وبين نفسي ونحن في الطريق الى قلب طنجة. شعرت بالامتنان لكل هؤلاء الموظفين المغاربة الذين ساعدوني في تهريب كميات من المتفجرات والرشاشات والذخائر والأوراق النقدية المهربة والمزورة الى داخل المغرب في زحمة أعلى درجات التدابير الأمنية الممكنة.
كان حكيم أمرني بأن اتوجه مباشرة الى بيت مليكة، احدى بنات عمومتنا البعيدات، فور وصولي الى طنجة. كان قد رتب لي موضوع الاقامة معها. كان لديها جهاز فاكس وجهازا راديو سي بي، وجهاز تصوير وشريط فيديو كان يتعين علي ان أضعها في السيارة قبل تسليمها. في اليوم التالي اتصلت بياسين من جديد. أبلغني بأن الزبون كان سيصل في الثامنة من ذلك المساء، وطلب مني اختيار مكان للقاء. قلت له إنني سأكون أمام سينما باريس مدخناً باستمرار. كان الزبون يستطيع ان يتعرف عليّ بهذه الطريقة طريقة التدخين المتواصل. وبعد مداولات سلمته السيارة.
لكن أمين رفض تحويل أي مبلغ نقدي أعود به إلى بلجيكا بعد أن أفلست، فتأكد أن حاجته انقضت وأراد التخلص مني، فاتصلت بجيل الذي أمدنى بالنقود فوراً وعدت إلى بلجيكا مجدداً.
وبعد أيام من عودة الناصري أرادت الاستخبارات الفرنسية مخادعته بعد أن وثقت من قدراته، فدهمت منزل والدته الذي يقيم فيه عناصر الجماعة الإسلامية، لكنه بحدسه ? كما يقول ? أحس برائحة مكر، فخرج من البيت يومئذ باكراً، فكانت المداهمة، وتم القبض على قاطني المنزل، وظلت الشرطة تبحث عنه، لكنه لجأ إلى جهاز الاستخبارات المركزي ليثبت أنه جاسوس، ففوت بذلك الفرصة على جيل الذي أراد هو الآخر أن يتخلص منه عند انتهاء مهمة القبض على أعضاء الجماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.