إلى نوف طفلة السنوات السبع التي رحلت، ورغم الألم والأسى إلا أنني كتبت بقلبي لأقول بصدق: احبك أكثر من نفسي. نوف تسبح في أعماقي، أتنفسها كهوائي، وأتلذذ ببسمتها التي هي تاجي، أحنو عليها، فهي أعز أشيائي، ومعاناتها شلت تفكيري وأسكنتني الجحيم، وأناملها الصغيرة جمدت جسمي، وجعلتني أشعر بأنني بقايا إنسان فقط. ما يزيد ألمي أن هذا الزمن الموجع أرادها فريسة، وأنا لا أملك إلا الفرجة حتى التعابير البائسة أصبحت مسلوبة مني وغدوت لا أملكها. فكل ما عاد يربطني بنوف مجرد ذكريات. الدموع الحارقة لا تجيد نقل مشاعرنا، ولا تقلل من حدة مصابنا، بل إنها لا تكفي لتؤكد أن نوفاً هي كل حياتنا، وأننا بفقدها فقدنا أهم ما يبهجنا في حياتنا. والأحلام الكبيرة التي كنا نحلم بها لها تلاشت واندثرت، وفقدت الأمل في الوجود، وبقي لنا فقط حلم رؤيتها في منام! نتحسس أشياءها فيقتلنا الاشتياق، وتتطاير ضحكتها أمامنا ولا نكاد حتى نلمسها، فما بقي لنا إلا الفجيعة. القلب كتلة مشاعر وأحاسيس، ونوف أصبحت تحتل كل المشاعر والأحاسيس، وحتى الآهات المنزوعة من أعماقي كتبتها باسمها. فأصبحت حقاً لها، فلا آهة تخرج من الأعماق إلا لها. أسماء كثيرة في ذاكرتي لكنني لا أحفظ إلا اسمها، فهو محفور في ذاكرتي، وفكري أصبح محصوراً بها لا يتعداها. المريلة الرمادية الجميلة التي كنت ترتدينها عند ذهابك للمدرسة تناشدك لبسها، وإلا لمن ستكون بعدك؟! وكتاب القراءة اشتاق لك... والى تمتمتك وأنت تتهجين الحروف فتنطقين حرفاً صحيحاً وحرفين آخرين خطأ. والآن من سيتمتم وهو ينطق الحروف، ومن سيشخبط على الجدران ليكتب حرفاً أو يرسم صورة. نوف طفلة بسبع سنين، ولكنها طفلة لا تعرف الأنانية أبداً، لا تجيد حب التملك، فما كان عندها كان دوماً لغيرها، وهي لا تريد الأشياء لها وحدها، وتتوسل إليك أن يكون نصيب غيرها مثل نصيبها. إن البيت اشتاق لضجيجك وحركتك، حيث عم السكون أرجاء البيت، وأصبحنا نفتقد الآن بسمتك وحيويتك في كل ما حولنا. هذا أنا... بقايا إنسان فقد أهم ما يملك... فهل ستعوضني ثروات العالم كلها عن نوف؟