تجربة السجن أقسى ما يتعرض له الإنسان في حياته. قد يراها بعض المراهقين"نزهة"يمكن تجربتها، إلا ان من عاش دقائقها الصعبة يعرف معناها جيداً الى درجة تجعل المجرمين يهربون من السجن، بسبب قسوته والحياة الكئيبة التي تسود جدران عنابره وزنزاناته. كما ان التوبة تصبغ حياة من عرف حجم مأساته، وقرر الخروج منه وعدم العودة إليه مرة أخرى. وهنا يفتح بعض من خرجوا من السجن قلوبهم ل"الحياة"، ليتحدثوا عن جرائم ارتكبوها وكيف ساروا في"درب الشيطان"، وكذلك عن توبتهم وابتعادهم عن هذا الدرب، داعين الله ان"يثبتهم على التوبة ويرزقهم المغفرة كي لا يعودوا إليه ثانية". وهم لم يتوانوا عن توجيه نصائح إلى الشباب من خلال معاناتهم، وملخص رسالتهم"ان الاستقامة وعدم مخالفة القانون هي التي تبعدهم عن الخطأ الذي يقودهم إلى السجن". ومهما كانت صعوبة الحياة، إلا انها داخل السجن أصعب. وتنطبق هنا الحكمة القائلة:"العاقل من اتعظ بغيره". وهذه قصص سجناء خرجوا من تجربة لا تمحى من ذاكرتهم، وضعوها خلفهم بنظرة جديدة، وأمل جديد، آملين ان يقبلهم المجتمع، بعدما عقدوا العزم على التوبة. زكي : مرض والدتي أعادني إلى رشدي على رغم أنه لم يتخط عامه الخامس والعشرين بعدُ، فإن زكي دخل السجن مرتين، بسبب عدم المسؤولية واللا مبالاة. وهو يروي قصته والندم يعتصر قلبه:"في البداية كان الأمر مجرد طيش ولا مبالاة وعدم اهتمام بالحياة. كنت أقضي الليل والنهار في السهر والتسلية، ومع مرور الوقت على هذه الحال تطور الأمر إلى تعاطي المسكرات والإدمان، وبدأت العلاقة تسوء تدريجياً مع أهلي حتى قاطعني معظمهم. ومع اكتشافهم إدماني حرمت من المصروف، وأصبحت ادخل البيت وأخرج مثل الغريب". ويضيف"قبضت الشرطة عليّ مع مجموعة من أصدقائي، وبقينا في السجن نحو ستة أشهر، لم يسأل عني احد خلالها، سوى بعض الأصدقاء الذين كانوا يرافقونني، إضافة إلى بعض الأصحاب السابقين الذين كانوا ينصحونني بالتوبة". وتردد زكي على السجن أكثر من مرة، بسبب التهور تارة، والإصرار على الخطأ تارة أخرى، ويضيف"بعد خروجي الأول من السجن زادت حالة اللا مبالاة لديّ. وعلى رغم أنني عولجت من الإدمان، فإنني عدت إلى المسكرات، والتحقت برفقة سوء غير الذين كنت معهم، فزاد الشر الذي يسكنني، وأصبحت إذا ذهبت إلى أهلي لا اخرج قبل ان اعتدي عليهم بالكلام الجارح، وتحصل بيننا في بعض الأحيان اشتباكات بالأيدي". ويبدي زكي الحسرة والندم على ما فعله في تلك الفترة من حياته. ويقول:"لم أكن أعرف حينها أين ذهب عقلي، أو كيف كنت أتصرف من دون ان يحكمني ضميري؟". ويضيف:"كانت تمر علينا الليالي ونحن لا نعرف شيئاً عن العالم، لا نرى العالم سوى بعيون سكرنا والفوضى التي كنا نعيشها، وفي احدى الليالي كنا نسير فاقترح احدهم ان نشاكس احد المارة، وبدأ هو بمشاكسته حتى وصل الأمر إلى التشابك بالأيدي، فتدخلت ليس من أجل فك الاشتباك، وإنما من أجل الاعتداء على الرجل المسكين، وأوسعناه ضرباً حتى جاء مارة، وفضوا الاشتباك، واتصلوا بالشرطة التي جاءت وأخذتنا، واحتجزنا ستة أشهر أخرى". "مع تكرار دخولي السجن وابتعاد أهلي عني أو ابتعادي عنهم، أصبحت مجرماً كاملاً، لا يردعني شيء، وأقترف الجرائم حتى القتل، فلو تمكنت منه لما ترددت في ارتكابه، ولكن ربي رأف بحالي، ولم أفكر في ارتكاب هذا الجرم في ذلك الوقت، وإلا لقضيت حياتي داخل السجن، أو اقتص مني، ولم أعش الصلاح والهداية أبداً". وينصح زكي"كل من حاد عن الطريق السوي في حياته بأن يتأمل مستقبله بعين المسؤولية، وسيجد أنه يجني على مستقبله، وحياة كل من يحبه". ويضيف"خرجت في المرة الثانية نادماً، وحرك مرض والدتي الكثير في هذا الاتجاه، ولما سمعت بمرضها وأنا داخل السجن اشتقت إليها، وقررت ألا أدخل هذا السجن مرة أخرى، كما نصحني أحد الجنود بأن أراجع نفسي، لأن أمي تحتاج إليّ في أيامها العصيبة، بعد أن تقدمت بها السن، وحينها تحرك ضميري، وكان هذا شيئاً جديداً عليّ". مهدد بالعودة بسبب الديون . جعفر: أبحث عن ألف ريال لأدرأ عني ظلمة السجن لم يكن جعفر يتوقع يوماً أن ثقته"في أخيه"ستدخله السجن 4 أشهر ونصف الشهر، ولكن هذا ما حصل حين أوقف في إحدى نقاط التفتيش، ليخبره رجل الأمن أنه"مطلوب". وخلال توقيفه سأل عن السبب فجاءه الجواب:"أنت مدان، ويجب أن توقف من أجل التحقيق". وسبب المفاجأة أنه مطالب بدفع أكثر من 25 ألف ريال 6.6 آلاف دولار لشخص لا يعرفه، وتبين أنه حين كان في الصف الثالث المتوسط طلب منه أخوه وكالة عامة، من أجل استقدام عمال باسمه، ففتح مؤسسة وارتبطت قانوناً مع عدد من الأشخاص، ليفيق على صدمة أنه مدان بسبب"الوكيل العام"أخيه. أدخل جعفر السجن، وبقي فيه شهراً على ذمة القضية، وكان خلالها قلقاً للغاية، اذ طلب من أخيه المساعدة، ففوجئ ب"أنه يرفض مساعدتي على رغم مقدرته على ذلك، لا بل أنه سبب دخولي وراء القضبان، فرفع أبيّ استعطافاً، وجاءني عفو غير مسبوق بالنظر في حالتي، فأفرج عني". غير أن الشرطة استدعت جعفر مرة أخرى، و"أخبرني الضابط"ان شروط المساعدة لا تنطبق عليك، ولم أحصل على توضيحات، وأرجعت السجن من جديد، لأجلس فيه 3 شهور ونصف الشهر، ثم قام أبيّ وأخوتيّ بجمع مبلغ 10 آلاف ريال 2600 دولار، وسددت دفعة واحدة، فأطلق سراحيّ، وتم الاتفاق بأن أدفع 1000 ريال 266 دولاراً كل شهر، وفعلاً انتظمت قرابة 6 أشهر، لأنني كنت أعمل في إحدى الشركات الخاصة في مدينة الدمام". غير أن الحال لم يدم فقد كان جعفر يتقاضى 1400 ريال 373 دولاراً شهرياً من عمله، وبعد السداد يبقى لديه 400 ريال 106 دولارات فقط، بسبب الأقساط . ويضيف"كنت أعمل في شركة 9 ساعات يومياً، إلا ان الشركة جعلت الدوام على فترتين، وهذا أخل بميزانية المواصلات، التي أصبحت تستهلك 900 ريال 240 دولاراً ولا يبقى من الراتب سوى 500 ريال 133 دولاراً فقط، وباءت محاولاتي من أجل إقناع المسؤولين في عمليّ بالفشل، فقدمت استقالتي لتبدأ مأساة جديدة، تهددني بالرجوع إلى السجن مرة أخرى، خصوصاً أنني الآن لا أعمل، ومطلوب مني سداد 1000 ريال 267 دولاراً شهرياً، وأنا لا أريد العودة إلى السجن، ولكن ماذا أفعل". اعتدى على غريب وسلبه ماله . أمجد : ضاع عمري بسبب العنف ... والبطالة تأخر أمجد كثيراً حتى اكتشف ان"البطالة"كانت سبب دخوله السجن. لكنه وان تأخر، ادرك مكمن الخلل في سلوكه وعزم على تصحيحه، وبات بعدما خرج من السجن لا يخطط لما يعيده اليه ثانية، بل لمستقبله القريب. فهو ينوي إكمال دراسته وممارسة عمل حر يوفر له استقراراً، ويشغله عن"التفكير في العنف"، ويبعده عن"رفاق السوء". فتفكير أمجد تغير وكذلك نظرته الى الامور، ف"البطالة كانت تجعلتني أفكر في توافه الأمور، وأتحين الفرص للاعتداء على الآخرين، سواء أكانوا مخطئين أم لا، كنت أترقب ما يمكنه ان يؤمن ليّ تبريراً مقنعاً للضرب الاعتداء على الآخرين، ولو كنت أعمل لما وصلت إلى هذا السلوك الخاطئ، الذي دفعت ثمنه في السجن". وكلما تعمق أمجد في العمل يضحك على ما يصفه ب"غبائه"في المرحلة التي مضت،"أشعر بتأنيب الضمير، فقد قضيت شهوراً في السجن، بسبب خطأ اقترفته، لكن الحياة لن تتوقف وسأبدأ حياتي من جديد، وسأصلح ما فسد، وسأكون ناجحاً بإذن الله تعالى". كان التهور والتشنج يسيطران على أمجد وعلى بقية أصدقائه، عندما تربصوا برجل وأشبعوه ضرباً وسلبوه ماكان في حوزته من مال. وكان أمجد هو المحرك الأساسي"الدينمو"، الذي شجع زملاءه على ذلك. ويروي أمجد قصته، التي أودت به في النهاية إلى السجن"كنا مجموعة من الشبان المتهورين نبحث عن مال، فرأينا شخصاً من خارج البلدة اعتقدنا أنه جاء للتحرش بالفتيات، فضربناه ضرباً شديداً وأخذنا نقوده، وبعد مضي أيام ألقي القبض علينا، من خلال الأوصاف التي قدمها المجني عليه إلى الشرطة، ولأنني من قام بالضرب ثبتت عليّ القضية، ودخلت السجن، بينما أطلق سراح أصدقائي". تعلم أمجد في السجن دروساً عدة، أبرزها التوقف عن ممارسة أي عنف ف"العنف مرفوض في أي شكل من الأشكال، وكان لزاماً عليّ أن أخبر الشرطة بنوايا من ضربته، وإلا فليس من حقي أن أعالج الأمر بنفسي، والقانون يجب ان يسود على الجميع، وليس من حق أي شخص مخالفته". هذه المفردات او"الدروس"تعلمها أمجد في السجن"فهو مدرسة لمن أراد أن يتعلم، خصوصاً انه يجمع مختلف النفسيات، السوية منها والشاذة، وهو بيئة خصبة لدراسة النفسيات، وعايشت فيه عدداً منها واتضح لي أن صاحب النفسية التي تقضي محكومية كبيرة لا يحسب حساباً للوقت، لأنه سيصاب بإحباط شديد، بينما المحكومون بسنتين فما دون يفكرون في الوقت. في السجن تتغير الأمزجة بسرعة، فهناك من تراه يضحك، وفجأة يصمت، وبعد ساعة تقريباً يرجع تدريجاً، كنت أفكر في الخروج من السجن، فمدته باتت قريبة، وكنت من هذا النوع، فغالباً ما كنت أفكر في الخروج من السجن، وأعاهد نفسي على عدم العودة إلى مثل هذه السلوكيات التي حرمتني من تطوير قدراتيّ، وأدت بي إلى السجن". ويوجه أمجد نصيحة الى أصدقائه القدامى والشباب متمنياً إليهم ألا"يستهينوا بالدخول إلى السجن، وأن يزيحوا من عقولهم شعار السجن للرجال، فقد كنت في وهم كبير، وكنت أعتقد أن السجن مدرسة الرجال الأقوياء، وأقول لهم وإلى الشباب:"عيشوا حياة طبيعية من دون عنف ولا سرقة، ولا أي عمل شاذ يستوجب العقاب، فليس هناك أفضل من الحياة الطبيعية الفاعلة في المجتمع". جمال: قضىت 3 أشهر في السجن... كأنها 3 سنوات أثقلته الديون، وقاده طموحه إلى دخول السجن، فما كان منه إلا الصبر والتأني والثقة في الله، فهو قبع في السجن العام في محافظة القطيف ثلاثة أشهر، بسبب قارب طراد اشتراه من أجل العمل على متنه صياداً، إلا انه احترق بسبب عطل فني، ليحرق آمال صاحبه الذي لم يعد قادراً على إصلاحه، فتراكمت عليه الديون، مخلفة له عبئاً ثقيلاً، يواجهه في مقتبل شبابه. قضى جمال ثلاثة أشهر في السجن، تحولت في خياله إلى ثلاث سنوات، أكسبته"إحساساً بعبثية الوقت"الذي يفقد قيمته داخل السجن. يقول:"كنت أعمل في بيع الأسماك وشرائها، وعندما قررت التوسع اقترضت من بعض الأشخاص مبلغاً كبيراً لتشغيل المشروع، واشتريت قارباً مستعملاً في حال جيدة بلغ سعره 37 ألف ريال، لكن مشروعي فشل بعدما اشتعلت النار فيه، فاضطررت إلى الاقتراض من جديد، وسددت ما عليّ من ديون، ولكن بقيت الديون الجديدة، ولم يصبر الناس عليّ، فرفعوا ضدي دعوى في المحكمة التي حكمت بدفع المبالغ. لكنني لم أكن املك شيئاً، فسجنت في النهاية". وفي السجن اختلط جمال مع النزلاء الذين تتنوع قضاياهم، وشعر بارتياح إلى بعضهم، وسخط على بعضهم الآخر. يقول:"السجن مجتمع صغير، فيه الشريف الذي ليست له علاقة بالإجرام والسرقة أو قضايا أخلاقية، وفيه النوع الثاني. وستضطر إلى العيش مع السارق والمنحرف والقاتل". ويضيف"لم يكن السجناء يستفيدون من وقت الفراغ. وكان النزلاء يسمونني الحبوب، لابتسامتي الدائمة التي أوزعها على الجميع، غير أن بعضهم كان يسيء الأدب ويوزع الألفاظ النابية، كما تعرضت إلى الضرب من أحدهم". ويعتبر جمال السجن"مكاناً لمراجعة النفس، لمن أراد أن يصنع ذاته من جديد". ويضيف"رأيت شباناً كانوا منحرفين، لكنهم خرجوا من السجن مهتدين، بعدما قضوا نصف المدة، بسبب حفظهم القرآن الكريم. ومن يشعر بجريمته ويتوب عنها من حقه أن يعطى فرصة جديدة للاندماج في المجتمع من جديد".وعلى رغم أنه قضى في السجن وقتاً قصيراً، فإن جمال يشعر بأنه ضاع من عمره. ويعترف بأن التخطيط غير السليم هو الذي قاده إلى السجن، لكنه يؤكد"المستقبل واضح أمامي الآن". ويتذكر جمال القضبان الحديدية وأصدقاءه الذين دفعوا عنه الدين وخلصوه منها، ويقول:"لا أنسى الأصدقاء الأوفياء الذين وقفوا معي في هذه المحنة، وأنا الآن أعمل بجد ونشاط، كي أرد لهم أموالهم التي جمعوها". علي : سرقت أبي ... و لست نادماً دخل علي السجن بتهمة سرقة أبيه. وهو لا يبدي ندماً على ما فعله، وكذلك لا يعتبر نفسه"سارقاً"، على رغم أنه أخذ"المال خلسة"من والده. يعزو علي السبب الى أن"أبي الغني يبدد ماله على ملذاته خلال سفراته المتكررة إلى الخارج". لكن حجته كانت"ضعيفة"أمام اصرار والده على سجنه، وإنزال العقوبة عليه. كان علي يعيش في أسرة ميسورة، وهو حسن السيرة والسلوك، وبسبب رفضه"لما يفعله أبي وخوفي من ضياع أسرته، التي كانت تعاني من ذلك، وبذخه مالاً على ملذاته، دخلت مرة قبل سفر والدي إلى غرفة نومه، وأخذت مبلغاً جهزه من أجل إنفاقه في السفر". ويقول:"لم أعتبر نفسي سارقاً لأنني أخذت المال لأنفقه على والدتي وإخوتي، لكن والدي تقدم إلى الشرطة بشكوى ضدي، واتهمني بالسرقة". حاول علي أن يوضح للضابط الأسباب التي دفعته الى فعله و"اخباره بالحقيقة فتفهم وحاول مصالحتي مع أبي لكنه أصر على موقفه، وكان القانون في صفه، وكان يعتبرني سارقاً، ولم أستطع الاحتجاج". ولكن ضميره كان"مرتاحاً، فأنا لم أسرق، وكان أبي ينوي سجني، ليتخلص مني، ويفعل بعدها كل ما يريد، وكأننيّ خصماً له، ولست ابنه". لم يستطع علي التأقلم مع ظروف السجن،"لم أكن معتاداً على الجلوس مع المجرمين"، خصوصاً انه سمع فيه"عجباً". ويقول ان سجيناً بتهمة اخلاقية"بشعة"روى له قصته،"لكنني لم استطع ان استمعها بسبب هولها، فتركته". وعن السجناء يقول:"هم يهتمون بتوافه الأمور والثرثرة، وكنت أفضل الصمت وأنعزل عنهم، كما كنت أفضل البقاء مع السجناء المحكومين في قضايا مالية، فهؤلاء لم يكونوا مجرمين". ويذكر ان السجن يغرس في المرء"صفات لا يستطيع الفكاك منها، إلا بعد شهور من خروجه. هناك نتعلم الاعتماد على الذات، وننسى مساعدة الآخرين، والحاجة داخل السجن تعلم المرء الاختراع". ويطمح علي إلى بناء مشروعه الأسري، ليتحدى أباه، من خلال تأسيس أسرة، يكون فيها أباً عطوفاً على أولاده. وهو يفكر في إيجاد الوظيفة أولاً، والأسرة ثانياً، متعلماً درس الاعتماد على النفس. أحمد : أتمنى ألا أصنّف"صاحب سابقة" خاض أحمد تجربة"لم تكن في الحسبان"، فمزاجه الحاد وتهوره أديا به إلى ما وراء القضبان،"بعد رحلة جميلة اذ كنت عائداً من سورية، وفي منفذ الحديثة وقع سوء فهم بيني وبين مواطن آخر كان عائداً في حافلة أخرى، فتعاركنا داخل المركز المخصص لختم الجوازات، وضربته ضرباً مبرحاً، لأجد نفسي بعدها في الحجز، ثم نقلت إلى السجن لقضاء حكم صدر بحقي بثلاثة أشهر". بعد أسبوعين من بقائه داخل السجن تأقلم مع الوضع و"كنت اعتزل السجناء، وأفكر في وضعي، وكيف قمت بهذا العمل ضد الرجل، فالموقف لم يكن يستدعي كل هذا". بقي أحمد على هذه الحال أسبوعين، وخلالها حاول بعض"المجرمين"أن يتعرفوا عليه، وعرضوا عليه الصداقة بعد الخروج من السجن. ويعترف أحمد بأن شخصاً غير حياته"لم أكن أرغب في التعرف على الآخرين، لكنني تعرفت في المقابل على أشخاص عاهدوا أنفسهم على ألا يرجعوا إلى السجن أبداً، أو مجرد التفكير في الاعتداء على الآخرين، وتعرفت على شاب حدثني عن ضرورة عدم تكرار ما فعلته، ونصحني بأن أكون صالحاً وان أخدم المجتمع عندما أخرج". ويروي موقفاً صادفه داخل السجن، عندما كان أحد السجناء يريد بعض الفاكهة الإضافية، لأنه كان يتمرن كمال أجسام، ف"طلب مني حصتي من الأكل لكنني رفضت فتعاركنا وأعتقد العسكر أنني لم أستفد من درس السجن لكن بعد معرفتهم الحقيقة أنصفت منه، وكان هذا في آخر شهر ضمن محكوميتي". ويتمنى أحمد من المجتمع ألا يعتبره أحد"صاحب سابقة"، وان يتعامل معه الناس على أساس ان كل البشر يقعون في الخطأ. وهو الآن متزوج ورزق مولوده الأول. عودة أحمد الى الطريق القويم ب 5 سنوات خلف القضبان قضى أحمد خمسة سنوات في السجن، بسبب انحرافه الأخلاقي، لكنه اليوم نادم عليها أشد الندم، فالسجن "معطل أساسي لحياة الإنسان". وهناك كان يراجع نفسه وحياته، ويتساءل: "كيف انحرفت ومشيت في ركب الشيطان؟". وحين يتذكر الماضي تغمر الدموع عينيه. وهو يعاني من تذكر تلك الحادثة التي استحق بسببها دخول السجن. ويقول: "لا أستطيع تذكر كيف أقدمت على اغتصاب "صبي"، فقد كان يبكي، ولم أعرف لماذا لم يردعني ضميري عن ذلك العمل؟ فرحت أفرغ شهوتي بكل انحراف". ويكثر أحمد من التفكير في هذا الأمر، ويشعر أنه سيسبب له أزمة نفسية، "في أغلب الليالي أتذكر الحادثة، ولا أستطيع النوم إلا متقطعاً لساعات فقط". بيد أنه عند دخوله السجن كان يفتخر بعمله أمام بقية السجناء، كما يقول. ويضيف: "كان المجرمون يقدرونني، لكن بعدما قضيت ثلاث سنوات من أصل خمس سنوات هي مدة محكوميتي. أخذت أفكر ملياً في ما فعلت. وأصبح النوم صعباً، نتيجة مراجعتي. وبدأت أنعزل عن بقية السجناء الذين كانوا يعتبرونني أشجعهم، لأنني أجاهر وأفتخر بما عملت، وبذلك أصبحت سمعتي سيئة في بلدتي وفي القرى المجاورة لها. وبعد فترة راجعت نفسي، وبدأت أصلي بانتظام وفي الأوقات، ورحت أبتعد من السجناء المحكومين في قضايا أخلاقية، وحين كان أحدهم يسألني عن ذلك الانطواء، أجيبه أنني أرغب في التوبة، فكان يضحك من كلامي، ويشجعني على العودة إلى ما كنت عليه". وبعد عام من التفكير، اقترب موعد خروجه، ولاحظ مسؤولو السجن التغيير الذي طرأ عليه، وشجعوه على التوبة، وكانت السنة الخامسة من أجمل سنوات سجنه، كما يصفها. ويقول: "كنت في السجن ميتاً إلى أن عادت الحياة إلي من جديد، بسبب توبتي، التي أبتهل إلى الله ان تكون نصوحة لوجه". ويضيف: "كانت السنة الأخيرة بمثابة تعزيز للاستقامة التي أريد الحفاظ عليها حتى نهاية عمري، فأنا جربت طريق الحرام في أبشع صوره، والآن أجرب الهداية. ولا أطيق النظر أو التفكير في أي عمل يخالف الشرع والقانون مهما صغر". وتغيرت حياة أحمد كثيراً، فتزوج بامرأة صالحة، وشرح لها قضيته وتوبته، وأبدت استعدادها للقبول به، وأنجب منها ولداً، ويقسم أنه سيربيه على طريق الإيمان. ويقول:" أعطاني الله الطفل ليختبرني كيف أنشئه ولداً صالحاً لا تلوثه الشهوات، كما لوثت أباه. وأقسمت أنا وأمه على أن نربيه ونوفر له سبل السعادة، ليكون عنصراً يفيد المجتمع". ويبدي احمد قلقه من نظرة الناس إليه على رغم أنه تائب. ويقول: "لا يرحم كثيرون السجين، فينظرون له نظرات مليئة بالريبة، حتى وهو في المسجد يؤدي الصلاة، باعتباره منحرفاً سابقاً". ويضيف: "في إحدى المرات كنت في المسجد، وكان أمامي شاب، وكان خاله يهمس في أذنه بعد أن رآه واقفاً معي لدقائق، ويأمره بعدم الوقوف معي". بيد أنه يقول: "لا أستطيع أن أقول إن الخال كان مخطئاً، ولكن أقول إن الأيام ستثبت له أنني تبت".