انتشرت في الآونة الأخيرة محلات التصوير النسائي بشكل لافت، وهذا الانتشار دعمه بعض بنات حواء، لما يجدنه في الصور من إشباع لنرجسيتهن المفرطة، خصوصاً إن كانت الصور تخفي كثيراً من العيوب الشكلية، وتعمل على إظهارهن كجميلات ألف ليلة وليلة الخيالية. العائد الربحي الذي تجنيه "استوديوهات" التصوير النسائي خيالي مقارنة بمثيلاتها المتخصصة في التصوير الرجالي، وربما أن ذلك يعود إلى أن النساء لا يبالين في دفع الثمن مهما بلغ، حتى لو لم يتناسب مع المقابل. لم تسع مريم الفرحة عندما عرضت عليها والدتها مرافقتها إلى استوديو ...، خصوصاً أنها تعلم كم هي كلفة المغامرة في زيارة هذا المحل، وذلك لما يقوم به من تحويل الفتاة من عادية إلى شبيهة بالتحفة الفنية. دفعت أم مريم 1500 ريال تكاليف المكياج لوجهها من دون تصوير، وعندما نظرت إلى ملامحها صرخت غاضبة وطالبت باسترجاع ما دفعته. قام الجميع لتهدئتها، وقالت المسؤولة: "نعيد ما دفعتيه من دون إحداث فوضى". أما مريم كانت هادئة لرضاها بشكلها، مما دفعها إلى تصوير أكثر من صورة وصلت قيمتها إلى 2500 ريال. تقول أم مريم: "لم أكن أتخيل المبالغة في تكلفة الصور"، على حين أن مريم كانت تطمح إلى ما هو أجمل مما تم التقاطه. من دون غيرة تختلف "أفراح محمد" عن سابقتها، حيث تقول: "مكافأتي الجامعية تذهب لاستويوهات التصوير النسائي، ولا يزعجني أكثر من أن المصورة تقوم على إقناعي بطريقة مخجلة بما يستنزفني مادياً"، لذلك لم تشعر أفراح بالرغبة في التصوير، على رغم ما تشاهده من صور صديقاتها، وتضيف: "أنا مقتنعة بشكلي، حتى أني لا أتأثر بما تعرضه زميلاتي عليّ من صور". وسعاد العتيبي 30 عاماً ما زالت تستخدم كاميرا التصوير القديمة، وليس لديها رغبة بزيارة محلات التصوير النسائي. أفضل مصورة مشاعل العتيبي تتمنى أن تصبح مصورة فوتوغرافية، فهي تحب التصوير، وتعتبره هواية بالنسبة إليها. وتقول: "لا أعرف أين أتعلم فن التصوير، وحاولت كثيراً، لكني لم أجد مكاناً يعلمني ما أهواه إلا بمبالغ طائلة، وأتمنى أن يسمح لي أحد الاستوديوهات النسائية بمزاولة هوايت ي لديه، وتعلم فن التصوير تحت إشراف أخريات". مشاعل شابة طموحة، لكن ظروفها المادية لم تساعدها في تحقيق حلمها، حتى الكاميرا الرقمية لا تستطيع دفع ثمنها، في حين أن الأجنبيات يتعلمن التصوير في معاهد أكاديمية متخصصة، وهذا ما يجعلها تخشى الفشل. تجربة سعودية المسؤولون في أحد محلات التصوير يؤكدون أن لديهم رغبة في استقطاب مصورات سعوديات، إلا أن الرواتب العالية تمنعهم من تحقيق ذلك، حيث إن متوسط ما يتم دفعه للمصورات الأجنبيات بين 800 و900 ريال، كما أنهن يتمتعن بكفاءة عالية، خصوصاً في إخفاء العيوب عن طريق إدخال الصورة في الكومبيوتر. ديانا ومارلين والعروس ديانا تخرجت في أحدى جامعات الفيلبين، وتخصصت في التصوير الفوتوغرافي، وهي الآن تعمل مصورة في أحد استوديوهات الرياض منذ أربعة أعوام، وتقول: "الأسلوب الراقي الذي يتعامل به معي الآخرون يجبرني على البقاء فترة أطول في السعودية"، وتشاركها الرأي مبرمجة الكومبيوتر مارلين: "أنا مصورة ومبرمجة في الوقت نفسه، وتعديل الصورة ورسم خطوطها الفنية سهل جداً بالنسبة إليَّ، حيث استطيع إخفاء العيوب بكل يسر". ومن أطرف المواقف التي واجهت مارلين وديانا، أن عروساً طلبت منهما تصوير حفلة زواجها، وبعد التصوير حضرت إلى الاستوديو في الغد لاستلام صورها، وكانت غاضبة، ورفضت استلام صورها، وبادرت بتمزيق الصور، وقالت: "طلقني زوجي، ولا أريد أن أدفع قيمة التصوير، وخرجت غير مبالية بالموقف المحرج مع صاحبة المحل، فاحترنا كيف نتصرف إزاء ذلك؟". الهدف مادي الانتشار الهائل لمحلات التصوير النسائية في مدن السعودية الرئيسة، الرياضوجدة والدمام وغيرها، أصبح ظاهراً للجميع، وهذا الأمر لا مشكلة فيه، ونسبة عالية من الأسر السعودية تنظر إلى هذه المحلات نظرة إيجابية، إذ تتفق الطواقم النسائية الكاملة لهذه "الاستوديوهات" مع خصوصية المرأة السعودية التي يحافظ عليها المجتمع والمستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، لكن الغريب أن التحقيق الذي أجريناه في "الحياة"، كشف لنا أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه المحلات مادي بالدرجة الأولى، وبمعنى آخر هي عملية تجارية لا أكثر، همها الربح المادي الوفير كحال غالبية المشاريع التجارية، ونأخذ على سبيل المثال السيدة التي دفعت 600 ريال فقط لعمل المكياج قبل التصوير! ثم تضاف تكاليف التصوير ليرتفع الرقم ليجاور 2000 ريال وكذلك الأخرى التي أعجبت بصورتها الأولى فطلبت من الموظفة إعادة التقاط صور عدة لها ومن زوايا أخرى ، أو في أماكن مختلفة من الاستوديو حتى وصلت فاتورة الصور إلى 2500 ريال! هل يعقل أن ندفع هذه المبالغ ثمناً لصور تذكارية ؟ وأين دور الجهات المختصة في الرقابة على الأسعار؟ وهل تخضع هذه المحلات لمشروع السعودة وإحلال الفتيات الوطنيات بدلاً من الوافدات؟ المسؤولون عن هذه الاستوديوهات ما زالوا يتعللون بنقص الكفاءات السعودية من البنات القادرات على تأدية هذه الأعمال! وفي المقابل يرفضون تعليم وتدريب أي فتاة ترغب في دخول هذا المجال! في الختام لا نعارض افتتاح أي مشروع تجاري، بل على العكس، فهذه المشاريع لها مردود طيب على الاقتصاد الوطني، ولكن لا نريد أن يستغل ديننا وعاداتنا وتقاليدنا لتنفيذ الخطط التجارية، من خلال التسويق للأمور المادية والدنيوية.