يجلس كل من علاء ومحمد وحسن إلى طاولة أمام عدسة كاميرا رقمية، فيما يقف فادي خلفها، وبمجرد أن يومئ الأخير بيده يباشرون بتمثيل مشهد حواري ساخر يحاكي برنامج"الاتجاه المعاكس"الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، إلا أن هديراً مفاجئاً لمقاتلة حربية تحلق في المنطقة يجبرهم جميعاً على التوقف والبحث عن ملجأ خشية القصف. الأسماء المذكورة لا تعود لخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أو لفنانين هواة يبحثون عن فرصة تفتح لهم أبواب الشهرة وتقودهم إلى عالم النجومية، بل هي أسماء مستعارة لمقاتلين في"الجيش السوري الحر"، استغلوا استراحة بين معركة وأخرى في حي"طريق السد"بمدينة درعا لإنتاج مسلسل يهدف إلى"إخراج الناس من الروتين اليومي الذي نعيش فيه منذ فترة"، بحسب وسيم مسالمة 32 سنة، أحد المشاركين الأساسيين في العمل وكاتب معظم حلقاته. يحمل المسلسل عنوان"بقعة ضوء حورانية"وشهد إنتاج تسع حلقات حتى الآن، تم بثها جميعها عبر قناة خاصة به على موقع"يوتيوب"، كما بثت قناة"18 آذار"بعض لوحات العمل الذي يحاكي في عنوانه مسلسل"بقعة ضوء"الكوميدي الذائع الصيت، إذ تم استخدام الموسيقى التصويرية ذاتها وأغنية الشارة ذاتها أيضاً والتي غنتها الفنانة السورية ديمة أورشو. يوضح مسالمة، وهو خريج كلية الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق ومنشق عن جيش النظام السوري منذ بدايات صيف العام الماضي، أن للمسلسل هدفاً آخر أيضاً يتمثل في"وضع الناس بصورة الأوضاع العامة والأحداث التي نعيشها". امكانات متواضعة أنجز المقاتلون الفنانون حلقات مسلسلهم الناقد والساخر بإمكانات غاية في التواضع وبمدد زمنية مختلفة تبعاً للظروف، استهلوها مطلع رمضان بلوحة تقارب انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بعنوان"أنت فين والليرة فين"لتوجه الحلقات التالية سهام سخريتها ونقدها اللاذع إلى أفعال النظام السوري وأجهزته الأمنية وحتى إلى بعض تصرفات الثوار وإلى الحاضنة الاجتماعية للثورة وللمجتمع الدولي. يشير مسالمة، وهو من أبرز الناشطين الإعلاميين في مدينة درعا، إلى أن فريق العمل الذي يصل إلى عشرة أشخاص، يواجه عدداً من المصاعب أهمها"قلة المعدات وغياب الخبرة في عملية المونتاج وهو ما أدى إلى تأخير عرض بعض الحلقات"، مضيفاً أن عمليات التصوير حالياً متوقفة بسبب"بعض الإصابات"بين المقاتلين الفنانين، بالإضافة إلى"ارتباط عدد من المشاركين بالمسلسل بالمعارك الحالية بأحياء المدينة". لا نعرف الأسماء الحقيقية للممثلين والفنيين المشاركين في إنجاز العمل، هكذا تتالى على الشارة أسماء حركية يستخدمها الناشطون والمقاتلون، فالتصوير يتكفل به أبو الغيث وأبو قصي وعمليات المونتاج يجريها أبو حسن وأبو جنين وأبو السيم سويدان والإشراف العام لأبي وليام، فيما تتداخل المهمات بين هؤلاء جميعاً، فالمصور في حلقة هو ممثل في أخرى، ومونتير الحلقة الثالثة مثلاً قد يتحول إلى مصور في الحلقة السابعة، أما نصوص الحلقات ففي معظمها من أفكار وسيم مسالمة بالإضافة إلى لوحتين لأمل خليلي. أتاحت الحلقات أن نسمع اللهجة المحلية المحكية في مدينة درعا والتي كانت بطلة في العمل هي أيضاً، بدلاً من أن تكون موضوعاً للسخرية، كما درجت العادة في مسلسلات كوميدية سورية كانت تعمد إلى استغلال اللهجات المحلية واستخدامها بشكل تهريجي كوسيلة وحيدة لإضحاك المشاهد. يؤكد مسالمة أن حلقات مسلسله حصلت على متابعة جيدة من الأهالي في محافظة درعا على رغم التواتر الكبير في انقطاع الكهرباء وغياب خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في المحافظة، مشيراً إلى أن صفحة المسلسل على موقع"فايسبوك"تتلقى رسائل تستفسر عن سبب التأخير ببث حلقات جديدة. ويلفت الناشط الإعلامي إلى أن المسلسل مستمر، ولن يكون مجرد حدث رمضاني على رغم أن انطلاقته تصادفت مع بدايات الشهر الفضيل، إلا أن استئناف التصوير مؤجل إلى حين، نتيجة اشتداد حدة المعارك حالياً وبخاصة في أحياء"درعا المحطة"، مع تواصل القصف المدفعي والصاروخي وغارات مقاتلات الميغ.