بموافقة الملك... منح 200 متبرع ومتبرعة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    «الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    أفغانستان: 46 قتيلاً في قصف باكستاني لمخابئ مسلحين    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    %91 غير مصابين بالقلق    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برشلونة الساحرة والغامضة ... مسرح الروايات البوليسية القاتمة
نشر في الحياة يوم 27 - 03 - 2013

تجلو صورة برشلونة على وجهين. فهي تجمع، من جهة، كاتدرائية"لا سغرادا فاميليا"، وشارع رامبلاس السياحي ومتنزّه غويلّ، وسوق لا بوكيريا، ومتحف دالي، وقبعات التاباس، إلى الازقة المظلمة في بارّيو غوتيكو ورافال حيث يتجاور تجار المخدرات والمومسات أمام الابنية المتهاوية، حيث تتكدس الأسر الاجنبية المهاجرة التي لفظها البؤس في مسقط رأسها الى اسبانيا، أو الأسر المحلية التي اصابتها الازمة الاسبانية. برشلونة هي صاحبة الوجهين واللسانين والثقافتين. وبعيداً من سياحة الجموع، تبدو أجواء المدينة قاتمة. فهي عاصمة الروايات البوليسية السوداء بامتياز، وفق قول باكو كامارازا، الناقد الأدبي، مؤسس مكتبة"نيغرا ي كريمينل"المتخصصة بهذا النوع الادبي. وتشهد هذه المدينة حوادث غريبة، وتنزل فيها شخصيات مثيرة للفضول، منها عدد كبير من الادباء، ودُور النشر المهمة.
صيت برشلونة وثيق الصلة بتاريخ اسبانيا. ففي منتصف الخمسينات من القرن العشرين، في العهد الذهبي لنظام فرانكو الديكتاتوري، بادر رافيايل تازيس، الكاتب والسياسي القومي الميول، الى نشر ثلاثية روائية"سوداء"كتبها باللغة الكاتالونية ولم تترجم الى الفرنسية. وهي أول حلقة من سلسلة الرواية البوليسية القاتمة الكاتالونية، وفاتحتها. وكان تازيس على يقين بأن المدينة الماثلة على صورتين، يسعها التحول مدينة أدبية كما هي باريس بلزاك ولندن ديكنز."برشلونة احتضنت اكبر عدد من الثورات والاعتصامات العامة، وقطّعت أوصالها المتاريس وحُرقت فيها الكنائس، وكانت مسرح الاغتيالات الأناركية الفوضوية والانتفاضات وأعمال القمع"، كما يقول. ومن رحم هذه المدينة المضطربة، ولد نوع روائي خاص، جذوره ضاربة في الواقعية والنقد الاجتماعي. وبعد تازيس، حمل مانويل دو بدرولو لواء الرواية البوليسية، ونشر سلسلة قصص سوداء في الستينات. وانتخب دو بدرولو شأن تازيس، الكاتالونية لغة الكتابة في وقت كان فرانكو يحظّر النطق بها وتداولها. وانتسب الكاتبان الى ادباء اميركيين من امثال داشيل هاميت ورايموند شالر وجيم تومبسون... وسار خلفاؤهما على خطى ادباء فرنسيين، من امثال جان ? باتريك مانشيت أو جان ? كلود إيزو.
التاريخ خلّف بصماته في روايات برشلونة البوليسية وأثراً بالغاً، يقول ألكس مارتن إسكريبا، استاذ الادب ومدير"كريمس. كات"، مجموعة روايات سوداء كاتالونية تنشرها دار"أل ريفيس"الطرية العود التي طبعت أخيراً، رواية فيكتور دل أربول"حزن الساموراي"صدرت ترجمتها الفرنسية عن"أكت سود". و"تواريخ ثلاثة منعطفات في اسبانيا تطبع الرواية السوداء بصبغتها، وهي عهد فرانكو والمرحلة الانتقالية الى الديموقراطية وتنظيم الالعاب الاولمبية في 1992". فهذه التواريخ المفصلية التي قطعت مع ما قبلها هي نسيج الرواية البوليسية البرشلونية. وفي"تخريب أولمبي"لصاحبها كريستيان بيورغوا الصادرة في 1995، تلقى برشلونة حتفها:"هي شُيّدت وظهرها لصيق بالبحر، فأُغرقت وابتلعها البحر لتستقبل الالعاب الاولمبية، لكنها بقيت مختلفة عن المناطق الاخرى في اسبانيا. ووحدها الرواية السوداء في مقدورها تصوير برشلونة على ما هي". ومع الالعاب الاولمبية، بدا ان برشلونة ولجت عصراً جديداً. وبدأ كتّاب الرواية البوليسية السوداء ينقلون أصداء تبديد الالعاب هذه، السحر في أوساط اهلها. فالمدينة مهددة بفقدان الهوية إذ تلهث وراء قاطرة الإعمار، وتُدمر مكامن غوايتها وفتنتها الساحرة. ولا يخفي غونزاليس ليديسما انفعاله وهو يلاحظ ان قراء روايته كان يسعهم قبل الالعاب الاولمبية السير على خطى ابطاله والتعرف إلى الشوارع التي يصفها. ولكن"اليوم اندثرت هذه الشوارع والطرق ولم يبق أثر لها".
وكتّاب مثل مانويل فازكيز مونتالبان وفرانسيسكو غونزاليس ليديسما وأندرو مارتين وإدواردو موندوز وأليسيا جيمينيز باتليت، حذوا حذو رافايل تازيس ومانويل بيدرولو، وصبغوا الرواية البوليسية البرشلونية بالطابع الكاتالوني قبيل موت فرانكو وبعده في 1975. وفي"وشم مونتالبان"لصاحبه كريستيان بورجوا 1990 و"مرويات عاطفية مخضبة بالأحمر"لصاحبها ليديسما 1998، برز المحقق بيبي كارفالهو والمفتش ريكاردو مانديز. وجعل الكاتبان مدينتيهما شخصية بارزة في رواياتهما. ف"برشلونة هي غيتو حارة"، يقول ليديسما شارحاً. كانت مدينة صناعية كبيرة في القرن العشرين، ولم يخبُ نبض الحركة المطلبية والاحتجاجية فيها خلال القرن الواحد والعشرين."هي مدينة متطرفة ومرفأ وقاطبة البغاء والتجارة على انواعها السوداء والشرعية. وهي تشتمل على عناصر تواتي الرواية البوليسية"، تقول كريستينا فالاراس، اول سيدة تحوز جائزة"بريميو داشيل هاميت 2012"، عن افضل رواية سوداء بالإسبانية عنوانها"فتاتان صغيرتان"."برشلونة هي قبلة جميع الأدباء... وليس ادباء الرواية البوليسية فحسب". فهم يتجولون فيها ويصفونها ويعيدون ابتكارها نافخين فيها حيوات خيالية اخرى"، تقول آنيك لابوانت، الكندية المقيمة في المدينة منذ اكثر من عشرين سنة، ومديرة سلسلة"سيري ينغرا"في دار"أر بي أ"، وهي الأبرز في اسبانيا.
وقد تكون وراء غلبة النوع الأسود على الرواية البرشلونية مهنة الكتّاب. فهم إما صحافيون وإما شرطيون سابقون. فاللون الاسود هو من بنات المدينة والكتاب على حد سواء. ويغرد كارلوس زانون، وهو شاعر ومحام سابق وصاحب روايتين بوليسيتين مميزتين، خارج السرب. فهو لم ينتخب المدينة مسرح رواياته إثر وقوعه في هواها."برشلونة هي شخصية رواياتي الرئيسة. ولا يعود الفضل الى صفاتها. هي المدينة التي صودف انني اعيش فيها، وليس حبي لها وراء انتخابها مسرح الرواية"، يقول زانون بصوت خافت في رواق مشاة صغير، فيه مكتبة"نيغرا ي كريمينل"وسط حي لا بارشيلونيتا.
وبرز اخيراً جيل جديد من الادباء"استولى"على الرواية البوليسية ووضع اليد عليها، من رموزه فيكتور ديل أربول وتوني هيل وكارلوس زانون ومارك باستور وتيريزا سولانا وكريستينا فالاراس، وآرو ساينز دي لا مازا. وأبناء الجيل هذا في عقدهم الرابع، عايشوا ختام مرحلة الديكتاتورية وانبعاث الديموقراطية. وهم يلتزمون الإرث النقدي الاجتماعي والسياسي الخاص بالروايات البوليسية البرشلونية. لكن نظرتهم الى هذه المدينة مختلفة عن نظرة اساتذتهم الادباء، فبرشلونة بريشتهم متنوعة. وهم يتناولون ماضيها الفوضوي والحرب الاهلية والفرانكي وحاضرها ما بعد الالعاب الاولمبية حين تحولت مدينة سياحية. ويرى توني هيل، وقد صدرت روايته الاولى"صيف الالعاب الجامدة"في 2011 وكانت الاكثر مبيعاً، أن برشلونة مدينة غريبة. فهي متوسطية لكنها تفتقر الى العفوية والارتجال. والمجتمع الكاتالوني مغلق ولا يميل الى الاختلاط الاجتماعي، والاندماج فيه عسير على الآتي من خارجه.
ولسان معظم الكتّاب الجدد في اعمالهم هو القشتالية. ولكن، ثمة ادباء آخرون يكتبون بالكاتالونية من امثال مارك باستور. والى وقت قريب، كانت ثنائية اللسان البرشلوني مصدر قوة المدينة والمنطقة. واليوم، وعلى وقع الازمة التي ألمّت بإسبانيا، يطعن كثر بالازدواجية هذه، ويؤججون المشاعر القومية. فعلى سبيل المثل، هاجمت افتتاحية"ال بريوديكو"البرشلونية الصادرة بالكاتالونية والاسبانية كتّاباً من امثال فيكتور ديل اربول واليشيا جيمينز باتليت، وطعنت في توسلهم اللغة القشتالية على رغم تحدرهم من كاتالونيا و"اندماجهم"في المجتمع الأوسع."لا يحق لأي كان ان يملي عليّ من أكون، استناداً الى اللغة التي اتوسلها للتعبير"، رد فيكتور ديل اربول.
* مراسل، عن"لوموند"ملحق لوموند دي ليفر الفرنسية، 22/3/2013، اعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.