"له أربعون رواية وعشرات الدواوين وخمسون بحثاً وعدد لا يحصى من المقالات. تشمل أعماله الأدبية الشعر وعلم الاجتماع والأبحاث المختلفة والكتابات السياسية التي تتناول الحاضر والماضي. كتب مسرحيات عدّة وله مقالات متنوّعة في منشورات إسبانية وأجنبية على السواء". هكذا تعرّف صحيفة "البايس" الاسبانية الكاتب مانويل فاسكيز مونتالبان الذي يزور بيروت ويلقي محاضرة غداً الأربعاء بدعوة من مركز سرفانتس الثقافي. ومونتالبان من أشهر الكتاب الإسبان المعاصرين وأحد أكبر روّاد "الرواية السوداء" الأوروبية. ولد عام 1935 في برشلونة وذاق مرارة السجن أيام "فرانكو"، فصنع بعد إطلاق سراحه في السبعينات شخصية "بيبي كارفالو" ضمّنها بعضاً من هواجسه الشخصية ونظرته إلى الحياة في رواية "قتلت كينيدي أو ذكريات حارس شخصيّ" 1972. وحصد بفضل الرواية شهرةً نال بفضلها إعجاب الجميع وافتتح بها سلسلة "كارفالو" البوليسية. وربط مونتالبان رواياته المتعاقبة بغزارة قلّ نظيرها بحنكة، فشاء لها بطلاً واحداً هو "كارفالو" ذاته، ذلك التحري الفيلسوف والمتشكّك، الناقد والذوّاقة الذي لا يدخّر جهداً في الكشف عن نقاب الأحداث الغامضة وفكّ رموزها وملاحقة مجرميها. وسمحت له هذه الشخصية بوصف اسبانيا بعد موت فرانكو عام 1975 في قالب روائيّ ساحر يشاطر به العلن، وهي مهمة فتحت لليساريّ المناهض هذا آفاق التألّق ومكّنته من نقد المجتمع الاسباني، مركزاً على برشلونة موطنه الزاخر بالحياة، المقلّد لأميركا والغارق في البؤس وذكريات الحرب والفوضى والقمع. وكرّت سبحة روايات "كارفالو" على مدى عشرين عاماً من "الوشم" 1974 إلى "وحدة المدير" 1977، إلى "بحار الجنوب" 1979، إلى "جريمة في اللجنة المركزية" 1981 إلى "طيور بانكوك" إلى "وردة الاسكندرية" 1984 وغيرها من الروايات. وقد تخطى عددها الأربعين وأدى نجاحها الباهر إلى ترجمتها إلى لغات عدّة أبرزها الفرنسية والانكليزية والايطالية. و"بيبي كارفالو" شخصية حيّة تتفاعل مع الزمن والمحيط، يفعل فيها الدهر فعله بمعظم البشر، فنراه يمرّ بمراحل زمنية ثلاث: مرحلة الغموض الأساسية حول التقدّم التاريخيّ الذي شهدته اسبانيا في السنوات الثلاثين المنصرمة، ومرحلة التقدّم الزمنيّ الذي يصيب البطل بأعراض صحية مختلفة، ومرحلة الفقر المدقع في "رجل حياتي" 2000 حيث نراه كاسف البال مناضلاً بعزم للحفاظ على نمط حياة لائق وقد اشتعل رأسه شيباً وبلغ مرحلة التقاعد. ولعلّ أفجع ما يصيب التحري من مآس، حزنه العميق على تغيّر ملامح "برشلونة"، مسقط رأسه الحبيبة، التي شوّهها بريق الألعاب الاولمبية الزائف والتحرّر الاقتصادي واجتاحتها ثقافة ال"يوبي" المتفشية بفعل العولمة. وتحلّ مكان النبرة اللاذعة والمفرحة التي عهدناها في روايات مونتالبان الأولى نبرة صحو ومرارة وحسّ مناضل لرجل بلغ الخريف من عمره، تحزّ في نفسه أمور عدّة، إلا أنّه لا يتوانى عن استعادة قواه في نهاية المطاف: "إنّنا نقبل كلّ شيء .... مات ماركس. مات الانسان. ماتت مارلين ديتريتش. حتى أنا لست على ما يرام. بتنا نسمح بكلّ شيء! فقدت الدول سيادتها. وباتت الشركات الكبرى وصناديق المال والأسعار المحدّدة وجنود اليانكي تتحكّم بنا. لم يبقَ لنا إلا سيادة الجلادين. ولكن عندما يريد قاض أجنبيّ محاكمة جلادينا، فلتتوقّف هنا السيادة الوطنية!". خماسية بوينس آيرس. وعلى رغم أنّ لمونتالبان أعمالاً أخرى من بينها كتابات بحثية أبرزها كتاب "برشلونة" 1990 الذي ترجم مؤخراً إلى الفرنسية في منشورات "سوي"، إذ طغت شخصية التحري "بيبي" على مسيرته المهنية فبات اسمه مقروناً بهذه الشخصية التي منّت عليه بالجائزة الفرنسية للأدب البوليسيّ عام 1981 وفتحت له باب العالمية على مصراعيها عندما صوّرت مغامرات كارفالو في سلسلة تلفزيونية تعرض على الشاشة الاسبانية عام 1995 ثم في انتاج مشترك إسباني- فرنسيّ - إيطاليّ على قناة آرتي ARTE.