يعتقد بعضهم أن الدول النفطية مقبلة على كارثة بسبب زيادة كبيرة في إنتاج دول خارج"أوبك"، خصوصاً في أميركا الشمالية، فيما ينخفض الطلب على النفط في أوروبا وأميركا، وستتمثل الكارثة في انهيار أسعار النفط من جهة، وانخفاض الصادرات من جهة أخرى. ويرون أن زيادة الإنتاج في أميركا الشمالية واستغناء الولاياتالمتحدة عن واردات النفط من الخليج لن يؤثر في دول الخليج لأنها ستبيع النفط إلى الصين وبقية الدول الآسيوية. هذا الرأي يتناقض مع المنطق لأن انخفاض واردات الولاياتالمتحدة من دول أخرى، خاصة نيجيريا والجزائر، يعني أيضاً أن هذه الدول ستنافس دول الخليج في آسيا، ويعني أيضاً أن كندا ستنافس دول الخليج في آسيا. وبفرض صحة رأي هؤلاء، فإن تركيز أسواق النفط الخليجي في آسيا خطر، لأن العاقل لا يضع البيض كله في سلة واحدة، والأزمة المالية الآسيوية التي كانت السبب الرئيس في انهيار أسواق النفط عامي 1998 و1999 ما زالت في الأذهان. هناك أدلة كثيرة على عدم صحة التوقعات القائلة بانخفاض الأسعار، إلا أن إن مجرد التفكير في الوضع الذي يمكن أن تؤول إليه دول الخليج في حال انهيار الأسعار وانخفاض صادرات النفط يوضح مدى خطورة الوضع في هذه الدول، الأمر الذي يتطلب تغييرات جادة قبل فوات الأوان. وعلينا أن نتذكر أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي حالياً تغير تماماً عما كان عليه في منتصف الثمانينات أو عامي 1998 و1999 عندما انهارت أسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل. وقد يختلف الخبراء حول الحلول، لكنهم يتفقون على أن الثقافة السائدة حالياً يجب أن تتغير، وأن أنظمة التعليم يجب أن تكون أكثر صرامة وجدية، فيركَّز على النوع بدلاً من الكم. وبغض النظر عما إذا انخفضت أسعار النفط أم لا، لا بد من حل جذري في دول الخليج لمنع حصول أزمة. يحتج القائلون بانهيار أسعار النفط بزيادة إنتاج أميركا الشمالية والعراق، والبعض يضيف ليبيا، ثم زيادة الإنتاج في البرازيل. إلا أن هذه التوقعات فيها بعض المبالغات التي لا يمكن قبولها. هم يفترضون، مثلاً، أن إنتاج كندا سيزداد بمقدار ثلاثة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، وهذا أقرب إلى المستحيل لأسباب فنية ومالية. ويفترضون أن كل النفط الكندي سيباع في الولاياتالمتحدة، وهذا رأي لا تدعمه الأدلة الحالية والتي تشير إلى بناء أنابيب من ألبرتا إلى سواحل ولاية بريتيش كولومبيا الكندية، وهذا يعني أن بعض النفط الكندي سيباع في الأسواق الآسيوية. ويفترضون أن إنتاج النفط العراقي سيتضاعف بحلول 2020، وهذا أمر لا تدعمه البيانات التاريخية. فالأدلة التقنية والاقتصادية تشير إلى أن إنتاج العراق لن يتجاوز خمسة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، وذلك على أحسن تقدير. واحتمال أن ينتج العراق أربعة ملايين برميل يومياً في ذلك الوقت أكبر بكثير. أما بالنسبة لإنتاج ليبيا والسودان واليمن وسورية، فالتقارير القائلة بانهيار أسعار النفط تعتمد على ما تعلنه هذه الحكومات، وتفترض حلاً سريعاً في كل من السودان واليمن وسورية. لكن نظرة عاجلة إلى تاريخ الدول التي عانت تغيرات كبيرة، تبين أن إنتاج هذه الدول سيكون متقطعاً، وقد يتوقف أحياناً. في ظل هذا التوقف والتقطع، ليس منطقياً توقع أي نمو في إنتاج هذه الدول، أو عودة إنتاجها بالكامل. ويفترض من يقول بانهيار الأسعار أن استهلاك النفط في كل من أوروبا والولاياتالمتحدة سيستمر بالهبوط في شكل يتناسب مع الهبوط الذي شهدته هذه الدول في السنوات الأخيرة، وهذا رأي غير مقبول. فالطلب على النفط في أوروبا سيزيد بمجرد خروج الدول الأوروبية من أزمتها المالية الحالية. أما الهبوط في الطلب الأميركي فبلغ أدنى ما يمكن أن يصل إليه في ظل الظروف الاقتصادية والتكنولوجيا المتوافرة، وليس هناك سبب يسوغ استمراره في الهبوط. وبتجاهل من يقول بانهيار أسعار النفط دور نوعية النفوط في أسواق النفط فأميركا الشمالية في شكل عام ستعاني نقصاً في النفوط المتوسطة النوعية والثقيلة. وتتجاهل هذه التقارير قدرة السعودية على خفض الإنتاج بكميات كبيرة في حال انخفاض الأسعار. وكان أحد التقارير أورد كل الأدلة التي تشير إلى انهيار أسعار النفط في شكل كبير عامي 2013 و2014. واختُتم التقرير بالجملة التالية:"الأسعار ستنخفض إلا إذا خفضت السعودية الإنتاج"! الحقيقة أن زيادة الإنتاج في أميركا الشمالية يقابلها هبوط كبير في الإنتاج في دول العالم الأخرى، فيما تعاني دول نفطية كثيرة مشاكل سياسية. وليس هناك أي مشاريع لتوسيع الطاقة الإنتاجية في شكل ملحوظ في دول"أوبك"إلا في العراق، وحتى هذا سيكون محدوداً. أضف إلى ذلك أن ثبات الطاقة الإنتاجية في غالبية دول"أوبك"يعزز احتمال تراجع الصادرات النفطية مع الوقت بسبب زيادة الاستهلاك المحلي والعجز في الكهرباء. ويُلاحظ أن السعر الذي تطلبه دول"أوبك"لتلافي أزمات على أراضيها يزداد باستمرار، أصبح حالياً بين 80 و90 دولاراً للبرميل. وهذا يعني أن انخفاض الأسعار إلى أقل من هذه المستويات، سيجعل هذه الدول تخفض الإنتاج لرفع الأسعار. وهكذا فإن أسعار النفط ستراوح حول المستويات الحالية، ولن تنهار كما يتوقع. * اقتصادي في شركة"إن جي بي"الأميركية