(يقال بأن تصريحاته من الممكن أن تؤثر في الأسواق النفطية) هكذا فضّل أحد مذيعي القنوات الفضائية افتتاح النقاش مع ضيفنا في حوارٍ سابق، يعدّ من أفضل خبراء الأسواق النفطية في أمريكا الشمالية. الدكتور أنس الحجي الذي يشغل حالياً منصب كبير الاقتصاديين في شركة (إن جي بي إنيرجي كابيتال منجمنت) في دالاس بالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تدير أكثر من 13 مليار دولار كاستثمارات في النفط والغاز، عمل سابقا في العديد من الجامعات المرتبطة بصناعة النفط والغاز كجامعتي أوكلاهوما وكولورادو للمناجم، كما درّس في جامعة أوهايو الشمالية حيث شغل كرسي جورج باتن للأعمال، وعمل مستشارا للعديد من الحكومات والشركات العالمية، هو ضيفنا في هذا الحوار المتغيرات في الخارطة النفطية العالمية * تمر الخارطة النفطية العالمية بعددٍ من المتغيرات .. إلى أين تقود هذه المتغيرات، أو ما الملامح للخارطة النفطية العالمية الجديدة إن صح التعبير؟ - هناك ثلاثة عوامل تعد من أهم المتغيرات والتي غيرت خارطة العالم النفطية وهي الثورة النفطية والغازية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وانخفاض استهلاك النفط في أوروبا وأمريكا، كذلك انخفاض أو توقف الإنتاج في دول الربيع العربي، وقد نتج عن ذلك تغيرات كبيرة في اتجاهات التجارة الدولية في تجارة النفط والغاز، كما يتوقع أن تترسخ هذه الاتجاهات في السنوات القادمة. كما نتج عن ثورة النفط والغاز في الولاياتالمتحدة قلب كل الاتجاهات بشكلٍ معاكس، حيث تحول انخفاض إنتاج النفط والغاز إلى زيادة، في الوقت الذي انخفض فيه استهلاك النفط، وتحولت الزيادة المستمرة في واردات النفط والغاز إلى انخفاض وهو الأمر الذي أدّى إلى تحوّل الولاياتالمتحدةالأمريكية لأكبر مصدر للمنتجات النفطية في العالم، وأصبحت مصدرا صافيا للغازات المسالة بعد أن كانت مستوردة لها، وقريبا ستبدأ بتصدير الغاز المسال، فقد بدأت المنتجات النفطية والسوائل الغازية الأمريكية تأخذ من الحصص السوقية لدول عريقة في هذا المجال فلو نظرنا إلى المستقبل فإنه من المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات إلا إذا قررت الحكومة الأمريكية رفع الحظر عن صادرات النفط الخام، وفي هذه الحالة فإن صادرات الولاياتالمتحدة من المنتجات النفطية ستنخفض بينما سترتفع صادراتها من النفط الخفيف. «النفط الكندي» المهدّد الأول «لحصص الدول الخليجية» في أسواق آسيا أما انخفاض أو توقف إنتاج النفط في دول الربيع العربي فقد أسهم في إبقاء أسعار النفط مرتفعة، الأمر الذي ساعد صناعة النفط الأمريكية على النمو ، كما أسهم أيضاً في تغيير اتجاهات التجارة العالمية، ولكن بشكل يتناسق تماما مع انخفاض واردات الولاياتالمتحدة من النفط، وعلى الرغم من أن النفط الأمريكي الخام ممنوع من التصدير، إلا أن الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الخفيف أسهمت بشكل غير مباشر في التعويض عن الانخفاض الكبير في إنتاج النفط الليبي والذي هو من النوع الخفيف أيضا، فقد نتج عن الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي، والذي هو من النوع الخفيف كما ذكرت، انخفاض ضخم في واردات الولاياتالمتحدة من النوعية نفسها والتي تأتي من أنغولا والجزائر ونيجيريا وهذا يعني أن هذه البلاد الثلاثة تحتاج إلى أسواق جديدة ؛ لتسويق نفوطها الخفيفة وكما يقول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، قامت هذه الدول بالتعويض عن الانخفاض في الانتاج الليبي والذي هو من نفس النوعية، وبالتالي يمكن القول بأن زيادة الإنتاج الأمريكي عوضت بشكل غير مباشر عن انخفاض إنتاج النفط الليبي. د.أنس الحجي أثناء حديثه ل»الرياض» الطلب على النفط لن ينمو إلى الأبد *قبل سنوات .. كانت تتوقع منظمة أوبك ومؤسسات أخرى استمرار نمو الطلب على النفط في أوروبا والولاياتالمتحدة ولكن المؤشرات تدل على عكس ذلك، ما الحلول المطروحة أمام الأوبك باعتقادك ؟ وكيف يمكن أن تجابه هذه المتغيرات؟ - قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتذكر أمراً مهماً وهو أن ليبيا والعراق وإيران وفنزويلا كلها من دول أوبك وتعاني – في نفس الوقت - من مصاعب ومصائب جمة، الأمر الذي يجعل الحديث عن أوبك كمجموعة صعبا للغاية، ونتيجة لهذا الصعوبات التي أدت إلى انخفاض الانتاج من جهة، وانخفاض الإنتاج المتوقع من جهة أخرى على المديين المتوسط والطويل بسبب توقف أو انخفاض الاستثمارات فإن انخفاض الاستهلاك يقابله أيضا انخفاض كبير في الإنتاج، بشكل عام وبفرضية عدم وجود المشاكل في البلاد المذكورة آنفا فإن انخفاض استهلاك النفط في أوروبا والولاياتالمتحدة كان مفاجئا وليس مناسباً حتى مع أفضل التوقعات ، ويمكن لأوبك أن تتعامل مع هذه القضية بشكل عملي حيث يتم تقليل النمو في المعروض عن طريق تخفيض الاستثمارات المستقبلية في طاقتها الإنتاجية في الوقت الذي يتم فيها مساعدة دول الاقتصاديات الناشئة على توسيع قاعدتها الاقتصادية لاستهلاك المزيد من النفط ، وفي الحقيقة فإن انخفاض استهلاك النفط في هذه الدول الصناعية هو درس للجميع بأن الطلب على النفط لن ينمو إلى الأبد. تأثير الثورة النفطية في الولاياتالمتحدة *ما أثر الثورة النفطية في الولاياتالمتحدة على دول أوبك عموما ودول الخليج خصوصا لا سيما أنكم ذكرتم أن دولاً افريقية تبحث عن أسواق لنفوطها في أوروبا وآسيا ؟ - ليس هناك أثرٌ مباشر للثورة النفطية في الولاياتالمتحدة على الحصة السوقية لنفط دول الخليج وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية سواء أكان ذلك بداخل الولاياتالمتحدة أم خارجها وذلك بسبب اختلاف النوعية حيث أن الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي هي من النوع الخفيف والخفيف جدا بينما واردات الولاياتالمتحدة من الخليج هي من النوع المتوسط والثقيل نوعا ما، إلا أن الانخفاض الكبير في واردات النفط الأمريكية من كل من أنغولا والجزائر ونيجيريا سيشكل مشكلة كبيرة لمنظمة الأوبك مستقبلا وقد يسهم في عدم استقرارها خاصة إذا عاد الانتاج الليبي إلى ما كان عليه قبل الثورة، وهنا لابد من التركيز على أمرين مهمين الأول أن ما يهدد أسواق النفط الخليجي، خاصة في آسيا ليس الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي ولكن الزيادة في إنتاج النفط الكندي، وذلك لأن نوعية الزيادة في النفط الأمريكي تختلف عن النفط الخليجي بينما هناك تشابه في النوعية بين النفط الخليجي والكندي، الأمر الآخر هو أن أثر ثورة النفط والغاز على دول الخليج غير مباشر ويتمثل في زيادة حدة المنافسة في المنتجات النفطية والسوائل الغازية والبتروكيماويات، والمشكلة هنا أن ثورة النفط والغاز الأمريكية تهدد كل الخيارات الاستراتيجية لدول الخليج، التركيز على التكرير، وزيادة إنتاج السوائل الغازية، خاصة أنها لا تخضع لحصص أوبك الإنتاجية، والتركيز على البتروكيماويات، لذلك يمكن القول بأن ما يهدد النفط الخليجي هو النفط الكندي وليس الأمريكي، فالعبرة ليست في تكاليف الاستخراج، ولكن في سعر النفط الذي تحتاجه دول الخليج لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي فيها ، وأن الزيادة المستمرة في إنتاج النفط والغاز بالولاياتالمتحدة تهدد الصناعات الاستراتيجية في الخليج وهي التكرير وإنتاج المكثفات والبتروكيماويات. "المرض الهولندي" لا ينطبق على دول الخليج * (الاقتصاد الريعي) أبرز سمات اقتصادات الدول الخليجية، هل تعتقد بأنها مصابة بأعراض المرض الهولندي؟ وهل لديها توجه حقيقي – برأيك – في تنويع قاعدتها الاقتصادية ؛ لتقليل الاعتماد على النفط ؟ - لا ينطبق "المرض الهولندي" على دول الخليج ، فنحن إن استخدمنا المفهوم نفسه فإن دول الخليج حالة خاصة وأسوأ بكثير من المرض الهولندي ويمكن تسمية مشاكلها ب "المرض الخليجي"، ولعل أهم الأسباب التي لا ينطبق فيها المرض الهولندي على الدول الخليجية هو ربط العملات الخليجية بالدولار كما في السعودية والإمارات أو بسلة من العملات كما في الكويت، فكل ما نشاهده من تنويع للدخل في دول الخليج هو تنويع اسمي حيث تصنف كل الصناعات الكثيفة الطاقة على أنها صناعة، ولكنها كلها في الحقيقة جزء من قطاع النفط، بطريقة أو بأخرى، وفي ظل الأوضاع المتردية للتعليم في دول الخليج فإنه يصعب القيام بتنويع حقيقي للدخل . * هل تعتقد بأن العوامل الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط تخضع لإرادات اقتصادية دولية – إن جاز التعبير – ؛ لبقاء الأسعار فوق مستوى المائة دولار ؟ - لا، ليس هناك أي أدلة على ذلك، فالمتتبع لأسعار النفط خلال السنوات الأخيرة يستنتج أن أساسيات السوق والتي تتضمن قدرة السعودية على التحكم في أسواق النفط عن طريق تخفيض الإنتاج أو رفعه، وهو السبب الرئيس. * على المستوى العراقي تحديداً .. كيف تقرأ مستقبل الإنتاج النفطي هناك في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة ؟ وما آثارها على القطاع النفطي ؟ - كنا في شركة إن جي بي قد قمنا بدراسة تفصيلية في عام 2009 م لكل حقول العراق النفطية، وقمنا بالنظر إلى كل الظروف الجيولوجية واللوجستية والمالية والاقتصادية والقانونية والبنية التحتية واستنتجنا أن ما تقوله الحكومة العراقية – وقتها - عن زيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل في عام 2017 م هو ضرب من الخيال، وأن ما يمكن إنتاجه هو 4.9 ملايين برميل فقط (أربعة ملايين وتسعمائة ألف)، ورغم تخفيض الحكومة العراقية توقعاتها إلى 8 ملايين برميل يوميا وتخفيض وكالة الطاقة الدولية وغيرها هذه التوقعات إلى ستة ملايين برميل يوميا، إلا أننا نرى الآن أن أقصى ما يمكن أن ينتجه العراق، بما في ذلك كردستان هو 4 ملايين برميل يوميا فقط، مع وجود توقعات بحدوث انخفاض أكبر من الزيادة. وتيرة الإنتاج وتقادم الزمن *العالم يفقد 3 ملايين برميل نفط سنوياً ؛ لاستمرار وتيرة الإنتاج وتقادم الزمن .. أين أنت من هذه المقولة ؟ - هذا أمر طبيعي، تزامناً مع الزيادة في الطلب على النفط، حيث يستوجب زيادة الإنتاج للتعويض عنه وعن الزيادة في الطلب في الوقت نفسه وهذا الأمر يتطلب استثمارات هائلة. * باعتقادكم .. إذا استمر إنتاج النفط الأمريكي بالزيادة، ماذا سيحدث في أسواق النفط الأمريكية في ظل قانون منع تصدير النفط الخام الأمريكي؟ وهل ستقوم الحكومة بإلغاء قانون منع صادرات النفط الخام ؟ - كما تعلمون فإن المشكلة تتمثل في أمر معين وهو أن كل الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي هي من النوع الخفيف والخفيف جدا، وهذه الزيادة لا تتناسب مع تركيبة المصافي الحالية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مشكلة مستقبلية، وفي الوقت نفسه هناك معارضة قوية جدا في مجلس الشيوخ لرفع الحظر عن صادرات النفط الخام، ولكن الصناعة لن تنتظر الحكومة أو مجلس الشيوخ، فقامت بحلول عملية لتفادي الأزمة، كما أنها تفكر جديا بحلول أكبر لتفادي الأزمة كلها، حيث قامت المصافي بزيادة نسبة التشغيل وزادت صادراتها من المنتجات النفطية بأكثر من أربعة أضعاف في السنوات الخمس الماضية، كما قامت أيضاً بتحويل النفط الخام إلى مصافيها في كندا وأوروبا وهو أمر لا يخضع للحظر، بالإضافة إلى إعادة تصدير نفط خام مستورد سابقا وهذا لا يخضع للحظر أيضاً، وتبين أن لديها – أي المصافي - مرونة كبيرة عما كان متوقعا في التحول من تكرير النفوط الأثقل إلى النفط الأخف. أما بالنسبة للمستقبل فإن هناك عدة حلول يمكن تبنيها تجنبا لمعركة سياسية في مجلس الشيوخ منها تغيير تعريف النفط الخام بحيث لا يشمل المكثفات وبذلك يتم تصديرها دون مخالفة القانون، كذلك تمرير المكثفات على المصافي ؛ لتثبيتها بشكل يسمح بتصديرها على أنها منتجات نفطية وليست خاما، وتصدير المكثفات من جنوب تكساس إلى كندا لخلطها مع الرمال القارية، بالإضافة إلى تصدير النفط الخام إلى المكسيك في ظل اتفاقية نافتا ، وأخيرا إلغاء قانون جونز القاضي بأن التجارة البحرية بين الولايات في أمريكا يجب أن تقوم بها سفن أمريكية، فإذا تم السماح للسفن الأجنبية بنقل النفط بين الولايات، فإنه يمكن تصدير النفط من خليج المكسيك إلى نيويورك وكاليفورنيا.