يرصد عدد من المتتبعين للشأن السياسي والطلابي في المغرب تحولات عدة تتمثل في اكتساح التيارات الأصولية للجامعات، لا سيما جماعة"العدل والإحسان"المتشددة المحظورة ومنظمة"التجديد الطلابي"التابعة لحركة"التوحيد والإصلاح"وهو الجناح الدعوي التابع ل"حزب العدالة والتنمية"الحاكم. ووجدت هذه التنظيمات في الجامعة أرضية خصبة لنشر أفكارها بعدما كان الفضاء الجامعي في الماضي معقلاً رئيسياً للتيارات اليسارية في المغرب. فإذا نقرت مثلاً على الموقع الرسمي ل"الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"وجدت أن الإسلاميين هم المحرك الوحيد للمنظمة الطلابية، كما تطالعك مفاجآت من قبيل إرجاع الاعتبار إلى المسجد كمطلب من مطالب الطلبة، مقابل غياب تام لأي نقاش فكري أو حتى أكاديمي. وصار الموقع اقرب الى الساحة الدعوية، فبحسب القائمين عليه أخطر ما يتعرض له الطالب المغربي اليوم هو"الهجوم الكاسح لتيار الميوعة الأخلاقية الذي يستهدف الطالب في دينه وخلقه ومروءته". ويستعيد الدكتور رشيد الادريسى شذرات من تاريخ الحركة الطلابية في المغرب فيقول:"بعدما كانت الجامعة المغربية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وحتى قبلهما فضاء للنقاش الديموقراطي، وكانت الحركة الطلابية منجماًَ ومختبراً لإنتاج النخب السياسية المتشبعة بالفكر التقدمي ضمن كل الحركات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب المعاصر، فأعطت بذلك تضحيات كبرى من معتقلين ومنفيين وحتى شهداء، جاءت التسعينات مع تراجع المد اليساري في العالم وبروز فصائل قوى الاسلام السياسي التي برز معها العنف والاقصاء". ويتابع الادريسي قائلاً:"اصبحت الجامعات المغربية مكاناً لتصفية الحسابات السياسية بين الفصائل الطلابية ومسّت أحد اعمدة النضال الطلابي المغربي ومكتسباته وهي الاستقلالية السياسية والتنظيمية للحركة الطلابية عن الاطار السياسي خارج أسوار الجامعة. فالعنف والاقصاء ورفض الآخر اعطيت لها مسوغات فكرية وايديولوجية لتبريرها". وتصادمت جبهتان تدعو الأولى الى ضرورة إعمال ما يسمّى في الأدبيات اليسارية ب "العنف الثوري"ضد"القوى الرجعية"ويقصد بها بالطبع القوى الاسلامية، فيما وقف عند الضفة الأخرى من يبرر العنف الديني بدعوى الجهاد ضد الافكار الكافرة وأصحابها المرتدين. ودخل مريدو الطرفين في صراع مرير ودموي أحياناً كثيرة حول شرعية تمثيل الاطار الطلابي الطارئ على الحرم الجامعي فيما تمسك الوافدون الجدد بانتمائهم الأول. ولكن في خضم هذا الصراع الايديولوجي، يرى الادريسي ان النقاش الفكري كان قائماً وكانت التجاذبات الايديولوجية حافزاً للقراءة والتكوين الطلابي على رغم وجود ممارسات العنف والاقصاء. ويقول:"معظم الانتفاضات الكبرى التي عرفها المغرب بدأت بتأطير مباشر من الطلبة والتلاميذ سواء في الثمانينات ام في بداية التسعينات، لكن مع المصالحات والتوافقات السياسية التي عرفها المغرب انعكست على الجامعة وفقدت بعض الفصائل الطلابية التابعة للاحزاب بريقها خصوصاً وان قياداتها شاركت في حكومة توافقية بشروط غير مقبولة ديموقراطياً ولا ترضي الطموح الطلابي بطبيعة الحال". وهنا دخلت الحركة الطلابية التي راحت تنعى كبرى انجازاتها التاريخية في متاهة الخطابة الشعارتية الجذابة التي لبست قناع المعارضة الجديدة ففقد اليسار معقله الطلابي وفتح المجال للإسلاميين بأنواعهم من"التوحيد والاصلاح"الى"العدل والاحسان"وغيرهم. ويرى كثيرون احتمال أن يعيد التاريخ نفسه. فمع افتقاد تيار"التوحيد والاصلاح"بريقه وشعبيته وبفقدان"العدالة والتنمية"السند الشعبي على اثر تراكم الاخطاء السياسية وضعف المردوية امام كبر المطامح والامنيات، سيعاد فتح المجال امام المتطرفين من اليساريين والاسلاميين على السواء ما قد يعيد مظاهر العبث والفوضى والعنف التي ستجد لها جمهوراً لا محالة لا سيما أن الجامعة باتت لا تخرّج سوى العاطلين من العمل والمحبطين الذين لا يملكون أفقاً سياسياً أو مهنياً. ويقول الباحث مراد سليماني أن الجامعة المغربية تعيش مفارقات كثيرة، فقد أثبتت الأجوبة التي قدمتها المكونات الطلابية محدوديتها وفشلت خيارات الاقصاء والعنف في إيجاد بديل، مضيفاً ان المدخل هو هيكلة العمل من القاعدة إلى القمة وفرض الوحدة النقابية في إطار ممثل شرعي ووحيد للطلبة، يناضل من أجل فرض الحل الشامل لهياكل التقسيم التي بنتها الحركات الإسلاموية وانفردت بها جماعة"العدل والإحسان"بعد ذلك. وأكد سليماني أن التيارات الطلابية الديموقراطية ترفض هياكل التقسيم التي فرضتها جماعة"العدل والإحسان"وتعتبرها غير شرعية ولامشروعة، ويتجسد هذا الموقف في مقاطعتها لها. هذا ولم يفلح الفصيل الطلابي الجديد"المنتدى الوطني للطلبة"التابع ل"حزب"الاصالة والمعاصرة"المعارض والذي تأسس في 2008 من قبل صديق العاهل المغربي فؤاد علي الهمة، في إرجاع الحوار والنضال إلى الجامعة، بعد الفراغ الذي شهدته على أثر سيطرة فصائل اسلاموية وراديكالية على الاتحاد الوطني الذي يعيش عزلة تامة منذ ذلك الحين.