غرسُ المرء أنيابه في شطيرة همبرغر هل هو من بنات الرغبة أو صنو الانحطاط والخضوع للإمبراطورية الأميركية والصدوع بالاستتباع؟ وهل السندويتش هذا هو"أيقونة الحرية، أو كبد الامتثال وعينه؟ هذه الأسئلة وغيرها هي شاغل جوش أوزرسكي في كتابه"الهمبرغر. تاريخ اجتماعي للولايات المتحدة"دار بوشي - شاستيل، 2013. وقضية الهمبرغر ملحّة في باريس، حيث تتكاثر المطاعم الصغيرة التي تقدم شريحة اللحم والخبز المشبع بالمرق، كما هي الحال على ضفة الأطلسي الأميركية. وموقف أوزرسكي، وهو مؤرخ ومدون إلكتروني، إزاء قضية الهمبرغر، ملتبس وغامض. وربما النهم وراء هذا الغموض. وهو يطيل الكلام على تاريخ هذا الرمز البارز ومصائره، وعلى البوليميا الشَّرَه المرضي الأميركية. ولا يستخف بالتأريخ للأطباق الغذائية التي يرتقي بعضها إلى رمز وطني. ف"الروست - بيف اللحم المشوي وفطيرة التفاح يقارعان فكر كارل ماركس"، على قول عالم الاجتماع الألماني، ورنر سومبرت 1863 - 1941، وهو صاحب الكتاب الذائع الصيت"لماذا لم تبلغ الاشتراكية الولاياتالمتحدة؟". ولكن، ليس هذان الطبقان أميركيين من غير منازع كما هي حال الهمبرغر. وثمة إجماع على أن"وصفة"الهمبرغر لا تُضاهى ولا تُحسّن أو تطوّر. فهي بقيت صامدة على ما هي، ولفظت التحولات في رحلتها في معظم دول العالم. فهي بمثابة المحطة الأخيرة في الطهو، كما يقول أوزرسكي. ف"أينما حط المرء رحاله، تبقَى الهمبرغر قطعة لحم مهروسة تُقدم بين رغيفي خبز صغيرين من الطحين الأبيض". وليس من بنات المصادفة ارتقاء الهمبرغر إلى هذا المقدار من الكمال. فهي نتاج نهج تايلوري اختُبر وأَثْبَتَ نجاعته في صناعة سيارات فورد وغيرها من الصناعات. فهي شأن السيارة،"تصنع"وفق سلسلة من المراحل. وتجميع الهمبرغر يسير، وتُعَد أعداداً تصلح للبيع. وتصنيعها الغذائي طوّر في القرن العشرين. تنافست مطاعم الوجبات السريعة الكبيرة على تطوير عملية بيع الهمبرغر لتوفير خدمة سريعة للزبون فيقع في سحرها. وكان الأخوان ريتشار وموريس ماكدونالد مالكَي مطعم"درايف - إن"في سان برناردينو بكاليفورنيا. لكن خدمة المطعم كانت بطيئة، فأغلقا مؤسستهما المزدهرة في 1948 لتطويرها وتحسينها: عزفا عن إرفاق وجبة الهمبرغر بالمقبلات وقصراها على اللحم والخبز والبطاطا المقلية والمشروب الغازي. ولم يعد الزبون مضطراً إلى الترجل من السيارة ولا إلى الجلوس إلى المائدة لتناول الهمبرغر. فالصيغة الجديدة من"الدرايف ? إن"تدعو الزبون إلى التوجه إلى النافذة المخصصة للاختيار والطلب. ويختار السندويتش فيجده جاهزاً كأنه في انتظاره. وسيل الزبائن لا ينقطع، فالواحد يخلي محله للزبون التالي. وأعد الأخوان فريق العمل في مطعمهما إعداداً يوزع العمل عليه كأنه فريق راقص يرسم لوحة جمع قطعتي الخبز بقطعة لحم. وفي الخمسينات، تحول نموذج ماكدونالد مرجعاً في عالم الصناعة الغذائية. ووسّع رجل الأعمال راي كروك المطعم إلى نطاق إمبراطورية من سلسلة من الفروع موزعة في أنحاء المعمورة: ففي 1961، اشترى مطعم الأخوين ماكدونالد وابتكر نظام ال"فرانشايز"نظام شراء حق الامتياز، فمد الأخطبوط أذرعه حول العالم. وعلى رغم تناوله الهمبرغر على اختلاف أنواعه من همبرغر الدجاج إلى همبرغر كبد البط، يبدو جوش أوزرسكي مفتتناً بأسطورة الهمبرغر وسنن إعداد الشطيرة العالمية هذه. * صحافي، عن"لوموند"الفرنسية، 20-21/1/2013، اعداد م. ن.