الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الحل سعودي.. لحل الدولتين    الجياد السعودية تتألق في جولة الرياض في بطولة الجياد العربية    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    «الصندوق العقاري»: مليار ريال إجمالي قيمة التمويل العقاري المقدم لمستفيدي «سكني»    إطلاق 3 مشاريع لوجستية نوعية في جدة والدمام والمدينة المنورة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    انطلاق فعاليات المؤتمر السعودي 16 لطب التخدير    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    أجواء شتوية    القضية الفلسطينية من الجد إلى الحفيد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    الذاكرة.. وحاسة الشم    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى الأخضر الإبراهيمي
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 2012

سيدي الكريم، لستُ سوى وسيط بينك وبين حمزة الشاب الذي اقتحم طريقي وأنا أترجل من سيارتي في شارع وسط اللاذقية وقال لي بلا مقدمات: أتسمحين لي أن أغسل سيارتك مقابل المبلغ الذي تريدين؟ من لهجته عرفت أنه من حلب. كان شاباً في بداية الثلاثينات كما قدرت، نحيلاً وذابل الملامح على رغم الابتسامة التي يجهد نفسه لاصطناعها، وأمام نظرة التوسل والتصميم في عينيه وافقت. أبدى سروراً أقرب الى الإنتصار، قال لي: حتى الآن غسلت تسع سيارات في الحارة نفسها، ثم انتبه الى إشارة الطبيب على السيارة فسألني: هل أنت طبيبة؟ قلت نعم. فما كان منه إلا أن أشار إلى طفل لا يتجاوز الخامسة من عمره جالس على الرصيف بعينين نصف مغمضتين من الإعياء وقد انطوى على نفسه كما لو أنه يرغب أن يرجع جنيناً. قال: هذا ابني وهو مريض. اقتربت من الطفل ولمست جبهته الملتهبة وقدرت أن حرارته حوالى الاربعين!
كان حمزة قد باشر بنشاط في غسل سيارتي سألته مؤنبة: لماذا هذا المسكين معك مرمياً في الطريق؟
تنهد قائلاً لا مكان لنا لقد نزحنا من حلب بعد أن سوي بيتنا بالارض، نجونا بأعجوبة أنا وأسرتي من القصف. اقتربت من الطفل وقلت له ممَ تشكو؟ فرمقني بنظرة برود وقال: لا شيء. ثم عاد الى غيبوبة الحمى مفترشاً الرصيف وملتحفاً سماء غاضبة. يا لتفاهة سؤالي. طفل شهد دمار بيته وطفولته وألعابه وأحلامه، فمم سيشكو بعد؟
قلت لحمزة. خذ الطفل الى المستشفى رجاء قد تخرب الحمى دماغه. فقال انه مضطر أن يغسل بعد خمس سيارات كي يؤمن ثمن طعام لأسرته المؤلفة من أربعة أطفال ولزوجته الحامل.
وجدتني مشدودة لحمزة وابنه كما لو أنهما قفزا فجأة من شاشة التلفاز. أمكنني أن أرى بعين خيالي كيف تهدم منزلهم وسوي بالأرض وكيف ارتعب الأطفال وبكوا مذعورين من هول ما يحصل وكيف نزحوا حتى انتهى حمزة الذي كان يملك كشكاً صغيراً لبيع الدخان والمرطبات قرب بيته الى توسل الناس ليغسل سياراتهم في اللاذقية.
حمزة البطل الذي يصمم على الحياة من أجل أسرته، حمزة الذي أقنعني بنظرة واحدة من عينيه المصممتين على العمل كي يغسل سيارتي، سألته أين تعيشون؟ فقال أنه وابنه ينامون في مدخل بناية سمح لهم صاحبها بوضع فرشة صغيرة ليناما وبأن زوجته الحامل وبقية الأولاد ينامون في بيت قريب له ينامون في رواق ضيق! فالمنزل صغير مؤلف من غرفتين وصالون ضيق ويسكنه 26 شخصاً بسبب النزوح من حلب. قال لي إن زوجته الحامل مصابة بانهيار عصبي اذ تبكي وتصرخ باستمرار وبأنها مصابة بوسواس أن الجنين في بطنها سيولد مشوهاً بالتأكيد بسبب الأهوال والمآسي التي شهدتها.
كان العرق يتصبب من وجه حمزة وهو يفرك زجاج السيارة بهمة عالية، ومن وقت الى آخر ينظر الى ابنه ويقول: بسيطة يا حبيب أبوك، ستفرج.
اضحكتني تلك الكلمة وسألته ما الذي سيفرج يا حمزة؟
قال بقناعة تامة وحماسة الأزمة في سورية ستنتهي قريباً وقريباً جداً.
قلت له وقد أثار فضولي وكيف تعرف! كيف تكون متأكداً لهذه الدرجة!
توقف عن العمل ومسح وجهه بطرف قميصه الفضفاض على جسده البالغ النحول وأخذ نفساً عميقاً وقال: الأخضر الإبراهيمي.
انتظرت أن يكمل كلامه فالعبارة ناقصة ولا توحي بشيء لكنه صمت وقد اكتسى وجهه بتعبير سلام وطمأنينة حقيقيين.
سألته ما الذي يعرفه عن الأخضر الإبراهيمي، فاكتشفت أنه لا يعرف عنه أي شيء لا يعرف سوى اسمه وبأنه المبعوث الى سورية لحل الأزمة السورية ولإيقاف نزيف الدم. لكنه مؤمن بكل ذرة من كيانه المطحون بالقهر والالم أن الحل بيد الأخضر الإبراهيمي.
كنت أمام رجل طاش صوابه من الألم والقهر والخسارة، كنت أمام روح مترعة باليأس والخوف، كنت أمام غريق يحتاج أن يتعلق بقشة من وهم كي لا يموت ويموت أولاده. كان ايمانه بالمبعوث الأممي نابعاً من عمق يأسه وألمه لم يكن حمزة رجلاً وأباً بل جرحاً يضيء. لم يكن قادراً كملايين السوريين على احتمال هذا الطفح من الألم والموت والدمار، طاقته على الصبر نفدت واحتياطي الأمل في روحه تبخر من أزيز الرصاص والقنابل وأخوته السوريين الذين يموتون بالبساطة التي تموت فيها الفراشات المحترقة بالنور. أو كما يموت سرب من البعوض حين يرش بالمبيد الحشري.
كان حمزة يحتاج الى أن يؤمن بأي شخص وبأي شيء كي يستطيع الوقوف على قدميه، وليغسل كل يوم أكثر من عشرين سيارة ويرمق ابنه المحموم بنظرة قائلاً له: ستفرج. لم يكن حمزة مواطناً عادياً بل خالق حياة، ولا يمكن خلق الحياة من دون أمل وقد جسّد كل أمله بالنجاة من موت محتم ومن نزيف وطن يدمر بوحشية منذ أشهر بشخص الأخضر الإبراهيمي. لم يعد بإمكان حمزة أن يحتمل مأساته من دون الايمان بمعجزة ما ستحصل بالتأكيد. إنه نموذج للمواطن السوري الذي يحقق معجزة بطولية بالبقاء على قيد الحياة وبألا يفقد قواه العقلية.
تأملت حمزة يحمل ابنه كصليب. الحب صليب ويمشي متحدياً الألم والخسارة والإنكسار. رجل جائع للحياة يؤمن بمنقذ أحبه من كل كيانه وآمن ان الخلاص قادم بواسطته. فكرت لم لا أكون وسيطاً بين حمزة والأخضر الإبراهيمي؟ عسى الأطراف التي ستلتقيه تفكر بحمزة قبل أن تناقش أي موضوع. وبرأيي يا ريت لو يدعى حمزة الى جلسات الحوار مصطحباً أولاده المشردين وزوجته الحامل المنهارة الأعصاب وبقايا حجارة من بيته المتهدم ونتفاً من ألعاب أطفاله المطمورة تحت الأنقاض.
أكتب هذه الرساله لك سيدي الكريم نيابة عن حمزة لأنه لم يبق لحمزة شيء يبقيه على قيد الحياة سوى إيمانه بنجاح مهمتك، لأن حمزة هو السوري الممسوس بانتظار معجزة وقف نزيف الدم.
* كاتبة سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.