على طول حبل غسيل امتد عشرات الأمتار، نشر شبان تونسيون صوراً شمسية من مختلف الأحجام، التقطتها عدسات كاميراتهم وتتنوع بين"بورتريهات"ومعالم أو تفاصيل تواكب حياتهم اليومية، ضمن معرض"تصاوير الشارع"الذي بادر إلى إطلاقه عدد من هواة التصوير الفوتوغرافي لتشجيع محبي هذا الفن على نشر صورهم في الفضاء العام. ففي حديقة ساحة باستور في العاصمة التونسية، التقى عشرات"المتفرجين"الذي أتوا لمشاهدة نحو 300 صورة حول شتى المضامين والمواضيع. وتقول سلمى بن عيسى، وهي إحدى المشاركات في تنظيم هذا النشاط الأول من نوعه، إن"هذا المعرض هدفه تحفيز الناس على توثيق ما يواكبونه من أحداث تخص نسق عيشهم الخاص، أو ترتبط بأحداث وطنية مهمة". والحال إن المصوّرين الناشطين أرادوا تدعيم ثقافة الصورة في تونس التي يرون إن السرد أو الثقافة الشفهية أقوى بين أهلها من البصري. فالتونسي قد يجد الوقت ليقصّ جوانب مما عاشه في يومه أو ما أثار انتباهه من أنشطة سياسية أو اجتماعية أو رياضية، من دون أن يولي أو يهتم بالضرورة بحفظ هذه الذاكرة، فردية كانت أو جماعية، من خلال الكتابة أو التصوير. وفي مجتمع محافظ في معظمه، لا تبدو علاقة الفرد بالصورة مرتاحة أو"مسترخية"كفاية. فالتوجس والحيطة هما السمتان الأساسيتان اللتان تتصف بهما الشخصية التونسية تجاه الصورة وملتقطها، ولا يسهل على هواة التصوير التجول في الشارع لالتقاط ما يرغبون فيه من مشاهد من دون مواجهة بعض المضايقات. في"تصاوير الشارع"، بورتريهات لأشخاص من بسطاء الناس، منازل وأبواب، تظاهرات سياسية، وغيرها من المواضيع التي نقلتها عدسات المشاركين في المعرض. يقول أحد منظمي النشاط، عبد الكريم بن عبد الله إن"انتشار التكنولوجيا وانخفاض أسعارها عنصران يمكّنان الناس من تصوير محيطهم إن هم أرادوا ذلك، بهواتف جوالة وبكاميرات صغيرة الحجم، ما يتيح أفضل الصور من دون كثير عناء أو حتى خبرة". والغرض من اختيار الشارع لعرض تلك الصور هو اكتساح هذا الفضاء العام، بعدما مُنع طويلاً على نشاطات التونسيين في عهد الاستبداد. هنا الثقافة تنبع من الشارع وتعود إليه. وبإمكانات ضئيلة، لا تتعدى حبالاً معلّقة وشموعاً للإضاءة، أمضى هواة التصوير ومتذوقوه الشباب أمسية هادئة، واكبها عازفون وموسيقيون شباب أثبتوا أن الإبداع لا يحتاج إلى موارد مالية طائلة. و"تصاوير الشارع"ليست التظاهرة الفنية العفوية الأولى في الشارع، فقد نظم شباب آخرون نشاطاً تحت شعار"كلام الشارع"، استمر طوال رمضان الماضي، وألقى خلاله شباب قصائد ونصوصاً منثورة باللهجة التونسية، وهي في الغالب إبداعات أدبية ينشرها أصحابها على المواقع والمدونات الإلكترونية. وبفضل هذه اللقاءات بدأت علاقة تواصل بين هؤلاء و"جمهورهم"المحتمل، وأتيح لشباب خجولين وغير محترفين عرض محاولاتهم الأدبية الأولى، وسرعان ما جذبوا الكثير من أقرانهم الذين تماهوا معهم ومع المواضيع التي يطرحونها. واضح أن هذا النوع من النشاطات المنبثق من الحياة اليومية سيتطور، ولعلّه يكسر الحاجز القديم بين النخبة والناس، ب"نزول"شباب مبدعين من"علياء"الثقافة إلى"جمهورهم"المتنامي.