بعد القرار المصري بإغلاق الأنفاق الواصلة إلى قطاع غزة، تبرز أسئلة كثيرة حول البدائل الممكنة بغية إبعاد شبح الابتزاز الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي للفلسطينيين في شكل عام ولأهالي قطاع غزة في شكل خاص عبر التحكم بالمعابر المؤدية إلى قطاع غزة. قرار إغلاق الأنفاق ستكون له تداعيات مباشرة وقاسية على أوضاع وحياة الفلسطينيين في القطاع 1.6 مليون نسمة، حيث بات سكان القطاع يعتمدون في شكل كبير على الأنفاق في جلب وتأمين المواد الغذائية في شكل رئيسي، فضلاً عن مواد البناء والوقود وعدد كبير من السلع والكماليات غير المتوافرة في أسواق غزة كنتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المستمر منذ عدة سنوات. وقد يكون البديل الأول لإلغاء دور الأنفاق وأثارها السلبية المحتملة، الإسراع في عقد مصالحة وطنية فلسطينية تضم جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني والفعاليات الاقتصادية ورجال الأعمال في الضفة الغربية وقطاع غزة. والانطلاق فوراً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد بالدرجة الأولى على تكنوقراط بعيداً من الحسابات الفصائلية الضيقة، ومن ثم وضع خطة اقتصادية شاملة لتمكين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة لمواجهة التحديات المختلفة، وبخاصة التحدي الاقتصادي المتمثل بدرء المخاطر والآثار المترتبة على إغلاق الأنفاق الواصلة من الحدود المصرية إلى قطاع غزة، وقد يكون من باب أولى تهيئة الظروف لتحسين عمل القطاع الخاص في غزة، ومن ثم حض بعض الدول العربية وفي مقدمها مصر لفتح معبر رفح في شكل دائم وانسياب البضائع والسلع إلى أسواق قطاع غزة وبدعم من الحكومة المصرية حتى لا تكون عرضة للاحتكار من قبل التجار من الطرفين من جديد. والأهم من ذلك كله يجب العمل من قبل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية القادمة في شكل جدي لرفع نسبة التجارة البينية مع الدول العربية للحد من سيطرة الإسرائيليين على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني وفي شكل خاص في قطاع غزة. وفي هذا السياق تشير دراسات مختلفة إلى أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي الاقتصادية قد نالت إلى حد كبير من أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، بيد إنها كانت اخطر في قطاع غزة نظراً الى شح الموارد المختلفة هناك، ناهيك عن الزيادة الطبيعية العالية لسكان القطاع 3.6 في المئة والتي أدت بدورها إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد وعلى سوق العمل في الوقت نفسه، مما أدى إلى زيادة عدد سكان القطاع إلى 1.6 مليون فلسطيني حتى منتصف العام الحالي 2012، منهم 53 في المئة من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وهذا بدوره أدى إلى زيادة الأعباء على العامل في القطاع. وتشير الدراسات إلى أن كل عامل في القطاع يعيل إضافة إلى نفسه خمسة أفراد من خارج قوة العمل. وقدر مختصون اقتصاديون في الأراضي الفلسطينية الخسائر اليومية الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في قطاع غزة بأنها تزيد على مليون ونصف مليون دولار يومياً، وتبعاً لتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة تراجع الناتج المحلي للقطاع بنسبة 50 في المئة، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر. كما أن عمليات الحصار والإغلاق المستمرة في القطاع أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ عام 2000 حيث وصل إلى 1800 دولار، ثم تراجع إلى أقل من 1200 دولار خلال العام المنصرم 2011، لكن الاقتصاد الفلسطيني لم ينهَرْ في شكل كامل بسبب انتشار فكرة التكافل الاجتماعي من خلال لجان الزكاة، ولجان الحي ومؤسسة الأمان الابتكارية وغيرها. واللافت تضرر القطاع الخاص بسبب سياسة الحصار الإسرائيلية. ومن المؤشرات ذات الدلالة ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 65 في المئة خلال الأعوام الأخيرة، مما يتطلب مواجهة الأزمة وإعطاءها بعداً عربياً وإسلامياً. مؤشرات البؤس المشار إليها والناتجة من سياسات الاحتلال الاقتصادية وعدم وجود دعم حقيقي للاقتصاد الفلسطيني من قبل الدول العربية والإسلامية دفع أهالي القطاع نحو خيار قسري تمثل منذ عدة سنوات في فتح أنفاق لإيصال البضائع المصرية إلى أسواق قطاع غزة بشروط اقل وطأة من الشروط الإسرائيلية القاسية جداً والتي تهدف في نهاية المطاف إلى إخضاع الفلسطينيين سياسياً. وتبقى الإشارة إلى أن قرار إغلاق الأنفاق الواصلة إلى قطاع غزة 1200 نفق ستكون له تداعيات خطيرة على حياة الفلسطينيين في القطاع، بخاصة في ظل الطلب المتزايد على السلع والبضائع، فاحتياجات قطاع غزة للأغذية آخذة في التزايد بسبب النمو السكاني الذي يزيد عن 3.6 في المئة سنوياً. حيث يحتاج سكان القطاع يومياً إلى 650 طن من القمح و73 طن من الرز فضلاً عن 43 طناً من الزيوت و6 أطنان من الشاي ناهيك عن 230 طناً من الحليب وهي المادة الأهم للمجتمع في القطاع، وفي شكل أساسي للأطفال الذين يشكلون نسبة كبيرة منه. ولذلك يجب اتباع إجراءات فلسطينية ومصرية في المقام الأول من اجل إبقاء معبر رفح مفتوحاً بالاتجاهين لأهالي قطاع غزة، وكذلك للسلع والبضائع وبشروط تساعد الفلسطينيين على الاستغناء عن السلع والشروط الإسرائيلية بشكل تدريجي. * كاتب فلسطيني