أعلن وزير الاقتصاد الفلسطيني في الحكومة المقالة في غزة، د.علاء الرفاتي، أن اتفاقات التعاون الاقتصادية التي وقعت مع الدول التي زارها رئيس الوزراء إسماعيل هنية خلال الجولة الأخيرة التي قام بها، ستنهي الحصار الاقتصادي عن القطاع والمستمر منذ خمس سنوات. وأضاف الرفاتي في حوار خاص مع “الشرق” أن تركيا تعهدت بتنفيذ تصور كامل لإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة، بالإضافة لتعهدها بتمويل إقامة منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، مؤكداً أن الباب يبقى مفتوحاً أمام المستثمرين العرب كافة للاستثمار وتنفيذ المشروعات التنموية والتطويرية في قطاع غزة. وفيما يأتي نص الحوار .. - إلى أي مدى نجحت جولة هنية الخارجية في تحقيق انفراجة على مستوى كسر الحصار الاقتصادي عن قطاع غزة؟ - جولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية كان الهدف الأساسي لها كسر الحصار السياسي المفروض على الحكومة، وتم تحقيق الهدف من هذه الزيارة من خلال الاستقبال الرسمي في مصر وتركيا والسودان وتونس، عدا الاستقبال الجماهيري الكبير. وعلى المستوى الاقتصادي جرت مناقشة الأوضاع الاقتصادية في غزة مع الجهات الرسمية كافة، وجرى الحديث بصورة مفصلة عما نتج عن الحصار والحرب الإسرائيلية أواخر 2008، وطالبنا هذه الدول بدعم الاقتصاد الفلسطيني وتبني العديد من المشروعات. وكانت هناك وعود تركية بتبني خطة لتنمية قطاع غزة بشكل كامل، ونحن الآن بصدد لقاءات في الأيام القريبة بين المختصين في كلا الجانبين الفلسطيني والتركي؛ للحديث بشكل مفصّل عن بنود الخطة، وآليات تنفيذها على الأرض، من خلال توفير الدعم المالي اللازم للخطة. وتم التركيز على البنية الأساسية في الاقتصاد الفلسطيني بما يتعلق بالمناطق الصناعية والمنطقة الحرة المشتركة، وصوامع الغلال، ومشروعات دعم الصناعات الصغيرة، وكل هذه الملفات جرى تقديمها للحصول على التمويل المالي لها، سواء من تركيا أو من دول أخرى لديها استعداد لذلك. أما في جمهورية مصر العربية، فجرى التباحث في قضية معبر رفح، وضرورة فتحه للسماح بإدخال المنتجات لقطاع غزة، كالسماح بإدخال مواد البناء والبترول والغاز، ومختلف المواد التي نحتاجها بشكل ملح ودائم. كما كان هناك اقتراح لإنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة على الحدود المصرية الفلسطينية، وجرى رفعها إلى الجهات التنفيذية لوضع تصور كامل لآلية التنفيذ. المشروع سيكون دعامة أساسية للاقتصاد الفلسطيني، وسيسهم في تنمية الاقتصاد وتوفير فرص عمل للأيدي العاملة العاطلة عن العمل، ويمكن القول إن الجانب المصري تفهّم احتياجات قطاع غزة في هذا الجانب، ووعد بالمساعدة في تلبيتها. - هناك معلومات عن وجود خطة لإنشاء منطقة صناعية مع الجانب المصري، إلى جانب منطقة التجارة الحرة، ما مصير هذه الخطة؟ - المنطقة الصناعية جرى طرحها ضمن إطار المنطقة التجارية باعتبار أن المنطقة الصناعية ستكون جاذبة للاستثمارات الفلسطينية والعربية، ونحن في انتظار الرد المصري على المشروع، وجرى التباحث مع الإخوة الأتراك في مسألة تمويل هذه المنطقة، والاستفادة من خبراتهم في إنشاء المناطق الصناعية وتشغيلها، وهذا المشروع مقدم للجانبين التركي والمصري. - تحدثتَ عن تفهّم مصري لحاجة قطاع غزة الاقتصادية، هل جرى التباحث في ملف تصدير البضائع من غزة إلى العالم الخارجي؟ وهل تخشون تعرض مصر للضغط من قبل إسرائيل لمنع ذلك؟ - نحن طرحنا مع الجانب المصري حجم الإنتاج الذي يقوم به قطاع غزة من سلع مختلفة، ولدينا قدرة هائلة في الخضروات والفواكه والصناعات الخشبية والملابس، وجرت مناقشة فتح المسار التجاري لمعبر رفح، وحصلنا على وعود مصرية للبدء في تصدير عدد من السلع والبضائع الغزّية للدول العربية والأوروبية. إسرائيل تحاول في الآونة الأخيرة التخلي عن قطاع غزة بشكل كامل، واعتباره كياناً معادياً، وتقوم بإدخال الأمور الدنيا من متطلبات القطاع الأساسية بحيث يبقى الشعب بين الحياة والموت، ولا يريدون أي تطوير أو تنمية، وهم يديرون الأزمة، وبالتالي من الممكن القيام بأي عمل لمنع إنشاء تلك المنطقة. - ما مصير الأنفاق الأرضية في حال إنشاء المنطقة التجارية الحرة؟ وما تأثير الأنفاق على الاقتصاد الفلسطيني؟ - الفلسطينيون لو تم فعلاً كسر الحصار الذي فرض عليهم، سيتخلصون بشكل تلقائي من تلك الأنفاق؛ نظراً لتكلفتها المرتفعة في عملية الإنشاء، والخطر المحدق بحياة عشرات العاملين فيها. وفي حال توفر المعبر الرسمي لإدخال البضائع سيكون كفيلاً بإنهاء التهريب عبر الأنفاق. أما عن تأثيرات الأنفاق على الاقتصاد الفلسطيني، فقد تسببت في أضرار عدة للاقتصاد، كتهريب أنواع من البضائع دون إجراء الفحص لها، ودون أن تحمل ضرائب، وهذا أدى إلى الإضرار بالمنتج الوطني، وتعاني المنتجات المحلية من حالة الإغراق التي تعيشها السوق بالبضائع المصرية، وتباع بتكلفة أقل من إنتاجها. - هل سيكون دخول تركيا إلى خط إعادة إعمار قطاع غزة بديلاً عن الأموال الغربية؟ - الدعم التركي للقطاع لن يكون بديلاً عن أحد، لكن تركيا أبدت استعدادها لوضع تصور كامل لتنمية القطاع، وتنفيذ عدد من مشروعات إعادة الإعمار، وتركيا لم تشترط ألّا يشاركها أحد في عملية الإعمار، بل دعت بضرورة مشاركة الجميع في هذا الملف. - ما توجهاتكم بخصوص طلب السلطة الفلسطينية للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية؟ - ظروف الاقتصاد الفلسطيني لاتزال غير مهيأة للدخول في منظمة التجارة العالمية، ونحتاج إلى مزيد من التطوير للصناعات الفلسطينية؛ لتصبح ذات مستوى متقارب مع الصناعات العالمية، وعطفاً على ذلك من الممكن التفكير في الحصول على عضوية منظمة التجارة. وبصراحة الشروط التي تضعها المنظمة تخدم الدول القوية اقتصادياً والدول التي تمتلك قدرات عالية في مجال الصناعة. أما الدول التي لاتزال في مجال تنمية صناعاتها المحلية، فستكون عملية دخولها المنظمة صعبة جداً؛ نظراً لأن الصناعات الناشئة بحاجة إلى الدعم. والتوقيع على معاهدة المنظمة يمنع الدول من وضع قيود وضرائب جمركية لحماية المنتجات الوطنية عند دخول سلع بضائع الدول الأعضاء للدولة. وبالتالي لا تستطيع الصناعات المحلية الصمود وتنهار، وهو ما لا يمكن للاقتصاد الفلسطيني الهش أصلاً تحمله. - إلى أي مدى يمكن أن تخدم المصالحة بين حركتي فتح وحماس الاقتصاد الفلسطيني؟ - المصالحة تعني اندماج اقتصاد قطاع غزة مع اقتصاد الضفة الغربية من جديد، وهو أمر مهم جداً، ومحرك أساسي لعجلة الاقتصاد الوطني. هناك كثير من السلع التي تنتج في قطاع غزة تحتاجها الضفة الغربية، ولا يتم نقلها إلى هناك بسبب الانقسام. وكذلك السلع التي لا تدخل من الضفة لقطاع غزة، وحركة التكامل مع الضفة لها إيجابيات كبيرة على مستوى الاقتصاد الفلسطيني، كحركة البضائع وحركة الأموال أيضاً. - هل تتوقع أن تكون للربيع العربي نتائج إيجابية على الاقتصاد الفلسطيني؟ - نأمل أن تكون للربيع العربي انعكاسات إيجابية على الواقع الفلسطيني بجميع المجالات، بما فيها الاقتصادي. ونرجو أن يكون هناك تعاون مع أشقائنا العرب، وفتح هذه العلاقات سيخدم الاقتصاد الفلسطيني. ونحن نعتقد أن بعدنا العربي والإسلامي له مزايا كبيرة في مواد الصناعة وأسعار البترول والمنتجات التي يجري شراؤها من السوق العربية، التي ذات تكلفة أقل بكثير من حيث الأسعار من المنتجات التي يجري شراؤها من السوق الإسرائيلية، وهذا سيوثر على أسعار المنتجات الموجودة في السوق الفلسطينية إلى الأفضل. بالإضافة إلى أن ذلك سيسهم في توفير فرص عمل للأيدي العاملة في فلسطين، في ظل حاجة بعض الدول بعد الثورات لإعادة بناء اقتصادها، وبخاصة ليبيا. وهذا سيفتح الباب واسعاً أمام العمالة الفلسطينية. - قطاع غزة عاش لأكثر من خمس سنوات تحت الحصار وواجه الحرب، ما قيمة الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الفلسطيني حتى الآن؟ - الحصار الإسرائيلي ضرب عملية تصدير المنتجات الفلسطينية، حيث كان حجم الصادرات الشهرية حوالى 250 مليون دولار. والآن هذه الأموال كلها تمثل رصيد خسائر، ومع الحصار لم تعد تدخل المستلزمات الصناعية والمواد الخام، وبالتالي توقفت العديد من المصانع، وتكبدت ملايين الدولارات. والحصار نتائجه في تدمير الاقتصاد الفلسطيني كبيرة جداً، لكن في ظل صمود شعبنا الفلسطيني تمكنا من تخفيف الآثار السلبية للحصار. وأي اقتصاد يفرض عليه حصار كفيل بأن ينهي هذا الاقتصاد بالكامل، لكن بفضل صمود الشعب الفلسطيني، الخسائر كانت أقل من المتوقع في أي منقطة أخرى في العالم. فالخسائر المباشرة في ظل الحصار لا تقل بشكل سنوي عن مليار دولار في مختلف المجالات الاقتصادية، أما خسائر الحرب فقد قدرت بحوالى أربعة مليارات دولار. - هل لمستم تغيراً في التعامل الإسرائيلي مع عملية إدخال وتصدير البضائع من وإلى قطاع غزة بعد صفقة تبادل الأسرى والإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط؟ - لم يطرأ أي جديد، والجانب الإسرائيلي لم يوفِ بالشروط المتعلقة بصفقة التبادل؛ فقد كان من المفترض فتح معبر رفح، وزيادة الكميات المدخلة من معبر كرم سالم. والجانب الإسرائيلي يهدد بفرض عقوبات إضافية على قطاع غزة، ولم يسمح إلا بتصدير عدد محدود من البضائع من غزة. - ما تعليقك على إغلاق إسرائيل لمعبر المنطار (كارني) بشكل نهائي، والتحول تجاه معبر كرم أبوسالم؟ - معبر كارني قدرته الاستيعابية تصل إلى ألف شاحنة يومياً، بالإضافة إلى أن تصميم المعبر في عملية إدخال البضائع أسرع من التصميم الموجود في معبر كرم أبوسالم. ونحن نعاني بشكل كبير جداً؛ لأن التجهيزات في معبر كرم أبوسالم غير كاملة، وهناك حالة بطء في إدخال السلع إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى كونه يقع في منقطة بعيدة عن مدينة غزة. - إلى أين وصلت عملية إعادة بناء المنازل التي هدمت خلال الحرب على غزة؟ - الحكومة الفلسطينية وضعت خطة كاملة لإنجاز أكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية للبيوت التي هدمت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وجرى إنجاز أكثر من ألف وحدة حتى الآن. ونأمل خلال هذا العام الحالي إكمال الخطة، بالإضافة إلى المشروعات الإسكانية يجري تجهيز أكثر من سبع مدن في المحافظات المختلفة. وجرى البدء في مشروع الإسراء الإسكاني، والعمل جارٍ في مدينة البراق لتسليمها للمنتفعين. ولكن رغم كل ذلك هناك -مع الأسف الشديد- عجز بأكثر من مائة ألف وحدة سكنية في قطاع غزة؛ نظراً للكثافة السكانية المرتفعة. مركز تسليم مساعدات في غزة (أ ف ب)