أدخل الربيع العربي مصر في توازنات اجتماعية - سياسية غير مستقرة، بين المجلس العسكري باعتباره رأس الإدارة العريقة للدولة، والإخوان المسلمين ككتلة تتهيأ للحكم عبر انفتاح محدود على الأفكار المغايرة والقوى السياسية الأخرى ومن خلفها أكثرية صامتة. هذه التوازنات غير المتوازنة، ستلقي بظلالها المباشرة على دور الرئيس المصري الجديد الذي سيواجه فجوة بين المتطلبات الداخلية والاستحقاقات الاقليمية والدولية، فما هي التحديات؟ التحديات الداخلية 1- هناك حاجة ملحة إلى إستعادة الأمن، وهو أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الجديد سواء في إعادة هيكلة جهاز الشرطة وضبط الفارين من السجون وتشديد العقوبات على أعمال السلب والبلطجة، أو البحث عن إستراتيجية أمنية جديدة تُشعر المواطن بالسلامة والاستقرار. 2- تأتي الأوضاع الاقتصادية في المرحلة الثانية، فالاقتصاد المصري مني بضربات موجعة بعد سحب نصف الاحتياط النقدي وإزدياد العجز في الموازنة إثر تراجع الاستثمار الاجنبي وتوقف السياحة وإنخفاض العائدات من قناة السويس وإزدياد معدلات البطالة. ولن يمكن التغلب على هذه المشكلات الجوهرية في القريب المنظور لأن استعادة الاقتصاد المصري عافيته مرتبطة بالاستقرار الأمني والسياسي. 3- الأوضاع السياسية وأهمها طبيعة نظام الدولة الذي سيحدد صلاحيات الرئيس وتحديد علاقة الرئيس بالبرلمان والحكومة، وكذلك طبيعة العلاقة بين الرئيس والمؤسسة العسكرية. وكلها أمور شائكة ومعقدة تحتاج إلى معالجة حكيمة من الرئيس الجديد. التحديات الاقليمية 1- العلاقة مع إسرائيل: توترت العلاقة بصورة ملحوظة بعد أحداث"ثورة 25 يناير"، ولا سيما مع توقف تصدير الغاز المصري وسقوط بعض الصواريخ على جنوب إسرائيل من داخل سيناء وقتل عدد من الجنود المصريين برصاص إسرائيلي ما أدى إلى إقتحام السفارة في القاهرة وحرق العلم الاسرائيلي، ثم إقامة مناورات عسكرية بالذخيرة الحية للجيش المصري داخل سيناء. كل تلك المؤشرات تؤكد أن إتفاقية كامب ديفيد أصبحت في مهب الريح، مما يعكس حرص إسرائيل على التفوق العسكري في الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ورفضها الانضمام إلى إتفاقية حظر الأسلحة النووية وإصرارها على تشغيل مفاعل ديمونة قرب الحدود المصرية. وإضافة إلى ذلك قيام إسرائيل أخيراً بالتنقيب عن الغاز خارج المياة الاقيلمية للبحر المتوسط وإستفزاز مشاعر الدول العربية على ساحل المتوسط. 2- العلاقة مع إيران: إزدادت الأصوات داخل البرلمان المصري التي تطالب بعودة العلاقات المصرية - الايرانية، وهو ما يمثل تحدياً لدول الخليج العربي التي تعيش في أجواء حرب باردة مع طهران التي تعاظم دورها الاقليمي بعد إنكماش الدور المصري من خلال التدخل في بؤر الصراع والاحتفاظ ببعض الأوراق للتفاوض عليها في ما يخص البرنامج النووي الايراني، وهو ما يتضح من خلال تدخل إيران في الشؤون البحرينية وزيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى الاماراتية. ولا شك في أن عودة العلاقات المصرية - الايرانية يمكن أن تؤثر سلباً على علاقات مصر مع دول الخليج، وهذا يمثل أبرز التحديات الاقليمية أمام الرئيس المصري الجديد. 3- العلاقة مع دول حوض النيل، وهي قضية أمن قومي فالمياه هي شريان الحياة بالنسبة إلى مصر. وهناك الكثير من الدول مثل أثيوبيا التي تشرع في إقامة سدود على نهر النيل لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما يؤثر على حصة مصر من المياه، وإضافة إلى ذلك رغبة دول مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا في زيادة حصتها لتوسيع الرقعة الزراعية. وقد رفضت مصر والسودان توقيع إتفاق جديد لاعادة توزيع الحصص بعد أن امتدت الاعتبارات المحددة للأمن المائي إلى إعتبارات إقتصادية وسياسية وربما عسكرية في ظل تراجع العلاقات مع دول النيل الى مستوى الحد الأدنى. التحديات الدولية يتضح إستمرار السياسة الخارجية الأميركية بوتيرة ثابتة تجاه مصر رغم تعاقب إدارات أميركية مختلفة. إلا أن تلك العلاقة تدهورت بعد الثورة وخصوصاً بسبب قضية منظمات المجتمع المدني التي إتهم فيها بعض الأميركيين بتمويل بعض الجمعيات غير القانونية في مصر بذريعة نشر الديموقراطية. إضافة إلى ذلك، هناك رغبة مصرية فى مراجعة اتفاق السلام مع إسرائيل، وبالتحديد الشق الأمني منه، فهل يرافق ذلك استمرار المعونات الأميركية لمصر أم وقفها؟ ستطرح هذه القضية والكثير من القضايا الأخرى مزيداً من التحديات فى إطار العلاقات مع الولاياتالمتحدة، وسيكون على الرئيس الجديد تحقيق إنجاز سياسي في بداية حكمه يعيش معه السنوات الباقية من ولايته الرئاسية، والتعامل مع الطرف الآخر بحنكة وحساسية، حفاظاً على مصالح الدولة ومراعاة لشعور الرأي العام. * كاتب مصري