تبدو العلاقة بين مصر ومعظم دول حوض النيل كمن يسير على جبل من المطبات السياسية والاقتصادية والأمنية، يحتاج إلى شيء من التروي حتى يستطيع تجاوزها بأقل خسائر ممكنة. وقد أرجع البعض ما ظهر من منغصات وخلافات تطفو على السطح من حين إلى آخر إلى تدخلات من دول خارجية لها مصالح كبيرة مع دول المنبع ولديها رغبة في مضايقة مصر عبر خاصرتها النيلية. في حين هناك من ربط التباينات الراهنة بما يتردد حول تراجع دور مصر التقليدي، من دون وقوف عند المتغيرات السياسية ومكونات البيئة الاستراتيجية الجديدة التي أثرت في هذا الدور وقللت من فاعليته على المستوى الإقليمي، مقارنة بحقب سابقة. في حين ذهبت فئة ثالثة إلى أن رفض دول المنبع غالبية الاتفاقيات المائية التي وقعت خلال الفترة الاستعمارية، هو سبب يمكن أن يفك طلاسم كثير من الألغاز الحالية، التي تزايدت بصورة جعلت من اجتماعات دول الحوض مجالاً خصباً للتجاذبات ورواج موسم الخلافات حول تقاسم المياه وآليات تعديل الحصص وطرق الاستثمار. لذلك عندما بدأت اجتماعات المجلس الوزاري لوزراء المياه لدول حوض النيل في الإسكندرية في 27 تموز (يوليو) الجاري، توقعت دوائر متعددة تجدد المناوشات التي نشبت في اجتماعات كينشاسا في 22 آيار (مايو) الماضي، حول توقيع الإطار القانوني والمؤسسي لحوض النيل، وفيها انقسمت دوله إلى فريقين، الأول ضم مصر والسودان، ورفض التوقيع على هذه الاتفاقية التي تعيد النظر في تقاسم المياه، واشترطت الدولتان ادخال بعض التعديلات على عدد من بنودها. والفريق الثاني ضم الدول الثماني الباقية، وهي اثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا والكونغو الديموقراطية ورواندا وبوروندي وإريتريا، مهدداً بالتوقيع عليها بالغالبية، أي من دون مصر والسودان. وفي ظل تمسك كل فريق برؤيته ورغبته، تم ترحيل القضية لاجتماعات وزارية لاحقة، على أمل الوصول إلى تفاهمات مشتركة وفقاً لمبدأ التنازلات المتبادلة، لأن الموضوع قابل لأن يأخذ اتجاهاً تصعيدياً، قد تفشل معه الحلول التفاوضية التي تراهن عليها مصر، والتي طلبت من دول المنبع أن تأخذ في حسبانها ثلاثة شروط رئيسية: الأول، أن تتضمن الاتفاقية المقترحة في البند رقم 41 – ب الخاص بالأمن المائي نصاً صريحاً يشير إلى عدم المساس بحصة مصر ( 55.5 بليون متر مكعب ) من مياه النيل وحقوقها التارخية المعروفة. الثاني، أن يتم تعديل البند رقم 43 أو 43 ب ، بحيث تكون كل القرارات الخاصة بتعديل أي من البنود الأساسية في الاتفاقيات السابقة أو الملاحق بالإجماع وليس بالغالبية. أما البنود الأقل أهمية فيمكن التصويت عليها وفق قاعدة الغالبية المطلقة. لكن ينبغي أن تكون مصر والسودان ضمن الغالبية في الحالتين، لمنع انقسام دول الحوض إلى فريقين مصالحهما متضاربة. الثالث، أن يتضمن البند رقم 8 من الاتفاق الخاص بالإخطار المسبق عن أي مشاريع تقوم بها دول أعالي النيل، اتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الخصوص، على أن يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في ملاحق خاصة بها. في محاولة لتجاوز الخلاف وتخفيف حدة الانتقادات المصرية، اقترحت سبع دول في المنبع وضع بند الأمن المائي في ملحق الاتفاقية وإعادة صياغته في شكل يضمن توافق دول الحوض خلال ستة أشهر من توقيع الاتفاقية وإنشاء ما يسمى «هيئة النيل»، غير أن مصر رفضت هذا الاقتراح وطرحت بدلاً منه صيغة تقوم على تشكيل لجنة رباعية تتكون منها والسودان وأثيوبيا وإحدى دول حوض النيل، مع وجود ممثلين لبعض المنظمات الدولية المعنية، لإيجاد صيغة توافقية حول الحقوق التاريخية والأمن المائي. اتفاقات تاريخية وتتحرك مصر في مسألة المياه بسياسة النفس الطويل، وهي مسنودة بسلسلة من الاتفاقيات تحفظ حقوقها المائية. وبصرف النظر عن تواريخ توقيعها والأجواء التي أحاطت بها، فهي في النهاية اتفاقيات معترف بها لا يجوز تغييرها إلا برضى أطرافها. وأبرزها بروتوكول روما الموقع في 15 نيسان (أبريل) 1891 بين بريطانيا وإيطاليا، في شأن تحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين في افريقيا. وتعهدت إيطاليا في الاتفاقية عدم إقامة منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر في تصريفات النيل. كما أن اتفاقية لندن الموقعة في 13 كانون الأول (ديسمبر) 1906 بين كل من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، نصّ بندها الرابع على أن تعمل هذه الدول على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر. وجاءت اتفاقية 1929 الشهيرة لتنظم العلاقة المائية في شكل أدق بين مصر ودول الهضبة الاستوائية التي يأتي منها نحو 15 في المئة من المياه القادمة إلى مصر. وحوت بنوداً تخص العلاقة بين مصر والسودان في ملف المياه، وردت في الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود باشا والمندوب السامي البريطاني، أكد محتواه أن الحكومة المصرية مهتمة بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التي يستخدمها من مياه النيل، من دون إضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1959 وقعت اتفاقية مكملة لاتفاقية 1929 بين مصر والسودان، شملت الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من البلدين في ظل متغيرات جديدة. أهمها الرغبة في إنشاء السد العالي ومشاريع أعالي النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان في جنوب مصر. ويخطىء من يظن أن مصر تعتمد فقط في دفاعها عن حقوقها على الميراث التاريخي، فهي تتحرك أيضاً بأدوات أخرى تأخذ في اعتبارها التحولات التي حدثت في الواقع الأفريقي عموماً وفي منطقة حوض النيل خصوصاً واختلال بعض موازين القوى التقليدية وظهور دول (اريتريا مثلاً) وتلاشي أخرى (زائير وانقسامها إلى بلدين). لذلك تبدو ديبلوماسية التفاعل الإيجابي مع دول الحوض مناسبة. وربما يخفى التحرك في هذا الفضاء على كثيرين، إلا التدقيق فيه يؤكد أن مدرسة الري المصرية العريقة حاضرة عن كثب بأدواتها وأذرعها المختلفة. ففي السنوات الماضية سعت القاهرة إلى توطيد أواصر التعاون مع غالبية دول الحوض وعملت على تقريب المسافات معها، من خلال إنشاء شبكة من المصالح المشتركة. وعلى عكس ما هو ظاهر على السطح كان لمصر إسهامها البارز في بعض المحطات والمبادرات والتجمعات التي حفظت لها عبر قنواتها ومشاربها حقوقها التاريخية، وسبقت في معناها ومغزاها الإطار القانوني والمؤسسي لحوض النيل، الذي تحاول دول المنبع ضمان التوقيع عليه. فهيئة مياه النيل أنشئت تحت مظلة اتفاقية 1959 كهيئة دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان. وكانت تعمل على دراسة وإنشاء مشاريع زيادة إيراد النهر. ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل كانت مصر صاحبة فكرة إنشاء تجمع «الأندوغو» ويعني «الأخوة» باللغة السواحلية عام 1983، بتأييد من السودان وزائير في ذلك الوقت، وضمّ معظم دول حوض النيل في منطقة شرق ووسط أفريقيا. عندما بدأت الخلافات بين دول الحوض بسبب الافتقار لآلية منظمة تجمع دوله تم إنشاء تجمع «التكونيل» في كانون الأول (ديسمبر) عام 1992، مصحوباً بخطة تضمنت 22 مشروعاً ومشاركة ست دول، هي مصر والسودان وأوغندا وتنزانيا ورواندا والكونغو الديموقراطية، وحصلت الدول الباقية على صفة مراقب واستمر المشروع نحو ست سنوات شابها كثير من التعثر. ولوضع استراتيجية للتعاون بين الدول النيلية تفيد الجميع اقترحت مصر آلية جديدة تضم دول الحوض. وبالفعل تأسست مبادرة حوض النيل عام 1999 رافعة شعار «تحسين معدلات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر»، وقامت على تقسيم الحوض إلى فرعين، أحدهما، أطلق عليه حوض النيل الشرقي ويشمل مصر والسودان وأثيوبيا. وفي آذار (مارس) 2001 تم إنشاء المكتب الفني الإقليمي للنيل الشرقي (الإنترو) ومقره أديس أبابا، بهدف بحث المشاريع المائية المشتركة التي جرى تجميعها في ما يسمى «برنامج العمل» لحوض النيل الشرقي، وتضمن عدداً من المشاريع في مجال مراقبة الفيضانات وتوليد الكهرباء من مياه النيل. والفرع الثاني، هو حوض نيل البحيرات الإستوائية ويشمل مصر والسودان والكونغو ورواندا وبوروندي وكينيا وأوغندا وتنزانيا. وتحت كل من الحوضين جرى التخطيط لمجموعة مهمة من المشاريع في مجالات الزراعة والري والثروة السمكية والكهرباء، لعبت فيها مصر دوراً محورياً يؤكد رغبتها في تفضيل الديبلوماسية الناعمة لتحقيق مصالحها المائية عن أي خيارات تصعيدية يمكن أن تعطي ذرائع أو مبررات لمن يريدون تغيير البنية الأساسية لعدد من الاتفاقيات التاريخية. الحاصل، أن مشاركة مصر في مشاريع حماية النهر وتوليد القوى وغيرها في دول حوض النيل حمتها في أوقات معينة من بعض الأزمات الكبيرة. لذلك تميل إلى استكمال هذا السبيل الذي تتزايد التحديات أمامه مع دخول دول مناوئة أو منافسة على خط التعاون المشترك مع دول حوض النيل. ومن أهم المشاريع التي ظهرت فيها بصمات مصر جلية، إنشاء خزان سنار على النيل الأزرق عام 1925. واتفاق مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا في عام 1953 على إنشاء سد أوين عند شلالات أوين في بحيرة فيكتوريا. وقامت القاهرة بدفع تكاليف الإنشاء وتقديم الخدمات اللوجستية اللازمة في موقع السد والإشراف على تشغيله. وفي عام 1978 بدأت مصر والسودان تنفيذ مشروع غونغلي وتم الانتهاء من نحو 70 في المئة منه، غير أن الحرب الأهلية في جنوب السودان حالت دون استكمال المشروع، الذى من المنتظر استئنافه بعد حلول السلام في الجنوب. علاوة على تطوير الإدارة المائية في الكونغو وحفر عشرات الآبار في كينيا ومقاومة الأعشاب المائية في أنهار وبحيرات أوغندا وتنزانيا. في ضوء المعطيات السابقة يمكن القول إن مصر تقف مدعومة بعدد من الركائز التي تؤيد وجهة نظرها حيال مياه النيل. في مقدمها حزمة من الاتفاقيات التاريخية المعروفة وأهمها اتفاقية 1959 بين مصر والسودان التي تحفظ لها حقوقها كاملة. ومع ذلك لا يخلو الموقف المصري من مرونة عند الضرورة ، إذا تطلب الأمر تخفيف احتقانات أو تقليل توترات. وظهرت معالم هذا الاتجاه عندما قررت مصر والسودان قبل سنوات إضافة بند في هذه الاتفاقية يؤكد حق دول المنبع في هذه المياه واستعدادهما لتخصيص حصة منها لأثيوبيا، عند التأكد من أنها في حاجة إليها، على أن تخصم مناصفة من أنصبتهما (84 بليون متر مكعب) . ومع ذلك لم يرض هذا التعديل الدولة الأثيوبية التي دأبت على الشكوى من هذه الاتفاقية. حتى الاتفاقيات الحديثة تضمن الحقوق المصرية، كالتي وقعتها القاهرة مع كمبالا عام 1991 ومع أديس أبابا عام 1993. وتتعزز هذه الحقوق في الافتقار لقانون دولي للأنهار ينظم علاقة دول المنبع بالمصب. وكل ما هو موجود بحسب خبراء القانون قواعد حددتها جمعية القانون الدولي في مؤتمر هلسنكي عام 1969، تؤيد نقض مبدأ سيادة الدول على الأنهار التي تمر أو تنبع فيها، معترفة بمصالح الدول التي تشاطىء هذه الأنهار والتي من الواجب أن يكون لها نصيب منصف من مياه هذه الأنهار. من جهة ثانية، تعتمد مصر على عوامل البيئة الطبيعة لترجيح كفتها في مواجهة المطالبات الدائمة بتخفيض حصتها. وأهمها عدم وجود مشكلة في مصادر المياه لدى دول المنبع، لكن المشكلة في الاستثمار الأمثل لمياه النيل. والمطلوب ترشيد وحسن إدارة، فهناك ما يقرب من 1660 بليون متر مكعب تصل مياه النيل كل عام وتسقط على الهضبة الاستوائية، بخلاف 840 بليون متر مكعب تسقط على الهضبة الأثيوبية. ولا يتجاوز ما يصل إلى دولتي المصب (مصر والسودان) 84 بليون متر مكعب. ومعظم المياه التي تسقط على الهضبتين وهي من نصيب الدول الثماني تضيع في التبخر. كما أن هذه الدول التي تعتمد أصلاً على الأمطار في الزراعة تمتلك مصادر أخرى للمياه، سواء من أنهار داخلية أو مياه جوفية، بعكس مصر التي يعتبر نهر النيل هو شريانها الحيوي الوحيد للمياه. وما يبعث على الاطمئنان النسبي في الأجندة المصرية عاملان مهمان، الأول، صعوبة تحكم دول المنبع في روافد النيل، خصوصاً في الهضبة الأثيوبية التي يتدفق منها إلى مصر أكثر من 80 في المئة من ذخيرتها المائية. والثاني، إعلان الجهات المانحة تحفظها عن تمويل أي مشاريع في حالة توقيع الإطار المؤسسي والقانوني لمبادرة حوض النيل من دون موافقة كل دول الحوض. بمعنى أن إقرارها من دون موافقة مصر والسودان سيضر بمصالح دول المنبع مع جهات دولية متعددة. إدارة هادئة وتحديات صاخبة وعلى رغم الإدارة المصرية الهادئة والرشيدة لملف المياه، لا يخلو الأمر من تحديات صاخبة ومزعجة، ربما تمثل عائقاً أمام استمرار الهدوء والرشادة على حالهما. الأول، شعور بعض دول حوض النيل بأن هناك ظلماً تاريخياًً حدث لها، عندما وقعت اتفاقيات تقاسم المياه الرئيسية إبان الحقب الاستعمارية. وهذه حجة مطروحة منذ عشرات السنين. وبعد توقيع مصر والسودان اتفاقية 1959 (لاحظ أن هذه الاتفاقية وقعت بعد استقلال البلدين عامي 1952 و1956 على التوالي) احتجت اثيوبيا بذريعة عدم الرجوع إليها. كما أن ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي) نص على احترام الحدود الموروثة بعد الاستقلال. وبالقياس على ذلك احترام المعاهدات الموقعة بين الدول الأفريقية خلال الفترة الاستعمارية. الثاني، تصاعد التطلعات الاستقلالية لدى دول الحوض ومحاولة التحريض على النفوذ المصري التاريخي (مع الاعتراف بتراجعه لأسباب مختلفة). وتلعب في هذا الفضاء بعض الجهات المؤثرة في هذه الدولة أو تلك. حتى أن المواقف الرسمية المعتدلة بدأت تتأثر بصياح هذه الأصوات. خذ مثلاً الضجة التي أثيرت قبل شهرين في شأن ما نشر حول قيام 11 نائباً في بعض برلمانات دول الحوض بدراسة تقديم شكوى ضد مصر وبريطانيا لمحكمة العدل الدولية لمطالبة الدولتين بالتعويض بسبب معاهدتي مياه النيل الموقعتين عامي 1929 و1959، وردت الخارجية المصرية آنذاك بالنفي، لاسيما أن اجتماعاً عقد في مصر بعد هذه الضجة وضم وفوداً من برلمانات دول حوض النيل ولم يناقش اقتراحاً في هذا الخصوص. الثالث، وجود بعض الرواسب السلبية في ذاكرة دولة مثل أثيوبيا تتعرض بسببها لضغوط داخلية وخارجية، حيث هددتها القيادة المصرية في سبعينات القرن الماضي بشن حرب عليها، إذا قامت بإنشاء سد على بحيرة تانا. والمشكلة أنه يجرى الربط بين هذه التهديدات وما حدث خلال فترة الفتوحات المصرية في عصر الخديوي اسماعيل لمنابع النيل في القرن التاسع عشر. من هنا يمكن فهم وتفسير حرص كثير من المسؤولين في مصر الآن على نفي استخدام الأدوات العسكرية في حل أي خلافات مائية مع دول حوض النيل، والتركيز على أولوية الحلول الديبلوماسية والاقتصادية التي تقوم على أفضلية الحفاظ على المصالح المشتركة. الرابع، صعوبة السيطرة على بعض السدود التي تقيمها بعض دول نهر النيل لتنظيم المياه. وهي وإن كانت سلبياتها طفيفة أو تمت بصورة قانونية فإن كمية المياه الواردة إليها (مصر) ستكون عرضة لبعض الآثار الهيدرولوجية، من حيث نسبة الطمي وجسم السد العالي. ومع أن الموقف السوداني في ملف المياه قريب من نظيره المصري بحكم المصلحة والأضرار المشتركة، غير أن عالم جيولوجيا كبيراً في قامة الدكتور رشدي سعيد حذر من فقدان مصر نحو 8 بلايين متر مكعب من المياه سنوياً، كانت تذهب لمصر من حصة السودان الأصلية، بعد التشغيل الكامل لسد مروي الذى أقامه السودان على نهر النيل عند الجندل الرابع في منطقة النوبة وافتتح في ربيع العام الجاري لتوليد الطاقة الكهربائية. الأمر الذي يتطلب حجز المياه أمامه لسنوات حتى يمتلىء. وتقدر سعة خزان هذا السد بنحو 110 بلايين متر مكعب. الخامس، يتعلق بما شاع في كثير من الأدبيات حول نشاط اسرائيلي متشابك، أمني وسياسي واقتصادي، داخل عدد كبير من دول حوض النيل، للتأثير في صميم الأمن القومي المصري من جهة الجنوب. وعلى رغم وجود علاقات، باعتراف جهات إسرائيلية، مع دول مثل إثيوبيا وأوغندا وإريتريا... إلا أن انخراط مصر في علاقات متوازنة حتى الآن مع هذه الدول يحد من أي تلاعب ظاهر على الأقل. لكن، تظل ورقة إسرائيل أبرز التحديات الخفية في هذه المنطقة، لأنها تتقاطع أيضاً مع عدد من التحديات السابقة، التي يمكن أن تسبب لمصر ازعاجاً يأخذ جل اهتمامها إلى الجنوب للتأثير في أمنها القومي في الشمال. * كاتب مصري.