أعلن اليمن يوم الجمعة 30 أيلول (سبتمبر) مقتل الشيخ أنور العولقي في شمال البلاد بصاروخ «هلفاير» أُطلق من طائرة من دون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وتوجّه والده الذي كان وزيراً للزراعة في الحكومة اليمنية والذي اعتراه حزن شديد إلى مكان وقوع الجريمة للملمة الأشلاء المتبقية من جثة أنور ودفنها. وكان هذا الهجوم السابع الذي تنفذّه الولاياتالمتحدة في اليمن خلال هذه السنة. كان أنور العولقي ناقداً لاذعاً للسياسة الخارجية الأميركية في العالم العربي ومؤيداً شديداً للجهاد الإسلامي الذي اعتمده تنظيم «القاعدة». كما أنه مواطن أميركي وُلد في ولاية نيو مكسيكو وحائز شهادة في الهندسة من جامعة ولاية كولورادو. وثمة أتباع مخلصون لعظاته التي نُشرت على شبكة الإنترنت باللغة الإنكليزية لا سيّما في صفوف الشباب المسلمين في الغرب. أثار مقتل العولقي جدالاً كبيراً في الولاياتالمتحدة لجهة قانونيته. فوصف بول ر. بيلار الذي كان ضابطاً رفيع المستوى في وكالة الاستخبارات الأميركية والذي يعمل حالياً أستاذاً جامعياً، في مقال نشرته صحيفة «الناشونال إنترست» مقتله بأنه «حكم إعدام ينفذ عن بعد من دون حكم قاض أو هيئة محلّفة أو أي دليل علني». في أي حال، يجب ترك عناء مناقشة هذا الموضوع للأميركيين. ما هي العواقب المحتملة لمقتل العولقي؟ من الواضح أنّ من شأن مقتله إثارة غضب بعض المسلمين ضد الولاياتالمتحدة، ما ينذر بتطويع شبان جدد في النضال الجهادي. وتساءل عضو في قبيلة العوالق: «لماذا قتل بهذه الطريقة الوحشية والبشعة؟ لن يحلّ مقتله مشكلة الأميركيين مع تنظيم القاعدة، بل سيزيد من قوته وسيضاعف التعاطف معه في المنطقة». أما السؤال الأساسي فهو ما إذا كان تنظيم «القاعدة» بما فيه الفرع التابع له في اليمن أو ما يسمى «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» هو تنظيم أم قضية. فإذا كان تنظيماً، فان مقتل قادته سيؤدي إلى اضمحلاله. أما إذا كان قضية فسيكون للاغتيالات تأثير معاكس. ويبدو أن «استشهاد» العولقي سيؤدي إلى تطويع عدد من الشبان أكبر من العدد الذي كان سيتطوّع لو أنه بقي على قيد الحياة. وكتب ياسر قدحي، وهو رجل دين مسلم أميركي شاب في صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 3 تشرين الأول (أكتوبر) إن «قتل الناس لا يؤدي إلى اضمحلال أفكارهم». لقد قورنت عملية قتل العولقي باغتيال أسامة بن لادن الذي أطلقت قوات خاصة أميركية النار عليه في منزله في باكستان في أيار (مايو) الماضي. ورأى عدد كبير من الباكستانيين أنّ تلك العملية السرية تعدّ خرقاً غير مقبول لسيادة بلادهم. وأدى اغتيال بن لادن إلى نشوء أزمة حادة في العلاقات الباكستانية - الأميركية. واستغل المتشددون في الجيش الباكستاني وفي وكالة الاستخبارات العسكرية ذلك، ما دفعهم إلى توثيق روابطهم بالمجموعات الجهادية مثل شبكة «حقّاني». وباتت حرب أميركا التي شُنّت منذ عشر سنوات ضد حركة «طالبان» في أفغانستان محفوفة بأخطار أكبر مع استبعاد بلوغ أيّ نتيجة تصبّ في مصلحة الولاياتالمتحدة. وبالطريقة نفسها التي رحّب فيها بمقتل بن لادن، اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتل العولقي بمثابة ضربة كبيرة لتنظيم «القاعدة». وسيرى عدد كبير من المسلمين في مقتله دليلاً إضافياً على أنّ الرئيس الأميركي هو على غرار سلفه جورج بوش الابن في حالة حرب مع الإسلام. وقد أدّى دعم أوباما السافر لإسرائيل حين راحت تستولي على الأراضي الفلسطينية وحين رفضت قيام الدولة الفلسطينية إلى غضب عارم. أما أسهمه فهبطت الى الحضيض في العالم العربي والإسلامي. وسيؤدي مقتل العولقي إلى دقّ مسمار إضافي في نعش ما تبقى من سمعة الرئيس الأميركي. وفي تغيير في المواقف يدعو الى السخرية، قال ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي السابق الذي شجّع على شنّ الحرب، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أنّه ينبغي على أوباما الاعتذار من جورج بوش لأنه انتقد «تقنيات الاستجواب المعزّزة» (مثل الإغراق في الماء) التي استُخدمت ضد المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم «القاعدة»، طالما أنّ أوباما يلجأ إلى اعتماد وسائل أكثر قسوة! لا تحظى الولاياتالمتحدة بشعبية في اليمن. وتعود جذور هذا الانقسام إلى الحرب التي رعتها الولاياتالمتحدة ضد القوات السوفياتية في أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي. والجدير ذكره أنّ الولاياتالمتحدة طوّعت ودرّبت وسلّحت عشرات الآلاف من الشباب المسلمين من بلدان عربية عدة بمساعدة باكستان والمملكة العربية السعودية، وذلك من أجل محاربة الروس «الملحدين» في أفغانستان. وقدم 25 ألفاً من هؤلاء المجاهدين الذين كانوا محاربين متطوّعين من اليمن. فيما قدم عدد آخر من الجزائر ومصر ومن بلدان أخرى. لكن، حين انسحب السوفيات من أفغانستان عام 1989، تخّلت الولاياتالمتحدة عن المجاهدين وتوقفت عن تمويلهم. فانضم عدد من هؤلاء «الأفغان العرب» المتشددين إلى بن لادن في تنظيم «القاعدة». فيما عاد الآلاف إلى ديارهم في اليمن حيث تمّ التعامل معهم، أقله في البداية، على أنهم أبطال. كما تمّ إيلاء البعض منهم وظائف في الهيئة المدنية وفي الجيش. وبعد سنة، أي في عام 1990، اجتاح صدّام حسين الكويت. وبغية إزاحته، أرسلت الولاياتالمتحدة مليون جندي إلى المملكة العربية السعودية فاندلعت حرب الخليج الأولى. وبما أنّ اليمن كان يقيم علاقات وثيقة مع العراق بقيادة صدام حسين، رفض الرئيس علي عبدالله صالح الانضمام إلى الائتلاف بقيادة الأميركيين. وبدلاً من ذلك، أيّد «حلاً عربياً» لأزمة الكويت، ما أغضب المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي اعتبرت صدام حسين رجلاً خطراً يجب تقليص حجمه، وان الولاياتالمتحدة وحدها تستطيع القيام بذلك. وبنتيجة موقف علي عبدالله صالح عاد كثيرون من العمال اليمنيين في السعودية الى بلادهم وأدت عودتهم الى حرمان اليمن من العائدات الكبيرة التي كانوا يرسلونها الى عائلاتهم، مما أدى الى تفاقم البطالة والى تحول اليمن الى دولة «فاشلة»، وهو ما أدى الى الحرب المفتوحة بين الجهاديين والولاياتالمتحدة التي لا تزال مستمرة الى اليوم. في البداية، كان «الأفغان العرب» مفيدين للرئيس اليمني حين كان يحارب الماركسيين السابقين في جنوب اليمن. لكن حين بدأ الجهاديون مهاجمة الأهداف الأميركية، أدخلوه في مأزق مع الولاياتالمتحدة، وتحوّل الأبطال السابقون إلى إرهابيين. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1992، فجّر الجهاديون فندق «غولدمور» في عدن الذي كان يقيم فيه الموظفون العسكريون الأميركيون. وفي حزيران (يونيو) 1996 فجّروا أبراج الخبر في مدينة الظهران في شرق السعودية، ما أدى إلى مقتل 19 جندياً أميركياً. وفي شهر آب (أغسطس) عام 1998، شنوا هجوماً على السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا. وفي تشرين الأول 2000، شنوا هجوماً على السفينة الأميركية «يو أس أس كول» في ميناء عدن، ما أدى إلى مقتل 17 من أفراد البحرية الأميركية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، أدى صاروخ أُطلق من طائرة من دون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية إلى مقتل الشيخ سليم الحارثي، أحد الرجال الضالعين في تفجير السفينة «كول». وفي ذلك الحين، غطّى الاعتداء الذي شنّه التنظيم الأم في قلب الأراضي الأميركية أي اعتداءات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على الأعمال التي قام بها هؤلاء الجهاديون المحليون. وأعقبت ذلك الحربان اللتان شنتهما الولاياتالمتحدة في أفغانستان والعراق. في هذا الوقت، لا يزال الصراع محتدماً في اليمن، الذي يشرف على الانهيار. كما يتمّ جرّ القوات الخاصة الأميركية إلى ما يبدو أنه حرب أهلية. ويجب رؤية مقتل أنور العولقي من هذا المنطلق. لكن، أليس واضحاً أنّ القوة الخارجية تشكّل وسيلة فظة للتعامل مع ما يشكّل نزاعاً يمنياً داخلياً؟ ألم يحن الوقت لتعيد واشنطن التفكير في سياستها إزاء العالم العربي والإسلامي كما حاول أوباما أن يفعل قبل أن يُمنى بهزيمة على أيدي المحافظين المتطرفين ومجموعات الضغط الموالية لإسرائيل والأشخاص الآخرين الذين يكرهون الإسلام؟ * كاتب بريطاني مختص بقضايا الشرق الأوسط