أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«القاعدة» تخطط لانزلاق اليمن إلى حرب أهلية شاملة (الحلقة الأخيرة)
نشر في الحياة يوم 25 - 08 - 2011

يركز فواز جرجس في هذه الحلقة المختارة من كتابه «صعود القاعدة وهبوطها»، الذي خص «الحياة» بفصول منه، على الفصائل المحلية المرتبطة بأيديولوجية «القاعدة» والتي تنتشر في باكستان واليمن والعراق وبلاد المغرب والصومال. ويعرض لنشاط الفصائل التابعة ل «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، ليخلص إلى أن اليمن مهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية شاملة إذا لم يتنحَّ صالح عن السلطة، وهو ما يناسب أهداف «القاعدة».
ساهمت عوامل عدة في تقويض نفوذ وقوة «القاعدة»، وهي الانشقاقات الداخلية وأزمات القيادة بعد مقتل بن لادن وغيره والهزائم العسكرية التي منيت بها والانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها من قبل قيادات دينية راديكالية وانحسار ملحوظ في الدعم الشعبي لها بين المسلمين. لا تعد تلك النتيجة مفاجئة لأحد. لم يكن للجهاد العالمي أو العابر للقوميات ل «القاعدة» والفصائل المرتبطة بها أي شعبية بين العرب والمسلمين. لا يرتبط معظم المسلمين بخطاب وأيديولوجية «القاعدة» ولم ينضموا إلى صفوفها. انحسار الدعم الشعبي في العالم الإسلامي وفقدان المشروعية يعنيان مجندين اقل مهارة وملاذات اقل. اصبح من الواضح أن عامة المسلمين يزودون السلطات المحلية في بلادهم بمعظم المعلومات الاستخباراتية عن المشتبه بانتمائهم ل «القاعدة».
عانى التنظيم الأصلي ل «القاعدة» من هزيمة عسكرية مدوية وفقد قائده المؤسس. عندما كان تنظيم «القاعدة» في أوج قوته في أواخر التسعينات بلغ عدد مقاتليه قرابة الثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف مقاتل. واليوم تناقص العدد ليصل إلى قرابة 300 مقاتل إن لم يكن اقل. ووفقاً للمدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية ووزير الدفاع الحالي ليون بانيتا هناك ما بين 50 ومئة مقاتل تابعين ل «القاعدة» في أفغانستان.
تتواجد الفصائل المحلية المرتبطة بأيديولوجية «القاعدة» وأساليبها في العمل في باكستان واليمن والعراق وبلاد المغرب والصومال وأماكن أخرى. وتعتبر تلك الفصائل أعباء وعقبات على التنظيم الأصلي ل «القاعدة»، وفي ذات الوقت منافذ مهمة يمكن الاستفادة منها، وهي في توجهاتها محلية اكثر من كونها عالمية، وبالتالي هناك تباين واضح في التوجهات بينها.
تعطي الفصائل المحلية انطباعاً خاطئاً أن التنظيم الأصلي ل «القاعدة» يملك القدرة والوسائل على تنفيذ هجمات على غرار هجمات سبتمبر 2011 بالرغم من محدودية قدرة التنظيم الأصلي على توجيه العمليات التي تشنها تلك الفصائل. بالرغم من ذلك فتلك الفصائل تضاعف وتزيد من قوة «القاعدة»، وتمثل نوعاً من المخزون الاستراتيجي ووسيلة علاقات عامة فعالة لإعادة التأكيد على وجود وفاعلية الجهاد الأممي الذي يروج له تنظيم «القاعدة».
يبدو أن تلك الفصائل المحلية في اليمن والصومال و»القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تعطي الانطباع بأن التنظيم لا يزال فاعلاً وأنها منحته فترة حياة جديدة. ولكن تلك الفترة هي عابرة ومحدودة للغاية، ولكن وجودها في حد ذاته يقوي التوجهات الغربية القائمة عن «القاعدة» أو التصورات الخاطئة عن تمدد تأثيرها، وهذا يدعم «رواية الإرهاب» ويخلق ردود فعل مفرطة لمواجهة خطر «القاعدة». علاوة على ذلك فإن تلك الفصائل المحلية ليست امتداداً للتنظيم الأصلي ل «القاعدة». قد تشاركها وجهات نظر أيديولوجية متشابهة وفي بعض الأحيان تخطيط هجمات ضد أهداف غربية، ولكن تلك الفصائل محلية وتهدف إلى مواجهة العدو القريب في الداخل اكثر من الأعداء في الخارج.
في الجزيرة العربية
يتراوح العدد الحالي للفصائل التابعة ل «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية بين خمسين وثلاثمئة في اليمن - وهم من صغار السن غير المتمرسين ويفتقدون إلى المهارات الخاصة للقيام بالعمليات والتدريب الذي تلقاه أعضاء التنظيم الأصلي. وقد علمت بعد مقابلات مع قرابة 12 من أعضاء «القاعدة» باليمن في عامي 2007 و2008 أن معظمهم تعليمهم بسيط ويفتقدون إلى المعرفة وخبرة الأجيال التي سبقتهم والتي حاربت في أفغانستان.
اصبح هذا الفصيل الآن اكثر تنظيماً وتماسكاً بفضل قيادة ناصر الوحيشي والقيادة العسكرية لقاسم الريمي. وتكون هذا الفصيل بدمج الفرعين السعودي واليمني.
وقد لفتت «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية الانتباه الدولي بسبب رجل الدين الأميركي ذي الأصول اليمنية أنور العولقي، والذي تناولته وسائل الإعلام كثيراً لقدرته المزعومة على التأثير على شباب المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية، وبالرغم من التغطية الإعلامية فالعولقي غير معروف في اليمن ولا في البلدان المجاورة، وقد بالغت واشنطن في أهميته - فقد جعلته إدارة اوباما هدفاً مشروعاً للاغتيال في نيسان (أبريل) 2010 مع انه مواطن أميركي. وليست له أي قاعدة جماهيرية اجتماعية في داخل أو خارج اليمن.
علي الرغم من الحملة الشديدة لتدمير تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية من قبل السلطات اليمنية والقوات الأميركية، فقد كانت النتائج مختلطة. في بداية حزيران (يونيو) 2010 نفذ التنظيم عدداً من الهجمات على مواقع لقوات الأمن اليمنية في الجنوب أدت إلى قتل مئة من عناصر الأمن والجيش وإصابة الكثيرين. وفي 19 حزيران 2010 شن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» غارات متزامنة على مقر الاستخبارات اليمنية في عدن وأطلق سراح المسجونين وقتل احد عشر شخصاً وهاجم أيضاً مركزين للشرطة في زنجبار وقتل ثلاثة ضباط شرطة.
إن الهجوم على شخصيات أمنية ومسؤولين حكوميين مثّل نقطة تحول بالنسبة إلى «القاعدة» وأضعف الدعم الشعبي لها داخل اليمن. بدا لوهلة أن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» تعلم من ماضي التنظيم الأصلي متجنباً الوقوع في فخ مهاجمة العدو القريب ألا وهو الحكومة اليمنية. حاول الوحيشي والريمي منذ تأسيس التنظيم في شبه الجزيرة العربية التقرب من الشعب اليمني ولاسيما للقبائل التي منحتهم الملجأ والحماية، واستخدما مجلة إلكترونية وأفلام فيديو ومقابلات مع الصحافيين المحليين لتحقيق هذا الغرض. وقاما بتشجيع أعضاء «القاعدة» على الزواج من نساء القبائل وقاما بجهود الوساطة في النزاعات القبلية. وقام الظواهري بحث القبائل اليمنية على أن تحذو طريق قبائل الباشتون والبلوتش في دعم المجاهدين.
وجدت «القاعدة» أرضاً خصبة للتجنيد في جنوب اليمن، بصورة خاصة لوجود أغلبية السكان من الشباب العاطل عن العمل والغاضبين من الحكومة لعدم وفائها بالوعود. في مقابلاتي مع هؤلاء الشباب اليمنيين في الفترة منذ عام 2007، اخبرني الكثيرون منهم انهم اتجهوا إلى «القاعدة» لجاذبية تطرفها وخطابها الجريء المتحدي وفشل النظام الأوتوقراطي وتركهم للعيش في معاناة شديدة بالصحراء.
بالنظر إلى المؤسسات الضعيفة في اليمن، فإن بقاء الوضع الراهن لا يمكن استمراره. إن موجة الديموقراطية القوية التي هزت العالم العربي عام 2011 تهدد بإنهاء حكم الرئيس صالح. ونظامه ليس فقط في خطر ولكن بقاء الدولة اليمنية ككل.
هذا السيناريو القاتم لا يعني أن يتفكك اليمن مثل الصومال وبالتالي المخاطرة بأن تسيطر عليه «القاعدة». فبالرغم من المشاكل العديدة، لا يزال اليمن دولة تسير الحياة اليومية للمواطنين سواء في التعليم أو الصحة أو التوظيف. وساندت الرعاية والتمويل السعوديان القبائل الكبيرة، كما كانت حافزاً لمنع «القاعدة» من تدعيم وضعها في اليمن. وإذا لم يتنحَّ صالح عن السلطة فسوف تنزلق اليمن في حرب أهلية شاملة وهو ما يناسب أهداف تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
زادت الولايات المتحدة مساعداتها الخاصة بمواجهة الإرهاب إلى اليمن إلى 155 مليون دولار في عام 2010 وما يصل إلى 250 مليون دولار كمساعدة أمنية وذلك بالمقارنة ب 4.6 مليون دولار عام 2006. يتلقى اليمن الآن مساعدات بحجم المساعدات التي تتلقاها باكستان. وهو مؤشر واضح إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على أنها تهديد خطير جداً. ينظر محللو وكالة الاستخبارات الأميركية إلى «القاعدة» على أنها تهديد اكبر في اليمن بالمقارنة بباكستان.
منذ التسعينات وفر اليمن بيئة غنية لتجنيد الجهاديين. وقد استخدمتهم حكومة صالح بدورها لضرب خصومها، بما في ذلك الاشتراكيين والانفصاليين في الجنوب. وانهار اتفاق التعايش بين الحكومة اليمنية وتنظيم «القاعدة» مؤخراً لتداخل العديد من العوامل: عدم قدرة و/أو عدم استعداد حكومة الرئيس صالح لتوفير وظائف ومساعدات وعدت بها الجهاديين السابقين مثل خالد عبد النبي، تدهور الظروف السياسية والاقتصادية-الاجتماعية على مستوى اليمن، وزيادة عدد المتمردين. يضاف إلى ذلك الدمج بين فرع السعودية وفرع اليمن ل «لقاعدة» في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
إن الاستراتيجية العسكرية التي تستخدمها الولايات المتحدة في اليمن لا تعكس فهماً للصورة المعقدة للأوضاع في اليمن ولا الأخطار الكامنة للتدخل العسكري فيه. إن رداً أميركياً متسرعاً قد يعقد المسألة بالنسبة إلى الحكومة اليمنية. في الواقع، يبدو أن هجمات تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ضد الولايات المتحدة تسعى إلى جرها إلى التدخل العسكري في اليمن. وهذا السيناريو يشعل مشاعر العداء ضد أميركا ويزود «القاعدة» بمجندين جدد ودعم شعبي.
بصرف النظر عن مدى خطورة «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، فإنها تبقى مشكلة يمنية ويجب علاجها في الداخل. على اليمن أن يتولى القيادة في تعبئة الرأي العام بما في ذلك القبائل بخصوص خطر «القاعدة». لحسن الحظ هناك تعاطف ودعم شعبي محدودان ل «القاعدة»، والقبائل القليلة التي توفر ملاذاً للتنظيم تعمل ذلك تماشياً مع العرف القبلي للضيافة والشرف اكثر من كونه تشابهاً أيديولوجياً مع «القاعدة»، ونتيجة شعور مشترك للمعارضة ضد نظام صالح. لو تم التواصل مع تلك القبائل ومكافأتها، سوف تنقلب ضد «القاعدة» وتطردها من مناطقها.
وبالإضافة إلى المعضلة القانونية والأخلاقية المتعلقة بالضربات الأميركية في اليمن، فإن الاعتماد المفرط على الخيار العسكري يفاقم من الأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة في اليمن وغيره بخصوص أمن مواطنيها ومصالحها. وبينما تساهم تلك الإجراءات في قتل عناصر «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، فهي أيضاً تنفر المسلمين وتفتح الباب أمام المجموعات المتطرفة للقيام بهجمات إرهابية.
في كانون الثاني (يناير) 2010 وقّع قرابة 200 من رجال الدين البارزين في اليمن بياناً يتعهد بقيادة الجهاد ضد القوات الأجنبية، وهو رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن لا تتوسع في تعاونها الاستخباراتي والعسكري مع نظام صالح. إن أي سياسة تتجاهل السياق المحلي والظروف الاجتماعية للبلدان المعنية، ستساعد تنظيم «القاعدة».
هناك عدد قليل يتبع العولقي في اليمن وفي العالمين العربي والإسلامي. وتركز رسالته على عدد قليل من الشباب المسلم الساخط المقيمين في المجتمعات الغربية. وقبل التخطيط لتفجيرات طائرات البضائع في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، قامت قوات الأمن اليمنية والقبائل بتمشيط منطقة جبلية في محافظة شبوة للبحث عن عناصر «القاعدة» وفقاً لمسؤول امني كبير هناك، وساعدت قبيلة العولقي في عملية البحث والتمشيط. ووقّع محافظ شبوة وعشيرة العولقي اتفاقاً يتم بموجبه طرد عناصر «القاعدة» من مناطقهم والقيام بعملية مشتركة مع الجيش. كما سهلت وساطة القادة القبليين عملية تسليم اكثر من اثني عشر مقاتل من «القاعدة» لأجهزة الأمن اليمنية في محافظة أبين. وبعد محاولة التفجير سلم الكثير من مقاتلي «القاعدة» انفسهم للسلطات اليمنية من خلال وساطة قبلية. ولا يوجد دعم شعبي ل «القاعدة» في اليمن والقبائل تنحاز لمن يمنحها اكثر.
ووفقاً لمقابلاتي مع إصلاحيين وناشطين من اليمن فإن حكومة وحدة وطنية من دون صالح، تمثل معظم القطاعات الاجتماعية والأطياف السياسية، ستكون قادرة على معالجة الأزمة الاجتماعية المتجذرة من جانب و»القاعدة» من جانب آخر، ولا يوجد طريق آمن آخر للخروج من هذا النفق.
صعوبات التواصل
ليس على الفرد أن يكون متخصصاً في الجماعات الجهادية حتى يقدّر الصعوبات الكامنة في التواصل بين الفروع المحلية والتنظيم الأصلي ل «القاعدة». لم يكن بن لادن سابقاً ولا الظواهري حالياً في موقع يمكنهما من تنسيق العمليات وتخطيط هجمات محددة. لم يلعبا تقريباً أي دور عملياتي في التخطيط لأنشطة إرهابية معينة، واقتصر دورهما على الترويج للجهاد الأممي. ودعمت تلك النتيجة المواد التي عثر عليها في مخبأ بن لادن في باكستان. ووفقاً لبانيتا، وزير الدفاع الأميركي، فإن مساعدي بن لادن القليلين الباقين في باكستان كانت معنوياتهم محطمة وطلبوا منه مواجهة الأعداء بصورة علنية. ولكن بن لادن تجاهل النداء، وفقاً لبانيتا، مفضلاً سلامته وأمنه الشخصي على بقاء التنظيم.
إن مزاعم تنظيم «القاعدة» بخصوص الجهاد الأممي تركز على أن الغرب، لا سيما أميركا وبريطانيا، يشنان حرباً صليبية ضد الإسلام والمسلمين. يضاف إلى ذلك أن التنظيم يروج أن واجب كل مسلم أن ينضم إلى الجهاد ضد أعداء الإسلام.
أظهرت المحاولات الحديثة التي خططت للتفجير داخل الولايات المتحدة كيف أن «القاعدة» جسرت الفجوة الطبقية والتعليمية والمكان للعناصر التي تورطت في تلك العمليات. ففيصل شاهزاد الذي حاول القيام بتفجيرات في تايمز سكوير بنيويورك هو من الطبقة الوسطى وحاصل على الماجستير في إدارة الأعمال ومندمج في الحياة الأميركية. بينما نجيب الله زازي الذي أقر بأنه مذنب في شباط (فبراير) 2010 بخصوص تورطه في محاولة القيام بتفجيرات عدة في نيويورك، فهو مهاجر أفغاني ويتمتع بالإقامة القانونية في أميركا وسائق حافلة في مطار دنفر. يجمع بين هؤلاء انهم تحولوا إلى التطرف بأنفسهم غضباً من مظالم معينة وكانوا مندمجين بصورة كاملة في الحياة بالغرب. ويبدو انهم استوعبوا نوعاً من النظرة السياسية الدينية التي بررت لهم أخذ الأمور بأيديهم رخصة للقتل.
قال شاهزاد في المحكمة انه كان ينتقم من أميركا لأنها شنت الحرب على أفغانستان ووجهت ضربات في عمق باكستان والعراق واليمن والصومال. وتمثل حالة شاهزاد نمطاً جديداً لاستراتيجية التجنيد من اسفل إلى أعلى. وتعني تلك الاستراتيجية أن يجند الأفراد انفسهم، وهي عكس استراتيجية التجنيد من أعلى إلى اسفل وهو ما يقوم به تنظيم «القاعدة». ومع ذلك لا يزال المسؤولون الأميركيون و»خبراء الإرهاب» يركزون على علاقة شاهزاد ب «طالبان باكستان»، وبذلك يتجاهلون أن الحرب على الإرهاب تصب النار على الإحباطات وخيبة الأمل التي يعاني منها بعض الشباب في المجتمعات الغربية وتشعل التطرف المحلي داخل تلك المجتمعات.
أثارت ظاهرة التطرف من اسفل إلى أعلى أسئلة مهمة عما إذا كانت «القاعدة» قد أعادت تشكيل نفسها ولديها كادر جديد من المتطوعين كما تدعي «رواية الإرهاب» المتجذرة في المخيلة الغربية، أم أنها أصبحت تعتمد على عدد قليل من رجال ونساء مسلمين محبطين وغاضبين جراء الحروب التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي. يظهر التجنيد المحلي من اسفل إلى أعلى فداحة الأزمة الهيكلية ل «القاعدة»، ويظهر انه اثر جانبي للحرب على الإرهاب اكثر منه مؤشر على تكيف التنظيم الأصلي ل «القاعدة» مع المعطيات الجديدة.
ومع ذلك فمن الأهمية بمكان التأكيد على أن ظاهرة التجنيد من اسفل إلى أعلى لم تساعد تنظيم «القاعدة» على الخروج من المأزق الاستراتيجي الذي يعانيه جراء الضربات العسكرية الموجعة وتقلص التأييد الشعبي له، ولم يساعده في إيجاد مخرج لأزمة مشروعيته.
قد تنجح إحدى محاولات التخطيط المحلية لتنفيذ هجمات إرهابية داخل المجتمعات الغربية أو غيرها. وإذا أخذنا في الاعتبار مدى سيطرة «القاعدة» على خيال الأميركيين والغربيين، فإن أي هجوم ناجح قد يؤجج المشاعر والمخاوف الشعبية ويشدد الضغوط على القيادات السياسية بالولايات المتحدة من اجل تصعيد العمليات العسكرية في الأراضي الإسلامية. وطالما استمرت الحروب في البلدان الإسلامية، فمن المحتمل أن تكون هناك مقاومة مسلحة ومحاولة الانتقام من أميركا وحلفائها. و»القاعدة» والفصائل والأفراد الذين يرتبطون بها مثل «طالبان باكستان» وأنور العولقي سوف يستمرون في استغلال وجود القوات الأجنبية لدفع شباب المسلمين للجوء إلى العنف ضد الغزاة الأجانب.
لقد أجريت مقابلات مع العديد من المتهمين المحليين، والذين وجدوا مذنبين في المحاكم الأميركية وتقريباً أشاروا كلهم إلى الصراعات في العراق وأفغانستان وباكستان على أنها السبب الرئيسي لتطرفهم. بالطبع لقد اصطفوا ضد حرب الولايات المتحدة على الإرهاب والتي رأوها كحرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين، ولكن مشكلة الهوية كانت الدافع الرئيسي وراء لجوئهم إلى العمل المسلح.
«طالبان» و»القاعدة»
يرى كبار موظفي الإدارة الأميركية أن انتصار «طالبان» قد يقوي تنظيم «القاعدة»، ووضعوا «طالبان» و»القاعدة» في سلة واحدة. ويعتقدون أن التدخل العسكري الأميركي أمر استراتيجي لا مهرب منه. وكشفت مقابلات عدة مع هؤلاء المسؤولين أن الرئيس اوباما محاصر من قبل جنرالات المؤسسة العسكرية، وتم الضغط عليه لتصعيد العمليات العسكرية في أفغانستان وباكستان.
كان جو بايدن نائب الرئيس الأميركي هو الصوت المعارض الوحيد داخل الإدارة الأميركية لما يسمى بالعلاقة الحميمة بين «القاعدة» و»طالبان»، وقال انهما ليسا مترادفين وعارض التصعيد العسكري الأميركي في أفغانستان. ونادى بايدن بعمل عسكري محدود يركز على رجال بن لادن ومساعديه في باكستان، وذلك من خلال قوات خاصة واستبعاد التواجد العسكري المكثف في أفغانستان. وللأسف تغلب منطق وعقلية «رواية الإرهاب» مرة أخرى واللذان يساويان بين تنظيم «القاعدة» و»طالبان» على منطق بايدن. وقرر الرئيس الأميركي اوباما شن الحرب على «القاعدة» و»طالبان» في كل من باكستان وأفغانستان.
من النادر أن تستهدف «طالبان» المدنيين بصورة عشوائية مثل تنظيم «القاعدة». إن الصراع في أفغانستان هو أكثر تعقيداً من مجرد الحرب على «القاعدة». فهناك تحالفات قوية بين قبائل الباشتون وإسلاميين ضد ما يسمى التهديد الأجنبي لهوية وأسلوب حياتهم. إن «القاعدة» جزء صغير من هذا التحالف وكيان طفيلي نما في ظل غياب القانون وعدم الاستقرار. ووفقاً لمعلومات صادرة عن الاستخبارات الأفغانية فإن رجال بن لادن لا يشكلون اكثر من 1-2 في المئة من المتطوعين الأجانب الذين يحاربون إلى جانب «طالبان». ومع ذلك قرر الرئيس اوباما إرسال 30 ألف عسكري إلى أفغانستان في أوائل عام 2010، وبالتالي وصل عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى مئة ألف ، واعتبر ذلك ضرورة لحماية امن الولايات المتحدة من خطر تنظيم «القاعدة».
يجب فحص محاولات التخطيط المحلية للقيام بأعمال إرهابية وتفهم لماذا يتحول الشباب المسلم إلى التطرف في الغرب. وهذا يتطلب ضرورة توسيع المنظور الضيق «لخبراء الإرهاب».
أشعلت الضربات الأميركية في المناطق القبلية والتي قتلت المئات من المدنيين والأطفال المشاعر القومية الأفغانية والباكستانية. وساهمت تلك الهجمات بطائرات من دون طيار في تطرف قطاع حيوي من الطبقة الوسطى في باكستان ومنهم بزغ مجندون جدد. وقد لعبت هذه الهجمات دوراً محورياً في تجنيد عدد لا بأس به من المتطوعين.
وكان لأثر هذه الضربات الأميركية على العلاقات الأميركية الباكستانية أن هدد قادة من باكستان بالتوقف عن تزويد الحماية لقوات «الناتو» في حالة عدم توقف طائرات التحالف عن ضرب أهداف داخل باكستان. وهناك تصور شائع بين الباكستانيين أن الولايات المتحدة تنتهك سيادة بلدهم، وهذا التصور اصبح معلناً حتى من قبل المسؤولين الباكستانيين منذ مقتل بن لادن.
من الخطأ وضع «القاعدة» و»طالبان» في سلة واحدة. ف «القاعدة» تنظيم جهادي أممي يقود حملة إرهابية عالمية، بينما «طالبان» تنظيم قومي – ديني يقاتل من اجل طرد القوات الأجنبية من أفغانستان. وتركز «طالبان» على الجبهة الأفغانية ولا تقوم بهجمات خارج أفغانستان. وبالرغم من وجود روابط بينهما، فهما جماعتان منفصلتان ومتمايزتان، ولهما جمهور مختلف وأهداف مغايرة.
هناك دلائل واضحة على تراجع وتقلص نفوذ وقوة «القاعدة». فقد لقي معظم قادته الميدانيين حتفهم أو قبض عليهم، وقد حلت محلهم عناصر غير فعالة وذات مهارات بسيطة. هناك أيضاً صعوبة في عملية تجنيد عناصر جديدة. هناك أزمة مشروعية وضعف قدراتها على شن هجمات نوعية مثل هجمات سبتمبر 2001، كما أن قياداتها مختفية ولا تعمل في العلن لشد أزر العناصر المقاتلة، وهي تواجه بيئة معادية سواء في المجتمعات الإسلامية أو غيرها من المجتمعات.
لقد أصبح من المستحيل أن تدير «القاعدة» حرباً عالمية من خلال عناصر فردية بينما قادتها في حالة ملاحقة. وقد مثل العثور على بن لادن وقتله دليلاً على ذلك. اعتمد بن لادن على شخص واحد فقط للتواصل مع العالم الخارجي، ومع ذلك عجّل هذا الشخص بموته. هناك ملاحقة ومطاردة لعناصر تنظيم «القاعدة» ولا يوجد غطاء شعبي للتنظيم وهو عانى من أزمة مشروعية، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن يشن التنظيم هجمات مماثلة لهجمات سبتمبر 2011.
الحلقة الأولى: قدرة «القاعدة» على تنفيذ هجمات مثل 11 أيلول ضعفت إلى حد الشلل (1)
الحلقة الثانية: غزو العراق كان هدية ل«القاعدة» وسمح لها بإعادة تنظيم صفوفها (2)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.