على رغم المطالبات الدولية للمعارضة السورية بتوحيد صفوفها وإعلان رؤية موحدة تشكل بديلاً جذاباً في حال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، عانت المعارضة في مؤتمر اسطنبول امس من خلافات وتباينات ادت الى انسحاب عدد من المشاركين البارزين، إلا ان غالبية الاطياف المشاركة دعمت وثيقة سياسية قدمها"المجلس الوطني"تعد بمثابة المشروع السياسي للمعارضة السورية هي"وثيقة العهد". وقال"المجلس الوطني السوري"إن الهدف من اجتماع اسطنبول هو التوصل الى"اتفاق وطني لسورية الجديدة"يجمع"الاهداف المشتركة للمعارضة السورية لوضع نهاية للنظام السوري الديكتاتوري، وتحقيق الهدف النهائي المتمثل باقامة مجتمع تعددي مدني ودولة ديموقراطية". لكن وسط الخلافات، انشغل معارضون عن مناقشة"وثيقة العهد"التي اقترحها"المجلس الوطني"خلال اجتماع"توحيد رؤى المعارضة"في اسطنبول. ووجه مشاركون انتقادات للمجلس الوطني الذي تبنى ترتيب هذا المؤتمر، وظهرت تصفية حسابات شخصية وأخرى حزبية بين المشاركين ما أدى إلى انسحاب معظم الكتل السياسية المشاركة من خارج المجلس الوطني بعد أن طلب منهم التوقيع على مسودة الوثيقة التي تم تقديمها. واعتبر الكثير من الحضور أن التوقيع على وثيقة أعدها"المجلس الوطني"منفرداً يعني الاذعان للمجلس والانطواء تحت جناحه واعطائه مشروعية تمثيل جميع المعارضة. وأشار بعض الحضور الى تشابه كبير بين الوثيقة التي طرحها المجلس وبين تلك التي طرحها تنظيم الاخوان المسلمين ما أثار اتهامات للتنظيم بالهيمنة على"المجلس الوطني". فيما انشغل جزء من الحضور بتبادل الاتهامات حول مسؤولية انقسام المعارضة وحول تركيبة المجلس الوطني وآلية اتخاذ القرار فيه وأعضاء المكتب التنفيذي. وكان المعارض البارز هيثم المالح من بين أول الذين اعلنوا انسحابهم من المؤتمر بحجة ترأس برهان غليون الجلسة. وقال المالح إنه كان يفترض ان يترأس هو الجلسة باعتباره الأكبر سناً ولأن ترؤس غليون يعني تأكيد هيمنة المجلس الوطني على المعارضة والمؤتمر وهو ما لا يوافق عليه أحد. كما افاد المالح وهو قاض سابق في الثمانينات من عمره وسجن في عهد الأسد ووالده حافظ الاسد إنه ينسحب من الاجتماع لأن"المجلس الوطني"السوري يهيمن على الساحة"بشكل زائد ولا يتيح لنشطاء آخرين أن يكون لهم رأي". وقال مندوبون إن هذا الانسحاب كان إيذاناً بمناقشات محتدمة حول استراتيجية الإطاحة بالنظام السوري وكذلك مطالب بإصلاح"المجلس الوطني السوري". وتبع المالح في الانسحاب كمال اللبواني وجميع الكتل الكردية المكونة من 12 حزبا وتنسيقية محلية، وسط اتهامات إلى دور تركي داخل المجلس الوطني"يرفض إعطاء الاكراد حقوقاً دستورية قومية". ووجدت كتل العشائر في المؤتمر فرصة جديدة لانتقاد المجلس الوطني والمطالبة بحصص أكبر في التمثيل ضمن مكاتبه. أما الائتلاف الوطني الذي يضم عدداً من الكتل والتيارات السياسية والاعضاء الذين انشقوا عن"المجلس الوطني"، فقد هددوا بالانسحاب أيضاً في حال عدم الاستجابة لشروط على رأسها إعادة هيكلة"المجلس الوطني"بدءاً من المكتب التنفيذي وحتى أصغر قسم في المجلس. في المقابل، قالت مصادر في"المجلس الوطني"أن المجلس قام بترتيب المؤتمر بناء على طلب من الجامعة العربية لأنه أكبر تكتل سياسي بين المعارضة وصاحب قدرة تنظيمية ومالية، مشيراً الى انه لا يسعى الى فرض رأيه أو سيطرته على بقية المعارضة. وأدت بعض الوساطات الى الاتفاق على شرط اعادة هيكلة"المجلس الوطني"، مقابل توقيع أطياف المعارضة على الوثيقة المطروحة. وكانت لقاءات ثنائية وجانبية تحضيرية قد سبقت انعقاد المؤتمر تم خلالها مناقشة المسودة المقترحة والاعتراض على بعض بنودها. لكن مصادر"المجلس الوطني"قالت إن الاعتراضات لم تكن كبيرة وأنه تم تعديل الوثيقة بناء على هذه اللقاءات والاستشارات. وتنص مسودة وثيقة العهد على ان المسؤولية الوطنية الواقعة على كل القوى السياسية في الثورة السورية وجهود توحيد المعارضة ورؤيتها، هي ما يحكم اعلان المبادئ الاساسية التي ستقوم عليها الدولة الجديدة. وان سورية الجديدة ستكون"مدنية وديموقراطية وحرة تماماً"على ان تعد الحكومة الانتقالية لاجراء انتخابات لاختيار جمعية تأسيسية تضع دستور سورية الجديد، وان الشعب السوري فخور بتنوعه الثقافي والطائفي وان الكل سيساهم في بناء المستقبل. واستمع أكثر من 300 من الشخصيات المعارضة إلى الكلمة الافتتاحة التي ألقاها هاليت جيليك المسؤول بوزارة الخارجية التركية في فندق بضاحية بنديك في الجانب الواقع في قارة آسيا من المدينة. وقال جيليك"لن تترك تركيا الشعب السوري لمصيره". وأضاف أنه ليس هناك بديل سوى رحيل نظام الأسد وقدم دعمه للمجلس الوطني السوري باعتباره منبراً للتوجهات المختلفة للمعارضة. وتعول الجامعة العربية وتركيا وقوى دولية على أن يخرج المؤتمر برؤية موحدة وتكوين جبهة منسجمة قبل انعقاد القمة العربية أو مؤتمر اصدقاء سورية في اسطنبول، من أجل البناء على هذه الرؤية وتقديم المعارضة كبديل سياسي واع وناضج يمكنه أن يتحمل المسؤولية في حال سقوط النظام. وكان مسؤول تركي قد وصف المؤتمر بأنه قد يكون"نقطة تحول"يبنى عليها مؤتمر اصدقاء سورية المرتقب مواقف جديدة اكثر قوة وحزماً لدعم المعارضة.