العثور على كوكب سيّار شبيه بالأرض"،"اكتشاف منظومة كواكب تشبه نظامنا الشمسي"،"كوكب عليه ماء ويصلح للحياة"،"المريخ احتوى على ماء متدفّق في عصور غابرة". ما سبق نماذج من أخبار باتت يومية، تؤشّر كلها إلى وجود انشغال واسع بسؤال قديم: هل هناك كائنات حيّة في الكون، غير البشر؟ ما لا ينفيه الدين تأسّس الحديث العلمي عن حضارات ذكيّة خارج الأرض على قاعدة أن ظاهرة الحياة والإنسان جزء منها تأتي من تطوّر طبيعي مفترض للمادة العضوية. وقبل ظهور فرضيات تشارلز داروين عن تطوّر الكائنات الحيّة على الأرض، نوقش إمكان وجود كائنات كونية ذكيّة، في سياق منطق الأديان وتصوّراتها. ولم يمنع معظم الفقه الإسلامي التفكير بإمكان وجود حضارة كونيّة، خصوصاً أن آيات قرآنية كثيرة تتحدّث عن وجود عوالم وسماوات، ولا تحصر الأمر بعالم مُفرد بعينه. كذلك لم تشغل غالبية فقهاء المسلمين نفسها بالبحث عن مسألة الحضارات الكونية. في المقابل، شهد اللاهوت الكنسي جدلاً كبيراً حول هذا الأمر، وكانت الدفة فيه تميل مرّة لمصلحة القول بوجود حضارات كونيّة، وتميل مرّات ضده. ففي القرون الوسطى كان الإنسان وحده معنياً بالاهتمام الإلهي. ولم يخاطب الإنجيل سوى بني البشر كرعيةٍ وحيدة في الكون، بل كان كوكب الأرض مركز الكون ومحوره وجودياً. وتكرّست الصورة مع التشديد على الطبيعة المزدوجة للسيّد المسيح، وهو أمر لم يجرِ إلا على كوكب الأرض وحده، وآلامه كانت من أجل البشر. ومنذ نهاية القرون الوسطى وبداية النهوض العلمي في الغرب، وظهور فرضيات عن التطوّر الفيزيولوجي للجنس البشري، تعرّضت الرواية الإنجيلية عن الجنس البشري، للنقد والجدال. وترافق هذا مع قبول تدريجي بإمكان وجود كائنات حيّة ذكيّة في الكون، غير الجنس البشري. ومثلاً، ظهر تأويل يضع انتصار السيد المسيح على الشيطان وتخليصه البشر، في هذا السياق. على رغم اكتشافات متواترة وأنباء لا تكفّ عن التهاطل يومياً، يجب التشديد على أن علماء الفلك لم يعثروا لحد الآن على أثر للحياة في الكواكب السيّارة التي رصدوها في الكون. وباءت بالفشل محاولات البحث عن إشارات راديوية ذكيّة في المنظومات النجمية، وهو أمر مهم لأنه إذا افترضنا وجود من يراقب الشمس من مسافة بعيدة، فسيلتقط موجات راديو كثيرة صادرة من البشر الذين يقطنون الأرض. وبات الفلكيون لا يتوقعون وجود حضارة مدنية متطورة ضمن مسافة مئة سنة ضوئية من الأرض. وللوصول إلى مسافات أبعد من هذا، مع افتراض تطوير صواريخ تستطيع السفر بسرعة خيالية تصل إلى عُشر سرعة الضوء، يحتاج الأمر لسفر يدوم ألف عام على الأقل. وحتى أن الاتصال الراديوي مع حضارات خارجية مفترضة، على مثل تلك المسافات، ستكتنفه فوارق زمنية تقاس بالقرون بين التحية ورد التحية! لذلك، فإن فكرة التواصل مع حضارات كونية، لن تنجح قبل الألفية المقبلة على أقل تقدير. وحتى لو جرى التسليم بمقولات داروين عن التطوّر والارتقاء، لا تزال كثرة من الآراء العلمية متحفّظة حيال وجود ذكاء غير بشري في الكون، ما يعني أن هذا الجدل في شأن هذا الأمر لم يحسم... ليس بعد!