هناك مسافة شاسعة بين أن يكون كوكب ما مؤهّلاً لاستضافة أشكال للحياة، وظهور هذه الأشكال فعلياً عليه. ولم تلحظ المسابير الفضائية التي أرسلت إلى كواكب المجموعة الشمسية، منذ سبعينات القرن العشرين معالِم للحياة عليها. وحتى الأمس القريب، كان الاعتقاد شائعاً بأن المريخ ربما كان موطناً لبناة أقنية عملاقة افتُرِضَت عند المُشاهدات الأولى للكوكب الأحمر بواسطة تلسكوبات بدائية، أو ربما احتوى شكلاً بدائياً للحياة على سطحه. وتبدّد هذا الأمل منذ هبوط المسبار «فايكنغ» عام 1976 على سطح المريخ والتحليل الأولي لتربة الكوكب الأحمر. هناك طرق أخرى للبحث عن حياةٍ خارج الأرض تعتمد على تفحّص صخور النيازك التي تضرب الأرض. وأثبتت الصخور القمرية التي أحضرها رواد مركبات «أبوللو» بين عامي 1969 و1972، أن القمر جرم ميت لا حياة عليه. وعاد الأمل بإمكان وجود حياة على المريخ حين أعلن علماء ال «ناسا» في عام 1996 عن اكتشاف نيزك مريخي يحتوي على كريات كربونية ميكروسكوبية شبيهة بالآثار التي تُحدِثها البكتيريا. واندلع جدال بين العلماء في هذا الأمر. إذ أثار بعضهم إمكان أن تكون البكتيريا، إذا وُجِدَت، دخلت إلى النيزك أثناء سفره من المريخ إلى الأرض. وثمة احتمال أن تتشكّل بعض البروتينات المُكوّنة لحمض الوراثة «دي إن أي» تحت تأثير التفاعل بين أشعة كونية ومركبات كيماوية مثل الكربون والهيدروجين والأوكسيجين والنيتروجين ومجموعة من عناصر قليلة أخرى. ولا يجري هذا الأمر الفائق التعقيد بمحض الصدفة. ما حدث هنا ربما يحدث هناك هناك رأي علمي حديث يذهب إلى القول بأن الأشكال الوحيدة الخلية ظهرت بعد ولادة كوكب الأرض ببليون سنة، بينما احتاجت الحشرات والحيوانات المتعددة الخلايا ثلاثة بلايين سنة للظهور. ويعني هذا أن التطوّر نحو حياة حيوانية هو أمر لا يقلّ صعوبة عن ظهور الخلية المُفردة الأولى. وذهب عالِم الرياضيات الفيزيائية الأميركي فرانك تبلر (يعمل في جامعة تولين في ولاية لويزيانا) إلى القول بأن الحضارات الكونية الذكية، إذا ظهرت، لا تُعمّر طويلاً، لأنها ستدمر نفسها بنفسها عبر حروب نووية أو بيولوجية، أو إحداث تغيّر كارثي في المناخ وغيرها. في المقلب الآخر من هذا الجدال، ثمة من يسأل عما يمنع ظهور الحياة في كوكب آخر، طالما أنها ظهرت على الأرض. وناقش الفيزيائي الإنكليزي بول تشارلز دايفيس في أن الحياة هي إحدى الوظائف الحتمية التي تترجم بحث بعض تجمّعات المادة عن تنظيم نفسها بنفسها. ورأى دايفيس الذي ألّف كتاباً بعنوان «المعلومات وطبيعة المعرفة: من الفيزياء إلى الميتافيزيقا»، أن الحياة والوعي صفتان أساسيتان في الطبيعة، تنتجان من القوانين العلمية في النظم المادية بمجرد وصولها إلى مستوى معيّن من التعقيد. واستطراداً، اعتقد دايفيس دوماً بأن الحياة تملأ أرجاء الكون. لكن دايفيس لا يشرح هذا التعقيد ولا ماهية القوانين العلمية التي ترعى تطور المادة المفترض باتجاه الحياة والذكاء. ويرد البعض على هذا الرأي بالقول بأنه لو كان صحيحاً، لكانت مجرّتنا «درب التبانة» تعجّ بحضاراتٍ كونية، بل لكانت إحداها تمكنت من ملاحظة وجود البشر وزيارة كوكب الأرض. وبما أنه ليس هناك أي دليل أكيد على زيارة كائنات فضائية لكوكبنا، خلا قصص متناثرة يصعب اتّخاذها دليلاً موثوقاً، فإن وجود مخلوقات ذكية غير-أرضية هو نادر إن لم يكن معدوماً. وفي المقابل، لطالما ردّد عالِم الفضاء الأميركي الراحل كارل ساغان أنه لو كان باستطاعة البشر التواصل مع حضارات خارجية متطورة، لساعدهم هذا في تطوير علوم الأرض وفنونها ونُظُم الحكم فيها. ولاحظ دايفيس أن تأثير الأديان التقليدية يتراجع مترافقاً مع تصاعد الاعتقاد بكائنات فضائية خارقة، فكأن الأخير نوع من «دين بديل» ينتشر لدى العوام والعلماء على حدّ سواء. وأضاف أنه من دواعي السخرية أن الإنسان بعد ابتعاده عن الله رب السماوات والأرض، لا يزال يبحث عن خلاصه في السماوات! تناقض فيرمي ومعادلة درايك اتّخذ السؤال عن الكائنات الفضائية منحىً جدياً في خمسينات القرن الماضي مع عالِم الفيزياء النووية أنريكو فيرمي، وهو أبو القنبلة الذريّة الأولى، الذي عرض مسألة عُرِفَت دوماً باسم «تناقض فيرمي». ارتكز فيرمي على التناقض الظاهر بين التقديرات العالية لاحتمال وجود حضارات فضائية، وغياب الدلائل القوية عليها. إذ يملك الكون عمراً مديداً يزيد على بلايين الأعوام، ويضمّ أيضاً عدداً هائلاً من النجوم، ما يفترض أن الحياة لا بد من أن تكون سائدة خارج كوكب الأرض، إلا إذا كان لكوكب الأرض ميزة استثنائية في أمرٍ ما! ولاحظ فيرمي أن عدد النجوم في «درب التبانة» يتراوح بين 200 و400 بليون نجم، ويصل عددها في الكون المنظور إلى قرابة 70 ألف بليون بليون نجم. ورأى أن هذه الأرقام تبرر القول بحضارات كونية ذكية، ربما كان بعضها في «درب التبانة». في سياق مماثل، لاحظ أن عمر الكون ربما لا يقل عن 13 بليون سنة، ما يعطي تطاولاً زمنياً يكفل تطوّر بعض الحضارات الكونية لمستوى يتيح لها الخروج من كواكبها لاستكشاف الكون، ما يعني أن نشاطاتها تكون ملموسة في شكل ما. فأين هي هذه الحضارات؟ أين مركباتها الفضائية أو موجات راداراتها؟ واستطرد فيرمي ليقول أنه لو وُجِدَت حضارة كونية قديمة، لمارست استكشاف الفضاء بعد بضعة ملايين السنين من وجودها. لعل أكثر النظريات محاكاةً لتناقض فيرمي كانت معادلة عالِم الفضاء الشهير فرانك درايك، وهو من روّاد البحث عن كائنات ذكيّة في الكون، الذي أسس مركز «سيتي» المتخصّص في هذا النوع من البحث. كتب درايك معادلته في عام 1961 بعد عقد من الزمن على تناقض فيرمي وكتاباته ونقاشاته. استندت هذه المعادلة على عدد من العناصر التي تشمل معدل تشكّل النجوم في مجرّة ما، نسبة النجوم التي لديها كواكب سيّارة تدور حولها، ونسبة الكواكب السيّارة التي ربما استطاعت استضافة أشكال حيّة، نسبة الكواكب التي تتطور بيئتها إلى بيئة حيّة، معدل ظهور الذكاء في الكواكب السيّارة، نسبة العوالم التي وصلت بذكائها إلى تطور تكنولوجي يتيح للبشر التقاط دلالاته، وأخيراً معدل المدة الزمنية التي احتاجها البشر للتواصل مع حضارة كونية متطوّرة. تتمثّل المشكلة الرئيسية في هذه المعادلة في أن العناصر الأربعة الأخيرة لا يُعرَف شيء عنها حتى الآن. ليس لدى البشر سوى نموذج وحيد عن الحياة الذكيّة (هو كوكب الأرض)، ما يجعل تطبيق علوم الاحتمالات عليها أمراً مستحيلاً. ومن الطريف أن القائلين بتوافر حضارات كونية والرافضين لهذا الرأي، استخدموا معادلة درايك دليلاً على صحة ما ذهبا إليه! ومثلاً، أعطى عالِم الفضاء ساغان معادلة درايك أرقاماً متفائلة في بحث أجراه في عام 1966، فخلص إلى استنتاج بوجود مليون حضارة ذكيّة في مجرة «درب التبانة»! لاحقاً، اعترف ساغان بأن أرقامه كانت مبالغاً فيها. واستخدم العالِم تبلر أرقاماً متشائمة، فتوصّل إلى استنتاج مغاير مفاده أن عدد الحضارات الذكيّة في مجرة ما هو أقل كثيراً من... واحد! واحتدم الجدال في هذا الأمر. وأصبحت المعادلة أعجز من أن تحل تناقضاتها الذاتية بدل أن تحل تناقض فيرمي. وانتقد درايك نفسه معادلته قائلاً: «إنها لا تنفع كما يبدو لحل معضلة فيرمي، لكنها مجرد طريقة لتنظيم جهلنا حول موضوع الحضارات الفضائية». * اختصاصي لبناني في الفيزياء