دعا المشاركون في ندوة"تاريخ الكتاب العربي ودوره الحضاري"إلى تعميق الدراسات التي تُظهر مساهمة العلماء المسلمين في تأسيس جذور النهضة الحديثة في المجالات كافة، وإنتاج كتاب مرجعي ليكون مشروعاً بحثياً بمشاركة"الإيسيسكو"ومكتبة الإسكندرية. وأوصوا بتأسيس قاعدة بيانات أو موسوعة علمية في مجال تاريخ الكتاب العربي والعلوم العربية، ومتابعة حركة تطورها الإيجابية والسلبية والاستفادة من نتائجها في تصحيح المسار الفكري للأمة، ودراسة الأفكار غير السديدة التي تسربت إلى تراثها وحياتها في مراحل الضعف والتهاون، وتنبيه الأجيال المقبلة إلى كل ذلك لتجنب الأخطاء الفكرية. وحضّ المشاركون على متابعة الجامعات ومراكز البحث والأفراد أبحاثهم في مجال تحقيق التراث مع التركيز على ما لم يحقق منه، أو ما تمَّ تحقيقه بصورة غير علمية، أو بصورة ناقصة اعتماداً على نسخة واحدة أو اثنتين مع وجود غيرها مما قد يضيف جديداً، أو يُصحح خطأ، أو يُكمل نقصاً، أو يُرتب مختلطاً، أو يحقق غير ذلك من أغراض التأليف. كما أوصت الندوة بالعناية بالترجمة والنقل للعلوم في الكتاب القديم والمعاصر لدراسة مدى استفادة الحضارة الحديثة من تراثنا، وإمكانات استفادة أمتنا من الحضارة الحديثة عن طريق الترجمة والنقل، والتشجيع على التأليف والترجمة والنشر لكل أنواع المعارف، واعتبار ذلك استثماراً مهماً في مجال الإنسان، واتباع أساليب مدروسة في هذا الشأن حتى يؤدي هذا الاستثمار نفعه المؤكد من دون طغيان الجانب النفعي والتجاري على الأهداف المرجوة، وشددت الندوة أيضاً على ضرورة السعي لإنشاء كشاف عربي على"الإنترنت"يوازي كشاف"غوغل"، وضرورة الاهتمام بالمكتبات الرقمية وإنشاء مكتبة رقمية إسلامية جامعة. الندوة نظمتها أخيراً المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة"إيسيسكو"بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، بمشاركة باحثين وأكاديميين من المغرب، مصر، تركيا، سلطنة عُمان، لبنان، السودان، ناقشوا 13 بحثاً خلال ثلاث جلسات تناولت المحاور الآتية: واقع الكتاب العربي وقيمته الذاتية ودوره الحضاري، الكتاب العربي وأثره في التواصل بين الحضارات، أثر الكتاب العربي في عصر النهضة الحديثة. وعلى رغم الظروف التي تمر بها مصر فإنه يُحسب لمُنظمي الندوة اتساع مساحة الوقت المُتاحة للباحث لعرض ورقته، وكذلك إتاحة الفرصة للحضور في المناقشة والتعليق، وذلك لتناسب عدد الأوراق مع التوقيت الزمني للندوة بعكس المُتبع في غالبية الندوات والمؤتمرات التي تُعقد في كل المحافل العربية، والتي يتم فيها الزج بعدد كبير من الأوراق لا يقل في الغالب عن 50 ورقة بحثية تتم مناقشتها خلال يومين، فلا تتحقق الفائدة المرجوة من تلك الفعاليات بالنسبة إلى الباحث أو جمهور الحضور. في كلمته الافتتاحية أشار ممثل"الإيسيسكو"الدكتور عبدالحميد الهرامة إلى أن الندوة تُعمق البحث في رحلة الكتاب العربي منذُ انطلاقته في الحوار الفكري بين المذاهب والأديان والأمم والأفكار، وتبرهن بالحجة العلمية على أثر العرب والمسلمين في النقلة الحضارية التي شهدتها الإنسانية منذ القرن الخامس عشر الميلادي تمهيداً للحضارة العالمية المعاصرة، ولفت الهرامة إلى أن هذا البحث العلمي ليس من قبيل الترف الفكري والنقاش الذي لا طائل من ورائه، فالاعتراف بأثر العرب والمسلمين في تأسيس النهضة الحضارية المعاصرة يرفعُ من ثقة الأجيال المعاصرة والمقبلة في ذاتها، حيث إن الأمة التي ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية يمكن أن تساهم في صناعتها من جديد. وأكد الدكتور خالد عزب مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية أن المكتبة تهتم بتاريخ الكتاب الذي بدأ من الحفر على الحجر حتى وصل إلى الكتاب الإلكتروني، مبيناً أن المكتبة تضم مركزين لدراسة تلك المجالات وهما: مركز الخطوط والنقوش والكتابات، ومركز المخطوطات. وأشار إلى أن قطاعي المكتبات وتكنولوجيا المعلومات يهتمان بالكتاب الإلكتروني، حيث إن المكتبة تقدم أكبر موقع رقمي للكتاب العربي DAR، والذي يقدم الكتب للجمهور مجاناً في خدمة غير مسبوقة، ويجرى تعزيزه كل يوم بالجديد من الكتب. ومن الأوراق التي نوقشت بالندوة ملحمة الكتاب العربي للدكتور أحمد شوقي بنبين"مدير المكتبة الملكية الحسنية بالرباط أشار فيها إلى أن رحلة الكتاب العربي تعد ملحمة استغرقت 1400 سنة، وتميزت بعدد كبير من المحطات البارزة، والكثير من العقبات. وشدد على أن الكتاب العربي يعد ركناً من أهم الأركان التي بنيت عليها الحضارة الإنسانية، وأن النهضة العربية أحدثت تغييراً كبيراً في حياة الإنسان الأوروبي. وأكد أن كل ما أثير حول الكتاب العربي لم يتناول إلا جزءاً بسيط من الملحمة التي مر بها، وأنه يحتاج إلى دراسة أكاديمية جادة. وتحدث الدكتور محمد خليل الزروق من جامعة بنغازي عن"رحلة الكتاب العربي إلى مكتبة زاوية الجغبوب"والتي أسسها الإمام السنوسي وجلب إليها نفائس الكتب مخطوطها ومطبوعاتها، والكتب الموجودة بخزانتها فقد نيفت على الثمانية آلاف مجلد من تفاسير وأحاديث وأصول وتوحيد وفقه وغير ذلك من كتب العلوم المعقولة والطبيعية وغير ذلك. وأصاب هذه المكتبة تلف وضياع خلال الاستعمار الإيطالي، واستقرت البقية القليلة الباقية منها في مكتبة جامعة بنغازي الآن والتي تُعد من أهم المجموعات المخطوطة في ليبيا، وهي نحو ثلاثة آلاف كتاب، وصدر لها فهرس في ثلاثة أجزاء. وتناول الدكتور فيصل الحفيان"مدير معهد المخطوطات العربية في القاهرة"الكتاب النحوي - تضاريس التأليف وأشكاله في القرون الأولى"، مبيناً أن علم النحو هو أول علم عربي متكامل نظرياً، وهو العلم الذي ارتبط بالقرآن الكريم ارتباطاً مباشراً. وأوضح أن الفجوة في علم النحو تمتد إلى أكثر من قرن ونصف، فإن كتاب سيبويه هو أول كتاب وصل إلينا لكن، ليس أول كتاب وجد في تراثنا عن النحو العربي. واستعرض الدكتور أيمن فؤاد السيد"مدير مركز تحقيق النصوص في جامعة الأزهر"الانتاج الفكري العربي الاسلامي في القرون الاولى للإسلام"، كما يوضِّحه كتاب"الفهرست"للنديم، والذي يقدم أشمل عرض للإنتاج الفكري العربي الاسلامي في القرون الاربعة الاولى للإسلام، حيث يعرض لمناهج التأليف العربي الاسلامي وتنوع فنونه مع تطور المدارس الفكرية واللغوية والنحوية والادبية والكلامية واستوائها في القرن الرابع الهجري، خصوصاً بعد الاتصال بحضارات الامم السابقة من خلال حركة الترجمة والنقل التي بدأت في عصر المأمون في بيت الحكمة. وعن"الكتاب العربي في لبنان"، أشار الزميل في"الحياة"محمد علي فرحات إلى أن اللبنانيين يميلون إلى التذكير بارتباط قديم بين الكتاب وبلدهم، وتحديداً المدينةاللبنانية بيبلوس جبيل، ومع انتشار اليونانية في الغرب انتشرت كلمات تذكر ببيبلوس مثل"بيبليوغرافيا"الفهرسة، ولا"بيبليوتيك"مكتبة، و"بيبليوماني"الولع بالكتب وغيرها، لافتاً إلى أن الاتصال المبكر بين جبال لبنان وأوروبا ترافق مع نهضة هذه الأخيرة وتراجع للسلطنة العثمانية والذي بدأ بطيئاً ثم تسارع حتى سميت"الرجل المريض"فاخترقها الأوروبيون قبل أن تتحلل بعد الحرب العالمية الأولى. وأضاف فرحات أن الاتصال اللبناني لا الأوروبي المبكر اتخذ طابع التبشير المسيحي، لكن تأثيره الثقافي وصل إلى المسيحيين الشرقيين وإلى المسلمين أيضاً. وأكد أنه في هذا الإطار، ولد الكتاب اللبناني في مطابع عربية هي الأولى في الشرق زمنياً سبقت مطبعتي نابليون وبولاق في القاهرة، وتجاوز نتاج مطابع لبنان الشأن الديني إلى إحياء التراث العربي وتعليم اللغة العربية، وصولاً إلى نشر المعارف والآداب الحديثة والترجمات عن لغات أجنبية. وعن"الكتاب العربي ودوره في قيام النهضة الأوروبية الحديثة"أوضح الدكتور أحمد الصديقي من المغرب أن الترجمة كان لها دور كبير في الحوار بين الحضارات، وأن مدينتي طليطلة وصقلية يعتبران من أهم المراكز الأوروبية لترجمة النصوص العربية ونقل التراث العربي المكتوب من العالم العربي لأوروبا. ومن جامعة سوهاج تناول الدكتور علاء الدين عبدالعال أدوات كتابة وتجليد المخطوط الإسلامي وتطورها وتنوعها عبر العصور الإسلامية، بدءاً من عصر الرسول"صلى الله عليه وسلم"وحتى العصر العثماني، وذلك من خلال المصادر التراثية والخطية المختصة في فن الكتاب والخط، وأيضاً من خلال ما بقي من مصادر مادية تزخر بها متاحف الآثار في شتى بقاع العالم، كما عرض لعلاقة استخدام هذه المواد والأدوات بمستوى جودة الخط والمخطوط، واستخدامها في تجليد المخطوطات الإسلامية وتزويقها لتبدو في هيئة مميزة تتوافق وقيم الفن الإسلامي. وتناول الدكتور يوسف فضل"الكتاب العربي في أفريقيا وأثره على التواصل الحضاري"، مبيناً أنه من نتائج المد الإسلامي العربي الذي عمّ أجزاء من بلاد السودان، ظهور مجموعة من علماء السودان الذي تبحروا في المعارف الإسلامية وتمثلوها تمثلاً شمولياً، إذ نهلوا من علوم الشريعة واللغة العربية والتصوف والتاريخ حتى صاروا مثل علماء المشرق.