أصبحت حوادث سقوط مبانٍ أمراً متكرر الحدوث في بعض دول منطقتنا، لا بل ومتوقعاً بين لحظة وأخرى في ضوء فداحة التقارير التي تصدر عن البلديات وهيئات التنظيم المدني وسواها من الجهات المسؤولة عن الكشف الدوري للمباني، وتحويلها إلى الصيانة أو الإخلاء في حال عدم صلاحية السكن فيها، فحوادث انهيار المباني في لبنان ومصر ما هي إلا جزء من صورة اكبر لم تصلنا بعد تفاصيلها كلها عبر وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كان الانهيار الأخير لمبنى في الأشرفية ببيروت كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى، إلا أنه ليس كارثة عقارية أو هندسية على الإطلاق، ذلك أن العمر الافتراضي لهذا المبنى انقضى، فمرور 50 سنة على قيام المبنى على أساس هندسة معمارية غير محترفة بمعايير عصرنا، قادر بالطبع على إحداث كارثة انهيار في أي وقت. وتورد تقارير إعلامية أن يد الصيانة لم تمس هذا المبنى لتؤجل وقوعه، إلى جانب عشوائية الحفريات من حوله التي عجلت في انهياره، وعواصف الطبيعة التي أثرت في ثباته... كلها أسباب تراكمت لتساهم في استكمال فصول هذه الكارثة. وحتى لا يتكرر سقوط مبنى مع كل عاصفة، وعلى رغم عدم جواز تبرير غياب المراقبة والصيانة والمعاينة عن مبان قديمة كهذه، يمكن أن تطرَح شكوك في شكل اكبر حول الانهيارات التي يتكرر حدوثها في المباني الحديثة التي لم يتعد عمرها 10 سنين مثلاً، فلا شروط واضحة في البناء، وإن صحت الشروط والمعايير فلا مواد بناء تلتزم بالحد الأدنى للجودة، وإن كانت المواد جيدة، فلا أساليب تنفيذ دقيقة، ونهايتها غياب أعين المراقبة والمعاينة التي تحاسب، أو تمنع الترخيص إن شاءت، حتى يلتزم المقاول بالمعايير العالمية للبناء. والأمر بالطبع لا يطاول المباني السكنية وحسب، وإنما يمتد إلى الطرق وأعمال البنية التحتية والمشاريع العقارية على أشكالها. ومع كل كارثة تعلو الصرخات التي تتساءل عن الأسباب، والأسباب واضحة، وهي غياب القوانين العقارية الحازمة أو غياب تطبيقها، ومعايير البناء الصارمة، والمعاينة الجدية. لكل بلد في العالم قوانينه الخاصة لناحية البناء، إلا أن هناك بعض المعايير العالمية التي يجب توافرها ولو بالحد الأدنى لتجنب أي خسائر بشرية أو اقتصادية أو اجتماعية تفرض أعباء إضافية على الحكومات والشعوب، لم تكن في الحسبان. إن عشوائية البناء، وكثرة الأبنية المخالفة، فضلاً عن المباني التي تعاني من التصدعات والشروخ لسبب أو لآخر، وعدم الالتزام بالمواصفات الفنية والتنظيمية، والاهتمام بنوعية التربة التي تقام عليها المباني، وتجاوز الأحمال والارتفاعات المسموح بها وغيرها كثير من الأسباب التي يصعب حصرها، تساهم في تقصير العمر الافتراضي لأي مبنى، ليبرز عند هذا الواقع حل ترميم المباني في محاولة لإنقاذها، كحل وحيد وإلزامي. لكن، وفي كثير من الحالات، قد يكون هدم المباني المتصدعة وإيجاد البديل السليم لسكانها هو الحل الأمثل والأقل كلفة وسلامة واستمرارية ريثما تتمكن بلداننا من اللحاق بقوانين البناء العالمية والأساليب الهندسية المتقدمة التي تبحث كل يوم في أساليب تحمي البناء من زلزال وليس من عاصفة رياح عاتية فقط. * مدير أول للعلاقات العامة في"شركة صحارى للاستشارات الإعلامية"