أصر صديقي المهندس المدني أن أخرج معه في جولة على أحياء جديدة في الرياض؛ لنقف معاً على ما يرى أنه كوارث قد تؤدي إلى تداعيات سلبية في الجانب الإنشائي؛ ربما يقود بعض منها إلى انهيارات. ويمكن تلخيص تلك التجاوزات – التي تغيب عن عين المراقب الرسمي – في الهيكل الإنشائي (العظم)، وقبل ذلك في جودة التربة. كيف: الهيكل الإنشائي يقوم الحديد والأسمنت، ببساطة الأول يمكن الغش في خفض كمياته أو عدد الأسياخ في العامود.. بما لا يتناسب ومخطط البناء، في الاسمنت من العلوم أن السائل منه له عمر افتراضي؛ إذا زاد عنه أصبح غير صالح ويمكن بيعه (بثمن بخس) إلى ينشد التوفير ورفع الأسعار. أما الغش والتمادي في مواد التشطيب، مثل الكهرباء والسباكة وغيرها؛ فهذه – على الأقل – يمكن ملاحظتها ومشاهدتها عند الشراء. يقول هذا الصديق أن ظاهرة الغش هذه؛ تنامت بشكل كبير - للأسف – مؤخراً، رغبة من أصحابها خفض تكاليف البناء، ورفع نسبة الأرباح. عندما أقول غير مرة أن ضخ المنتجات العقارية من خلال شركات كبرى ومتوسطة أو حتى صغيرة، هو أساس التوطين الإسكاني الأجود.. ذلك أن تلك الشركة تحتاج إلى وقت كي يكتمل منتجها، ولذلك فإنه يهمها جداً الحرص على سمعتها؛ إضافة إلى ضمان البناء الذي يجب أن لا يقل عن عشر سنوات. إذا أن كان ولابد؛ أن يشترك الأفراد في التوطين الإسكاني من خلال البناء الاستثماري؛ فيجب أن يكون افراغ (بيع) تلك الوحدة السكنية المبنية عن طريق (فرد)، وهي بلا ضمان رسمي.. افراغ بضمانات رسمية من مكتب هندسي تابع البناء، وشركة لاختبارات التربة قبل البناء. الغش في البناء لم تعرفه السوق العقارية حتى عهد قريب لكنه انتشر حالياً في ظل تصاعد وتيرة البناء وتضاؤل الدور الرقابي في الإشراف على المباني الحديثة والتأكد من سلامة المبنى وتنفيذ المقاول كافة شروط البناء التي يجب أن خضوعها لمكاتب استشارية. ولا يزال يشهد السوق العقاري السعودي حراكاً في عمليات بيع العقارات من قبل أفراد أو مؤسسات فردية يشوبها بعض الغش في المباني أو الخرسانة أو التشطيبات مما يعرضها للتلف السريع أو تسربات في المياه. ولم يسجل العام المنصرم أي مشاريع (ميجا) لشركات التطوير العقاري الكبرى، مما يعني أن العرض كان فقط من خلال قنوات الأفراد؛ أو البناء الشخصي، وأدى ذلك إلى التوسع في عمليات بيع مفردة وتكون في العادة رديئة على الرغم من اتمام عمليات البيع، ويرجع ذلك إلى جهل المشتري بوضع المباني أو بعدم اللجوء إلى مكاتب استشارية متخصصة، ما قد يدخله في نفق مظلم من المطالبات أو الإصلاحات للبنية التحتية في المبنى. والمطلوب ألا تتم مثل هذه البيوع إلا بعد فسح أو تعميد من المكاتب الاستشارية الهندسية المتخصصة التي تتحمل المسؤولية كاملة فيما بعد وذلك لتجاوز هذا النوع من المبيعات التي تتم من دون دراسة أو اختبار، وإيجاد آلية مناسبة لتنظيم عملية شراء العقارات ليتناسب مع حجم الإنجاز من جهة وليتوافق مع شروط التشطيبات والمواصفات التي تم الاتفاق عليها بين طرفي العلاقة من جهة أخرى. وإيجاد مثل هذه الآلية كفيل بحماية المشترين من أي غش أو تلاعب غير مبرر خلال التسليم، ويعالج مواطن الخلل الحالية، وبالمقابل يعطي الجهات الرقابية اليد العليا في ضبط المسائل المتعلقة بتطوير العقارات وعدم ظهور أي مظهر من مظاهر التطوير العقاري الوهمي. ولا تخلو المنازل والشقق الجاهزة رغم هندستها المعمارية المتقدمة من الغش والتدليس في معظمها، وهي أحد أساليب التحايل والنصب السائدة في السوق العقارية الآن، إذ يتعمد من يشيد مثل هذه النوعية من البيوت وضع المواد الرخيصة في أساسياتها ومكوناتها، وعدم الالتزام بالمعايير الهندسية المطلوبة للبناء كإنقاص كمية الحديد في القواعد والأعمدة والجسور والأسقف والأسوار والمواد العازلة، فضلا عن مكوناتها الرخيصة الكهربائية والصحية والأبواب والنوافذ والأصباغ والأرضيات والديكورات... وغيرها. البحث عن الرخيص دائما ما يكون له ثمن باهظ في آخر المطاف.. لذلك ينصح استشاريون بأنه على من يرغب في تنفيذ التشطيبات أن يعتمد على مؤسسة متخصصة لها خبرة كبيرة في هذا المجال، وألا يخدعه فرق السعر فان الفرق الذي سيحصل عليه سيقوم بإعادة دفعه بشكل أكبر. وأغلب المشترين للشقق والمنازل ممن وقع ضحية لاستغلال البعض في تنفيذ المساكن من مواصفات جيدة.. دفعهم إلى استبدال 90% من المواد الصحية والكهربائية والدهانات فضلا عن ترميم الكثير من التصدعات التي طرأت على الأرضيات والجدران والأسقف بسبب الغش وتسربات المياه. وينصح خبراء المشترين بعدم التسرع في إتخاذ قرار الشراء للمنازل الجاهزة، أو يندفعوا وراء الأسعار الرخيصة، ولا التيسير بدفعات، إلا بعد عرضها على مكاتب استشارية في هندسة المباني، لأنها ستحمل المشتري أعباء تفوق طاقته نتيجة اضطراره لتغييرها بعد وقت قريب من التملك، وربما أيضا يحتاج معها إلى عمليات ترميم واسعة بعد سنوات قليلة من سكنه. ويرجع مسؤولون تفشي ظاهرة الغش إلى غياب القيم الأخلاقية والمبادئ التجارية لدى المصنعين والموردين للمنتجات المقلدة والمغشوشة، إضافة إلى قلة إعداد الكوادر المتخصصة في الكشف عن السلع المغشوشة والمقلدة، إضافة إلى عدم وجود شبكة ربط آلية بين الجهات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة، وطول الإجراءات المتبعة في قضايا الغش، بالإضافة إلى قلة وعي المستهلك. ويشكل الغش عائقاً نحو جهود التنمية الاقتصادية للدول، ويعرض سلامة المستهلك للخطر، حيث نهج البعض هذه الأساليب من أجل الكسب السريع غير المشروع دون تقدير لما يترتب على ذلك من أضرار. ولتحجيم عمليات البيع والشراء التي تتم سواء بقصد أو عن غير قصد، لابد وان يعتمد مكتب استشاري يكون مسؤولا مسؤولية تامة في حالة وجود غش واضح في البناء، باعتبار المكتب سيقوم بفحص المبنى فحصاً دقيقاً، ويكون ذلك بديلاً عن تقديم الشكاوى إلى البلدية التي يعتبر دورها محجماً بعض الشيء فيتم تحويلها عن طريق الحقوق المدنية ثم تحويل القضية إلى مكتبين هندسيين احدهما من قبل البائع والآخر من قبل المشتري ويتم أخذ عينات من المبنى ويتم إرسالها إلى مختبرات خاصة تقوم بفحص العينات وتحديد نسبة العيوب. وينصح متخصصون في الشأن العقاري أن يتم الشراء المنازل عبر مكاتب متخصصة أو تحت متابعة دقيقة لسير عمل المبني وخلوه تماما من العيوب التي ربما تكون غير واضحة ظاهريا، مشيرين إلى أن يكون الإشراف على المبنى من قبل المكاتب المتخصصة التي تكون في العادة على معرفة تامة بمواد البناء المغشوشة أو الخرسانة المغشوشة والتي يتم بيعها بنصف الثمن إذ مر عليها 3 ساعات ما تحدث تشققات في المبنى بعد فترة قصيرة من بنائه. وأبدى خبراء في القطاع العقاري تخوفهم من انعكاسات سلبية الضمان الشخصي الذي جعل أفراد كثيرة أو مؤسسات صغيرة أن تستفيد من الطفرة العقارية التي حدثت مطلع العقد الحالي بسبب تعثر سوق الأسهم، وظهور بعض المساهمات العقارية التي استفادت بدورها أيضاً من السيولة الهائلة التي توفرت لها جراء تسلم دفعات نقدية من مشترين ومولت بها مشاريعها ما دفع إعدادا كبيرة من المغامرين إلى دخول هذه السوق المربحة والسهلة لاقتناص الفرص ومنهم من روج لمشاريع خيالية ثم أودع السجن بتهم الاحتيال والنصب. وأكد عقاريون أن الحكومة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بالتدخل لصياغة إستراتيجية جديدة تقوم على منهجية مختلفة عما هي عليه الآن، إذ أن الخطط الحالية أصبحت عاجزة عن مواجهة الأزمة التي نمر بها. وبينوا أنه قبل نحو خمس سنوات أو أكثر كانت توجد رؤية لدى معظم الاقتصاديين والعقاريين بضرورة دخول السوق السعودية مرحلة جديدة في التعامل مع المنتجات العقارية، تعتمد على شركات عملاقة وتجمع عقاريين يتعاطون مع الأرض والبناء وفق مفهوم جديد يرسّخ النشاط العقاري، باعتباره من ركائز الاقتصاد الوطني الذي يحقق منجزاً يحسب على الدخل الوطني، يهتم بالبنية التحتية والفوقية في الوقت نفسه. كما أكدوا أن المرحلة المقبلة ستكون أكثر أماناً مع الشركات الكبيرة، باعتبارها ستكون ذات رأسمال كبير يخولها الدخول في مشاريع متعددة في الوقت ذاته، وسيدعم عملها نظام للرهن العقاري، وهو يشكل دفعة قوية للسوق العقارية، ما سيساعد في تحرك الجهات التمويلية والمصارف لتوسع أعمالها في قطاع العقارات بعد وجود ضمانات تضمن حقوقها، وتشجعها على الاستثمار من دون خوف. وسجلت مبيعات الأفراد نموا جيدا خلال الفترة الماضية في سوق العقارات السعودية، وجاء تنامي حركة الأفراد في بيع وشراء الأراضي في المرتبة الأولى قبل تداولات العقارات، وذلك لتعلق الأفراد في المملكة بشراء الأرض، في حين جاء شراء المنازل في المرتبة الثانية، وشقق التمليك بعدها، وهو ما يساهم في بوادر جيدة لاستقبال عام 2010 للسوق العقارية. وأكد عقاريون أن السيولة لدى الأفراد أفضل من ما هي لدى الكثير من الشركات، في ظل اعتماد الشركات على آليات تمويل مختلفة، قد يكون بعضها متعطلا بسبب ما يحدث من أزمة في التمويل وارتفاع تكلفته خلال الفترة الحالية، وهو ما ينعكس الآن على أداء عدد من الشركات العالقة في مشاريع سابقة، وقد تضررت من صعوبة الحصول على تمويل في وقت تمر به المنطقة في أزمات متواصلة. وقال باحثون في الشأن العقاري إن العقار بالنسبة للفرد السعودي ثقافة، كما أن العقار يعتبر من أقدم المهن الموجودة في المملكة، التي يكتسبها الفرد من الآباء والأجداد بطريقة التوارث، خصوصا بعد أن كانت المدن صغيرة، في الوقت الذي يعرف فيه العقار على أنه الابن البار. وتمثل الأراضي الطلب الأكبر للأفراد في الوقت الحالي، خصوصا أن الفترة الحالية تمثل فرصة للشراء، مع توقف الأسعار عن الارتفاع، وانخفاض عدد من الأراضي لحاجة الشركات إلى سيولة. وتمر السوق العقارية في المملكة بفترة ترقب، خصوصا قبل الإعلان عن قانون الرهن العقاري، وهو ما يؤكده العقاريون، وهو أن آلية القرار هي التي ستعمل على 3 تأثيرات على السوق، تتمثل في زيادة أداء السوق، أو انخفاضه، أو البقاء على ما هو عليه.