لم تبلغ من الكبر عتيا، عروس لا تزال فتية وفي السن صغيرة مقارنة بمثيلاتها إلا أن عروس البحر الأحمر «جدة» نالت من التجاعيد النصيب الأكبر وداهمتها علامات الكبر متحدية صباها، بل إن الأحياء الوليدة ما تلبث أن تلحق بركب القديمة فتساوى منها الحديث والعتيق وأصبحت الشيخوخة قاسما مشتركا بينها. وعن مشكلة البنى التحتية وضعفها في أحياء العروس العجوز شخص مهندسون واختصاصيون ل«عكاظ» المشكلات وطرحوا الحلول.. في البداية يقول المهندس فؤاد بوقري: نحن في المملكة لنا وضع خاص مثل الدول النفطية التي شهدت تطورا سريعا وزيادة الدخل العام، الأمر الذي دفع للهجرة إلى المدن وبناء الأحياء الجديدة وصاحب ذلك مبان سريعة جودتها ضعيفة ما أثر على البنية التحتية بشكل عام. وأضاف: تقع اللائمة في ظل الدعم الحكومي على القطاع الخاص المنفذ الذي سابق الزمن ولم يراع الجودة ما نتج عنه خلل في البنية التحتية وتطلب في نفس الوقت الصيانة بشكل مستمر. وتابع القول: تسارع وتيرة العمل بعيدا عن الجودة أثر على مستوى الخدمات ما نتج عنه دفع السكان لترك الأحياء القديمة والتحول للجديدة التي لم تكن أحسن حالا من التي هجروها في ظل غياب جهات تضع معايير للجودة ومراقبة دائمة للأعمال المنجزة وعليه محاسبة المقصرين كي لا يتكرر الخطأ. من جهته شبه الاختصاصي في المقاولات عبدالله رضوان المباني والمرافق العامة بالمركبات، إذ أن القاسم المشترك بينهما وجوب توفر الصيانة الدائمة والدورية، وشخص رضوان المشكلة في أن السكان لا يهتمون بصيانة المباني أو الواجهات كذلك الحال بالنسبة للشوارع والمرافق العامة ما ينجم عنه تراكم الخلل ومن ثم تفاقم المشكلة فأصبح وجه العروس على الحال الذي يراه اليوم الجميع. واستطرد: لا بد من توفر الخرائط التفصيلية للمباني وفق الواقع الفعلي والتي تساعد بدورها في عمليات الصيانة وتنبه إلى عوامل التعرية والرطوبة العالية، كما يتوجب التشديد على أعمال العزل، والأخذ في الاعتبار كود البناء السعودي الذي يساعد في الكثير من الأمور الفنية المتعلقة بالبناء والعوامل البيئية. ونوه الاختصاصي في أعمال البناء المهندس سلطان مازن إلى ضرورة رقابة نظام البناء في الأحياء والتركيز على البنى التحتية والمرافق الخدمة، وزاد: لا بد من توفر صبغة موحدة للمرافق داخل كل حي لمنع التلوث البصري، ويقع اللوم على عاتق المكاتب الهندسية في المقام الأول يليه البلديات التي يتوجب عليها تكثيف الرقابة وتوحيد أنظمة البناء على مستوى الأحياء وتكثيف الصيانة ومحاسبة المقاول أو المكتب الهندسي المخالف. وأوضح الاستشاري المهندس عبدالعزيز الحسن أن المشكلة تكمن في عدم أهلية منفذي الأعمال في قطاع البناء وعشوائية التنفيذ، مضيفا أن غياب الإشراف الهندسي على أعمال التنفيذ أدى إلى وجود خلل في أعمال المقاولات وقصر عمر المباني والمرافق. وزاد: عدم الاختصاص مشكلة كبرى فغالبية الأعمال المنفذة تؤديها عمالة تعلمت بدائيات الصنعة بالتجربة وليست مؤهلة من الأساس لأعمال المقاولات وفي الدول المتقدمة لا يمكن تبديل توصيلة كهرباء ما لم يكن الفني المختص مشرفا على العمل ويتم التنفيذ بأيد مختصة، كما أن المشكلة الأكبر في أننا طمسنا الهوية الحقيقية لجدة القديمة وأصبحت المباني الحديثة عشوائية لا تحمل أية هوية تميز جدة عن غيرها. وخلص المهندس الحسن إلى القول أنه لا بد من مراعاة التناغم البيئي في البناء وتنفيذ المشاريع الخدمية وأن تراعي عوامل الفصول الأربعة في التنفيذ لمنح المنجز قيمة زمنية لا تتغير ولا تهرم. وذكر الدكتور خيري عابدين أن التأخر في تنفيذ مشروع الصرف الصحي أدى إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية واختلاطها بمياه الصرف الصحي، ما أثر ذلك بشكل سلبي وسريع على البنية التحتية ومشاريعها، كما أدى إلى هبوط في طبقات الاسفلت وتصدعات المباني. وشاركه الرأي عضو اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية في جدة عبدالله الأحمري قائلا: إن المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي تسببتا في هشاشة الأرض التي تشبعت بالمياه وأصبحت غير قادرة على امتصاصها أو تصريفها. وأضاف: كان من المفترض أن تدرس التربة وقدرتها على التحمل ووضع الحلول بدلا من البناء كيفما اتفق، كما أن التمدد الأفقي يشكل معضلة حقيقية ويزيد من المعاناة ما لم تحل مشكلة الأحياء القديمة، فالتوسع دون تخطيط وتلاف للسلبيات يجعل بون المشكلة أوسع ويضعف إمكانية الحل. واقترح الأحمري أن تركز الأمانة على الأحياء الطرفية ما سيخفف الضغط على المناطق المركزية، يلي ذلك إعادة هيكلة القديم وتوحيد الطراز المعماري لصنع هوية موحدة توحي للغير بأن هنا جدة. وحدد الاستشاري المعماري طلال بن عبدالله سمرقندي أسباب تهالك الأحياء بشكل سريع إلى عدم التخطيط المسبق ما يدفع إلى التكسير والهدم لأجل إيصال خدمات البنى التحتية ولو كلف الأمر الحفر مرات عدة، إذ لا بد من توفير أنفاق خدمات يتم الوصول إليها عن طريق فتحات الصيانة دون الحاجة إلى تكسير الشوارع. وأوجز بقية المشكلات في تقادم شبكات الخدمات وغياب الصيانة إضافة لانعدام توفر شبكة للصرف الصحي والكوادر الفنية المؤهلة ما أدى لهبوط الطرق فور الانتهاء من المشاريع، وعدم وجود مقاييس متكاملة للبناء وضعف إمكانيات الهيئة السعودية للمهندسين وعدم قدرتها على أداء دورها الفعلي. ونوه إلى أن الحلول تكمن في منع بيع المخططات الجديدة ما لم تستكمل البنى التحتية وأن توضع حلول بديلة وعالمية لما يستحدث وإعادة النظر في اشتراطات الترخيص للمقاولين، كذلك تفعيل ودعم المراقبة الميدانية وتوفير الكوادر الفنية المؤهلة ووضع الأسس اللازمة لمحاسبة المقصرين.