مع نهاية كل عام، وخلال الجولات التي يقوم بها المسؤولون في أروقة الشركات، يبصرون تلك النظرة التساؤلية في عيون فريق العمل. هل من قرارات تتعلق بزيادات على الرواتب؟ هل من تقدير لما أنجزناه خلال العام الماضي؟ إلى أين نتجه في سلم الترقيات خلال العام الحالي؟ وغيرها كثير من نظرات الأمل المشبعة بالانتظار والترقب. ولعل أصحاب القرار في الشركات يقرأون كل هذه التساؤلات ويفهمونها، فيبادلونها بابتسامة ظاهرية وتساؤلات داخلية حول كيفية الموازنة بين تقدير فريق العمل الذي اجتهد وسهر وتعب وتحمل من اجل الحفاظ على استقرار الشركة في أصعب الظروف، وبين أوضاع الشركة الداخلية وغياب الربحية وإعادة الهيكلة والتغيير في الإدارة وسواها الكثير من الأمور التي أحدثت زلزالاً داخلياً في كثير من الشركات. وبين هذا وذاك، يبرز السؤال الصعب الإجابة. من يأتي أولاً: الزبائن أم الموظفون؟ الزبائن الذين نحرص على رضاهم وإرضائهم بشتى الأساليب، وهم الذين أودعونا أموالهم وثقتهم؟ أم الموظفون الذين لولاهم لما كانت شركة ولما كان عمل وربحية وإنجارات؟ تقول آخر النظريات في هذا الإطار إن الموظف هو من عليه أن يحتل الأولوية في سلم الاهتمام، وذلك كون إنتاجية الفرد تزيد بأكثر من 20 في المئة، متى شعر بالارتياح الوظيفي والتقدير من قبل مرؤوسيه في العمل، وبالطبع نتحدث هنا عن الموظفين أصحاب الدراية والمعرفة والخبرة والانضباط الذين لطالما عملوا لتحقيق مصلحة الشركة أولاً. ولعل أي كلفة إضافية قد تتأتى عن منح الحوافز للكادر البشري في الشركات، حتى في الأوقات الدقيقة والحاسمة، لا تعدّ عبئاً على موازنة الشركة، بل العكس تماماً، هي استثمار في الكادر الوظيفي والبشري الذي كلما حوفظ عليه وقدر، زادت إنتاجيته وحقق عائدات إضافية للشركة. إذاً، إنها مسألة أخذ وعطاء. ومع تراكم الخبرات، يبيّن الواقع أن الشركات كبيرة كانت أم صغيرة لا تخسر أو تنكسر من جراء دفعات إضافية أو حوافز تشجيعية، وإنما تفلس من قلة عملياتها، ومن غياب روح العطاء عند موظفيها. وكلا الأمرين يعتمد في الأساس على القدرة البشرية في الشركات. وبات من الواضح أن الشركات تتوقف عن النمو عندما يبقى موظفوها في مكاتبهم ليس للإبداع، وإنما فقط لأن لا خيار آخر أمامهم، في الوقت الحالي، في حين أنهم سيفضلون الانتقال إلى أصحاب العروض الأفضل مع أول فرصة سانحة... وعندها، تدخل الشركات في دوامة البحث عن موظفين أكفاء من جديد، وتدريبهم، وصرف المزيد من المبالغ عليهم لإعدادهم بالطريقة الملائمة وغيرها... إن جل ما تتطلع إليه الشركات صاحبة الرؤية هو امتلاك كادر وظيفي يتمتع بالحماسة والرؤية والفخر والتطلعات ذاتها، سواء من المديرين التنفيذيين أو مديري الخدمات أو المهندسين أو عمال الهاتف أو عمال النظافة أو مندوبي المبيعات أو سواهم. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال تنمية روح الوفاء لدى الموظفين والعمل على ألا يخيب أملهم بشركاتهم مهما كانت الظروف. اليوم، على كل شركة أن تعرف موظفيها جيداً وما يتطلعون إليه، وتلبية هذه التطلعات التي تتعدى تحويل الراتب مع نهاية كل شهر، كي تتمكن الشركة من جعلهم منخرطين في العمل، وإلا فإن تطلعات الشركات لحقبات مختلفة من النمو، لا يمكن أن تتحقق... لأنه وبكل بساطة، فشل قادة الشركات في تطوير هيكل وظيفي وفقاً لذلك. * نائب الرئيس التنفيذي لتطوير العمليات والتسويق في"المزايا القابضة"