منذ أشهر وهو يشكو من الدوخة، والشحوب، وسرعة التعب، والإرهاق، والطنين في الأذنين. وبينما هو عائد إلى منزله سقط على الأرض مغمياً عليه. أسعفوه إلى أقرب مستشفى. وبعد الفحص وإجراء التحاليل تبين أنه مصاب بفقر الدم. حاول الأطباء معرفة سبب فقر الدم، فاتضح أنه نقص الفيتامين ب12، ويسمى هذا النوع في الوسط الطبي بفقر الدم الخبيث، لأنه كان في الماضي قاتلاً، أما اليوم فيسهل علاجه، وغالبية المصابين يتعافون ويعيشون حياة طبيعية. كما يطلق على المرض اسم فقر دم أديسون، أو فقر دم بيرمر، أو فقر دم أديسون-بيرمر. وفي مرض فقر الدم الخبيث، لا يستطيع الجسم إنتاج كميات كافية من كريات الدم الحمر، ويصيب هذا المرض من 2 إلى 4 في المئة من عامة الناس، ويتظاهر بعوارض غير نوعية تشاهد في كثير من الأمراض. المعروف أنه يتم صنع كريات الدم الحمر في نخاع العظم، ويحتاج هذا الأمر إلى تضافر عوامل، من بينها الفيتامين ب12، الذي يطلق عليه اسم السيانوكوبولامين، الذي اكتُشف في أوائل الأربعينات من القرن المنصرم، وهو يملك بنية كيماوية معقدة، ولا يُمتص هذا الفيتامين إلا بعد أن يتحد مع مادة بروتينية تفرزها المعدة تسمى العامل الداخلي، ويمكن أن يأتي البعض إلى هذا العالم وهو يفتقر إلى وجود هذا العامل في جسمه. ولا يمكن تكوين فيتامين ب 12 داخل الجسم، والمصدر الوحيد لهذا الفيتامين هو المنتجات الحيوانية، كاللحوم والألبان، ويتم امتصاص هذا الفيتامين بشكل طبيعي في اللفائفي الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة بعد اتحاده مع العامل الداخلي. وغياب العامل الداخلي يحدث عندما يصنع الجهاز المناعي أجساماً مضادة تهاجم وتدمر الخلايا الجدارية الموجودة في الغشاء المخاطي المبطن للمعدة، التي تنتج العامل المذكور، أو أن الأجسام المضادة تهاجم العامل الداخلي ذاته. وحتى الآن لا أحد يعرف لماذا يداهم الجهاز المناعي هذه الخلايا أو العامل الداخلي. ومن الممكن أن يغيب العامل الداخلي كلياً في حال استئصال كامل المعدة، أو قد ينقص مستواه عند بتر جزء من المعدة فيقل بذلك عدد الخلايا الجدارية المنتجة للعامل الداخلي. يضرب مرض فقر الدم الخبيث أكثر ما يضرب الفئات الآتية: الذين يملكون تاريخاً عائلياً بالمرض. الذين يملكون اضطرابات في المناعة الذاتية. الذين خضعوا لجراحات أزيل فيها جزء أو كل المعدة. الذين تعرضوا لإزالة جزء من الأمعاء الدقيقة. النباتيون الذين يقتصرون في أكلهم على الأغذية النباتية فقط. المسنون الذين يتعرضون لضمور المعدة وما يتبعه من نقص في طرح الحامض المعدي والعامل الداخلي. الذين يدخنون كثيراً. الذين يتناولون بعض الأدوية. كيف يتظاهر فقر الدم الخبيث؟ إن التعب والإرهاق والشحوب هي من العوارض الأكثر بروزاً في ساحة فقر الدم الخبيث، ويعود السبب إلى عدم إنتاج الجسم ما يكفي من كريات الدم الحمر من أجل نقل الأوكسيجين اللازم إلى مختلف الأنسجة. ويؤدي تدهور عدد الكريات الحمر إلى اندلاع عوارض وعلامات شتى، مثل: ضيق التنفس، والصداع، والدوخة خصوصاً عند الوقوف، وبرودة الأطراف، وآلام في الصدر، واضطرابات في نظم ضربات القلب، وتضخم القلب، وأحيانا فشل وظائف الأخير، واللسان الناعم الأحمر، إلى جانب عوارض هضمية، مثل التقيؤ، وكثرة الغازات، والإمساك أو الإسهال، وفقدان الشهية على الطعام، وتضخم الكبد. وإذا طال أمد الإصابة بفقر الدم الخبيث، فإن المشاكل العصبية تبدأ بالظهور ، فيشكو المريض من التنميل والوخز كالأبر والدبابيس في أصابع اليدين والقدمين، وفقدان التوازن، والصعوبة في المشي، وضعف في العضلات، وفقدان ردود الفعل، والإحباط، والخرف، واضطرابات في الذاكرة وفي القدرات العقلية الأخرى. كيف يشخص فقر الدم الخبيث؟ يتم التشخيص بناء على المعطيات السريرية، والتحاليل المخبرية، إذ إن فحص الدم يسمح بوضع النقاط على حروف المرض. ومتى شخص المرض يقوم الطبيب بتحريات لرصد سبب فقر الدم، وهل هو ناتج عن غياب العامل الداخلي الذي تفرزه المعدة أم أنه ناتج عن أسباب أخرى. كيف يعالج فقر الدم الخبيث؟ يقوم العلاج بالدرجة الأولى على تعويض النقص الحاصل في الفيتامين ب12 في شكل حبوب أو حقن من أجل تسريع رحيل عوارض فقر الدم، وبالتالي الحيلولة دون حدوث المضاعفات. ويعمل الطبيب للبحث عن السبب الذي يقف خلف فقر الدم الخبيث وبالتالي علاجه بالطريقة المناسبة. وفي العادة يطرأ التحسن على المصاب في غضون أيام قليلة من إعطاء العلاج الذي يسمح بالعيش حياة طبيعية. إذا كان العامل الداخلي للمعدة هو السبب، فهنا لا مفر من أخذ جرعات إضافية من الفيتامين ب12 مدى الحياة. أما إذا أمكن تطويق أسباب معينة فعندها يجري العمل على إزالته إن كان ذلك ممكناً. وفي الختام، نشير إلى بعض الملاحظات: 1- الفيتامين ب12 ينتمي إلى مجموعة الفيتامينات الذوابة في الماء. 2- إن كمية قليلة قدرها 5 مليغرامات من الفيتامين التي تخزن في الكبد تكفي لسد حاجة الجسم لمدة ثلاث سنوات. 3- يعصف فقر الدم الخبيث بجميع الفئات العمرية من دون استثناء، وحتى الأطفال الرضع يمكنهم أن يصابوا به. 4- لا يتوافر الفيتامين ب12 في النباتات البتة، ولكنه يوجد بغزارة في الكبد والأحشاء، وبكميات قليلة في اللحوم والبيض والأسماك والحليب. 5- على المصابين بفقر الدم الخبيث أن يراجعوا الطبيب بانتظام من أجل تعديل العلاج إذا لزم الأمر، وكذلك من أجل الوقاية من الاختلاطات الناتجة عن المرض، خصوصاً سرطان المعدة.