في هذه الأيام بالذات التي تعيش فيها المنطقة العربية عموماً عرس التغيير الثوري السلمي بامتياز، تعلن أميركا بكلمة واحدة فقط وبكل بساطة قتل بن لادن، مزاحمة كل ذاك التوهج الثوري الذي يطغى على الإعلام. فتهب جميع المحطات الإعلامية العالمية هبة واحدة مزيحة كل الأخبار الساخنة الأخرى وكل الدماء الجارية على ساحات الفعل العربي إلى الزاوية المعتمة متيحة الفرصة لمن يرغب في زوال وغياب تلك الصور ليفعل ويفعل المزيد في عتمة الشاشات، وبدورهم قواد الإعلام لا يخطر على بالهم في تلك اللحظات سوى سؤال واحد يكرر على الأسماع بدأب مر:"أين ومتى وكيف سترد القاعدة؟"في إلحاح محموم وغريب على تلك الفكرة. كما يأخذ المسؤولون الغربيون دورهم في ذاك التوجه فيهرعون إلى تحذير شعوبهم والعالم من رد محتمل وقريب ولربما مؤكد من أتباع بن لادن المزعومين ليغسلوا الدم المراق بالدم ويكووا الجرح المفتوح بجرح جديد ويشبع هؤلاء الرغبة بالانتقام من أولئك، وكل السياق أشبه بدعوى صريحة لتجديد الملاحم الدموية واستنفار الخلايا النائمة الخائبة بفعل خبوت واستنكار ذلك التوجه شعبياً ليطفو على السطح من جديد ويعاد استخدام بن لادن"بقتله المزعوم"كشرارة لإيقاد العنف كما استخدم في حياته. لقد استطاعت الثورات العربية السلمية أن تأتي بتغيرات عميقة وجذرية في العالم العربي لن يستثنى من تبعاتها أحد ولا حتى أميركا والغرب في عصر يبدو أنه سيكون بحق عصراً للشعوب، وهو ما يجد فيه مروجو الحروب والدمار في العالم ما يهدد مصالحهم. ومن الضروري والحال كذلك محاولة حرف التوجه السلمي الإنساني الذي اختاره شباب المنطقة للتغيير الذي ينشدونه لواقعهم، إلى دائرة الدم والإرهاب مرة أخرى وقد أثبت سلاح اللاعنف بأيديهم وبصدورهم العارية قدرة فتاكة على التأثير والتغيير. لقد عرفت الشعوب العربية طريقها نحو التغيير السلمي ثم السلمي ثم السلمي، وهذه المحاولة البائسة لن تعيد الزمن إلى الوراء مرة أخرى، أما مسألة بن لادن فيرى كثيرون اليوم أنها لم تكن حقيقية بل مجرد محاولة من دون عمق إنساني، يرفدها إحساس متجذر باليأس وخيبة الأمل لدى شعوب المنطقة تدفعهم في ذلك الفطرة الإنسانية المتوثبة نحو الخلاص. كما يبدو أن كل تلك الأفلام والمحاولات لن تجدي نفعاً في حرف الشعوب الثائرة عن مسارها بعد أن وضح الطريق والهدف. سعاد خبية - سورية - بريد إلكتروني