إحدى المعلمات في مدرسة ثانوية في دمشق تحدثت في سهرة عائلية عن اشتباك بالكلام امتد الى اشتباك بالأيدي، وقع بين الطلبة في المدرسة بسبب بن لادن وقسمه. اذ اعتبر أحد الشبان ان ساعة الجهاد قد أذنت وإذا سمحت الظروف له سينضم الى طالبان للدفاع عن منظمة القاعدة وقائدها. أيده بعض الطلبة بالحماسة نفسها، لكن زميلاً لهم سخر قائلاً: قبل أن تعلنوا الجهاد لا بد من أن تجدوا قطيعاً من الحمير التكنولوجية تساعدكم ليس على اجتياز الجبال والقفار، بل القدرة على التخفي والفرار من أجهزة المراقبة الاميركية. وعلق طالب آخر: يا أخي المشكلة ليست في الحمار التكنولوجي أو أجهزة المراقبة الاميركية، المشكلة أولاً في الوصول الى أفغانستان في هذه الظروف. فما كان من صديقه الا أن قال: في وسعك طلب المساعدة من "السيدة ملعقة" لتحملك الى هناك وسأذهب معك، فعاد الآخر يقول: للأسف، لن أرافقك، لا يوجد في كابول ولا قندهار مدارس بنات ولا حتى بنات، فمن اجل أي شيء سنجاهد؟ كان لذلك الحديث المتحمس والعابث والاستفزازي فاعليته في اشعال معركة حامية بين الطلبة بدأت داخل السور وامتدت خارجه بعد انتهاء الدوام، جرى فيها تبادل الاتهامات بالسخافة والتفاهة وعدم المبالاة بالانتفاضة الفلسطينية، والاغتيالات والقتلى من الشبان والاطفال الذين يستشهدون يومياً، واتهامات مضادة بالمزايدة والكذب والارهاب أيضاً. زاد من تأججها في اليوم التالي، الأخبار المتلاحقة عن الهجوم الذي لم تخف حدته على افغانستان، وأخذ حيزاً كبيراً الى جانب الحدث الاميركي وضربات 11 أيلول سبتمبر والتحقيقات المتواصلة. ولكن، مثل الاذاعات والقنوات الفضائية، لم يعد هناك من يسأل عن الاثباتات التي تؤكد الشبهة حول بن لادن، بات هناك من أخذ يتساءل: اذا كانت اميركا قد نفذت وعيدها، فكيف سيكون الرد الأفغاني؟! خصوصاً بعد أن بثت قناة الجزيرة بيان بن لادن الشهير المتضمن قسمه بألا تنعم أميركا بالأمن ما لم تعشه واقعاً فلسطين. لمياء ن. 23 عاماً، تقول: قبل 11 أيلول لم أكن أعرف عن بن لادن شيئاً، اليوم أبحث عنه في الصحف والانترنت، أليس من الغريب رؤية اميركا في حيرة من أمرها، ورجالها الرسميين يتحركون هلعين في الأماكن الفخمة والمؤتمرات الصحافية، يدلون بالخطب والبيانات، ضد عدو يظهر بوجهه المعفر بالغبار في أرض قاحلة جرداء وجبال صخرية. أما خالد 30 عاماً، فلا يعتقد "ان هناك أية اثارة في قصة بن لادن وهي لا تستحق كل تلك الأقاويل والشائعات وكأنما الناس بحسب المثل الدمشقي يريدون جنازة ليشبعوا لطماً، وقد جاءتهم قصة على طبق من الاشرطة التلفزيونية، الناس يتشدقون بالجهاد وهم منشغلون بأعمالهم اليومية كما يتشدقون عادة برواية الفضائح الصغيرة. والمميز في الحديث عن بن لادن انه معولم، ولا أعتقد أن ثمة منزلاً في العالم كله لا يتبادل فيه قاطنوه الأحاديث عنه". ويتابع عمار رضا 29 عاماً، المشهد نفسه: "كنت أتجول في شوارع دمشق يوم سمعت قسَم بن لادن بعد بدء الهجوم على أفغانستان، وتابعت الخبر من خلال أجهزة التلفزيون الموجودة في المقاهي والمحال التجارية، فمن ساحة الشهبندر وحتى السبع بحرات وصولاً الى التجهيز ومقهى الكمال ومن ثم الهافانا ومقهى الشام كانت صورة بن لادن وهو يرفع يده مقسماً تلاحقني، من دون أن أبذل جهداً إضافياً لألاحقها وأعرف المزيد، كان كل من أقابله يتبرع بإخباري عما قيل وعما لم يقل بعد، حتى سائق التاكسي الذي أوصلني الى البيت قدم لي موجزاً مع إضافة تحليلاته الخاصة وتعليقاته. أما في البيت فلم يكن الموضوع نفسه بعيداً من أخوتي الشباب الذين استرسلوا في الحديث عنه وكانوا مصرين على أنه بريء، وأن الرئيس بوش وأجهزته اضطروا لإلصاق التهمة ببن لادن والوعد بالقضاء عليه لاستعادة هيبتهم في العالم وللتخلص من مأزقهم، لم يخل حديثنا من وجوم، كانت الهيمنة الاميركية مسيطرة علينا". في حين يقول سامح نبهان 13 عاماً بامتعاض: "صرت أمقت اسم اسامة لكثرة ما يتردد على الألسنة، حتى صديقتي التي لا أراها إلا مرة في الاسبوع بدل أن تقول كيفك، تسألني شو آخر نكتة سمعتها عن بن لادن؟". هناك من يقول ان اسامة بن لادن تفوق على أعتى نجوم العالم من حيث عدد الباحثين عن أخباره في شبكة الانترنت، وكأنما صار حقاً بطل الإثارة والرعب بلا منازع. رافي 26 عاماً، يقول: "أول شيء أفعله أتفقد بريدي الالكتروني بحثاً عن جديد من صور طريفة ونكات حول بن لادن تردني من أصدقاء تعرفت اليهم عبر الانترنت، أما على صعيد الجدية، فيقول رافي، أنا لا أفهم في السياسة لكنني أستغرب كيف تقدم الدول القوية في العالم على حشد كل تلك الجيوش لمقاتلة فريق ضعيف وفقير سواء كان بن لادن أو طالبان وحتى أفغانستان، أحياناً أظن أن أميركا تريد اختبار أسلحتها فترميها في أرض قاحلة، وإذا كانت ستجرب حرباً ما وتعتبر أفغانستان حقل تدريب واختبار، فإنها ستشكل أسوأ سمعة للاميركيين، وسيحصدون الأرواح من غير خسائر مادية". لانا ص. 22 عاماً: "لم أهتم ببن لادن مطلقاً حتى عندما وقعت الضربات على أميركا، لكن عندما رأيته في التلفزيون أذهلتني طلته ونحوله وسمرته وظهوره الفجائي والصاخب، وهذا عزز ثقتي بنفسي لأنني أنا أيضاً نحيلة وسمراء، ودائماً يسخر اخوتي مني، بأن لا أمل يرجى من أشخاص نحيلي القوام، والآن كلما كرروا على مسامعي ذلك الكلام، قلت لهم: صحيح ان لا خير يرتجى منا لكن انظروا الى مقدار الشر الذي باستطاعتهم القيام به، وحتى اذا لم يكن هو الذي فعلها حقيقة، فلا شك انه دوخ العالم!!". أما ربى 27 عاماً فتقول: "أنا شديدة الاعجاب ببن لادن وبثقته بنفسه التي احياناً أعتقد انها مجرد تمثيل". ولا تنكر ربى أنها لحظة سمعت قسمه تحمست له وتمنت أن تخرج الى الشارع وتهتف، وتعززت حماستها عندما اطلعت على نتائج استطلاع اجراه موقع "عجيب" شارك فيه 1229 شخصاً، كان منهم 666 شخصاً يحبون العيش تحت حكم طالبان ونسبتهم 54 في المئة، بينما 421 قالوا لا ونسبتهم 34 في المئة، أما الباقون 142 ونسبتهم 12 في المئة لا يعلمون الاجابة. لكنها أعادت النظر بحماستها عندما سمعت نكتة تقول: احتار الاميركيون ماذا يفعلون ببن لادن؟! إذا قتلوه سيتحول الى شهيد وإذا تركوه لن ينطفئ غضب الشارع الاميركي، فاقترح احدهم ان يقبض عليه وتجرى له جراحة ليتحول الى امرأة يتركونها تعيش تحت حكم طالبان. تتابع ربى، مع انها مجرد نكتة فقد جعلتني أتراجع عن حماستي، لماذا أساند بن لادن ألأنه يواجه اميركا أعظم قوة في العالم أم لأنه بطل حقيقي لا يقل اسطورية عن أبطال الرسوم المتحركة التي تربينا عليها؟ إنه لم يقدم للمرأة المسلمة سوى مزيد من القهر. محمد 20 عاماً لم يفهم بعد شيئاً من قصة بن لادن، وكل ما يرده من معلومات من هنا وهناك يزيد من تساؤلاته الكثيرة التي من أهمها ما يعني مصطلح "الأفغان العرب" وماذا يفعل العرب هناك؟ من أجل أي شيء يجاهدون؟ لماذا لا يجاهدون في أوطانهم؟ بينما تساؤلات هالة محمود 27 عاماً تذهب بعيداً نحو طرق الجهاد فتقول: لماذا يقترن موضوع الجهاد في سبيل تحرير الوطن بقتل النفس، أليس هناك جهاد نظيف من الدماء وطرق سلمية للجهاد والمقاومة؟ لم لا نستفيد من نموذج غاندي الذي لم يحمل السلاح ولم يستخدم التقنيات القاتلة لتنفيذ عمل ارهابي، وإنما باللاعنف والمحبة والتقشف والورع والصمود تمكن من تحرير الهند من بريطانيا أقوى دولة في العالم حينذاك، ألا نبدو كعرب ومسلمين بحاجة الى غاندي عربي يقدم صورة حضارية عن ديننا الحنيف؟ مروان ع. 26 عاماً لا يتفق مع ما تقوله هالة فهو يعتقد ان الصوت الهادئ يحتاج الى سنوات طويلة ليصل الى هدفه وهو الاسماع فحسب، هذا اذا لم يكتم الصوت والنفس معاً، ان عملاً واحداً كالذي جرى في 11 أيلول كفيل بهز العالم اذا لم يقوضه، من المهم ان يسمع العالم صوتنا، ومن المؤلم ان يسمعه بهذه الطريقة البشعة. وربما اذا اراد الاميركيون التعامل مع الواقع فعليهم محاكمة الادارات التي رسمت سياسات اميركا الخارجية وكدست هذا العداء الهائل لأميركا ظالمة تناصر القضايا غير العادلة. إلا أن شذا فرزلي 24 عاماً لا تتفق كثيراً مع ذلك الرأي فهي تسأل: عن أي حق يدافع بن لادن وهو الذي يجاهد لقتل الأبرياء من آباء وأمهات وأطفال لأنهم فقط يهود أو نصارى؟ وتتابع شذا : بن لادن أصبح نجماً تلفزيونياً ليس لأنه يملك جيشاً من نساء وثروة استثمرها في الارهاب، بل لأنه أجاد توظيف الشعارات الجهادية وتسلق على القضايا العربية المعقدة والحق العربي والانساني سواء في فلسطين أو العراق، الثقة التي أظهرها بن لادن أثناء تلاوة قسمه على الملأ أشعرتني بأنني أتابع "فيلماً أميركياً طويلاً" من انتاج اميركي ومن بطولة بن لادن. تعقّب مايا 26 عاماً، تعمل في قطاع الانتاج التلفزيوني، فتقول: ان الحديث عن الأفغان وبن لادن والاميركيين، على رغم ما يحمله من تشويق صار مملاً، فهي لم تفهم منه شيئاً سوى أن العالم كله مدعو للمشاركة في فيديو كليب كرتون اميركي، بطله العربي بن لادن الذي انتصر على حين غرة على رامبو الاميركي الذي وقف مكتوف اليدين، في يوم الثلثاء الأسود جداً، وبسبب هزيمته النكراء، سيلحق به الاميركيون فيديو كليب اضافياً يظهر فيه، بطبعة معدلة، رامبو اميركي مطوَّر تخلّف عن دوره البطولي في يوم الثلثاء المشؤوم. وسيقوم بأداء دور في منتهى القوة والوحشية لا يفتقد البشاعة والشناعة، وبحوزته أقوى التقنيات المتطورة، يقصف ويدمر ويقتل، يقلب الأرض الى جحيم، وعلى مدى سنوات، ويحصد في كل يوم، ثلثاء أسود فاحماً ضارباً الى الأحمر الفاقع، يُنسي الاميركيين ومعهم الأوروبيون ألوان السواد المتنوعة التي تجرعوها.